مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

ابن الطيب الشرقي (ت1170هـ)

الشيخ الإمام المحدث المسند اللغوي العالم العلامة، محمد بن الطيب بن محمد بن محمد بن موسى الصميلي الفاسي المالكي شمس الدين أبو عبد الله الشهير بابن الطيب الشرقي.

كانت ولادته سنة (1110هـ) بمدينة فاس التي نشأ وتعلم بها، وقضى بها النصف الأول من حياته ثم قضى النصف الثاني بالمشرق، حيث جاور بالمدينة المنورة بقية حياته إلى أن وافاه الأجل هناك رحمه الله.

ينتسب مترجمنا إلى أسرة عالمة جل أفرادها من أهل العلم والدين والورع، ومن أفراد هذه الأسرة العالمة: جده لأبيه أبو عبد الله محمد بن موسى الذي كان عالماً صالحاً أديباً بارعاً، وعم جده كان معروفاً بالفقيه المقرئ الصالح، وأبوه محمد الطيب الذي يعد من شيوخه الذين أخذ عنهم، وأخته آمنة التي كانت تحضر مجالس العلم والحديث في القرويين، وعمته الزهراء زوجة الحسن بن مسعود اليوسي التي يروي عنها بعض المسلسلات الحديثية، وهكذا كانت لهذه البيئة العلمية التي نشأ فيها ابن الطيب الشرقي أثر كبير في تكوينه العلمي.

حصَّل الشيخ محمد بن الطيب مبادئ العلوم كلها بمدينة فاس، وتلقى العلم أولاً على يد أفراد أسرته خاصة والده وعمته الزهراء، ثم على يد طائفة من العلماء الأجلاء والأساتذة المشهورين، الذين ذكرهم في فهرسته الصغرى الموسومة بـ «إرسال الأسانيد» وأفاد أن عددهم يقارب المائتين، ومن أبرز شيوخه: أبو عبد الله محمد بن العربي الفاسي (ت1129هـ)، وأبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي (ت1129هـ)، وأبو عثمان سعيد بن أبي القاسم العميري (ت1131هـ)، وأبو عبد الله مَحمد بن عبد الرحمن الفاسي المعروف بالصغير (ت1134هـ)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد ابن المسناوي (ت1137هـ)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن الشاذلي (ت1137هـ)، وأبو العباس أحمد بن علي الوجاري (ت1141هـ) … وغيرهم. وكانت رحلته الأولى سنة (1139هـ) إلى المشرق لأداء مناسك الحج، كما كانت مناسبة للاستزادة من العلم والاحتكاك بالعلماء بكل الأقطار العربية التي مر منها، بداية ببلدة الأغواط بالجزائر، ومرورا بطرابلس ثم القاهرة، أما الرحلة الثانية فقد كانت سنة (1143هـ) إثر الأحداث السياسية والاقتصادية التي عرفتها مدينة فاس بعد وفاة المولى إسماعيل، وهكذا توجه ابن الطيب الشرقي إلى المشرق وهناك جاور بالمدينة المشرفة وتولى الإمامة والخطبة بالمسجد النبوي إلى أن توفي رحمه الله، وكانت له قبل ذلك زيارات إلى عدد من البلدان العربية والإسلامية؛ كالشام، والحجاز، والعراق، ومصر، وغيرها من البلاد.

وإلى جانب معاصريه من العلماء، كان المترجم رحمه الله من المشاركين الذين جمعوا بين الفقه، والحديث، والتصوف، وعلوم القرآن،  واللغة، والأدب، بالإضافة إلى علوم أخرى حصَّلها من خلال مطالعته واجتهاده الشخصي، وهذا ما أهله ليتولى مهمة التدريس والتأليف والقضاء، وهكذا عمل على إفادة أبناء مدينته فاس وتعليمهم، ومن بين تلاميذه في فاس: عبد المجيد بن علي المنالي الزبادي (ت1163هـ)، وحمدون بن محمد بن عبد السلام الفاسي (ت1190هـ)، وأبو عبد الله الخياط وآخرون، كما تقلد رحمه الله منصب القضاء بفاس، وبغيرها من المدن المغربية.

وتميزت المرحلة الثانية من حياته التي قضاها بالمشرق بانكبابه رحمه الله على نشر العلم بالمسجد النبوي الذي تولى به الخطبة والإمامة، ومن تلاميذه في هذه الفترة: محمد أفندي المسعودي المدني (ت1174هـ)، ويوسف بن عبد الكريم الأنصاري الحنفي (ت1177هـ)، وأبو الفيض محمد المرتضى الزبيدي (ت1205هـ) الذي كان يثني بذكر شيخه ابن الطيب في كل مؤلفاته، قال في تاج العروس: «…شيخنا المحدث الأصولي اللغوي، نادرة العصر أبو عبد الله محمد بن محمد بن موسى الشرقي الفاسي…»، وقال عنه في «ألفية السند»:

محدث العصر الفقيه الماهر***وكم له بين الورى مفاخر

كان مترجمنا الشيخ ابن الطيب الشرقي رحمه الله غزير الإنتاج، متنوع المشاركة في علوم مختلفة، وأكثر من ثلث مؤلفاته كانت في مجال العلوم اللسانية، بينما احتلت العلوم الشرعية الرتبة الثانية من بين العلوم التي شارك فيها، ومن بين مؤلفاته : «إضاءة الراموس»، «تحرير الرواية في تقرير الكفاية»، «المسفر في خبايا المزهر»، «حاشية على شرح القسطلاني للصحيح»، «الاستشفاء بشرح ذات الشفا» وهو شرح سيرة منظومة للعلامة ابن الجزري المقرئ، «حاشية على الشمائل»، «شرح المضرية في مدح خير البرية»، «سمط الفرائد فيما يتعلق بالبسملة والصلاة من الفوائد، «والفهرسة الكبرى المسماة: «إقرار العين بإقرار الأثر بعد ذهاب العين»، والفهرسة الصغرى الموسومة: «إرسال الأسانيد وإيصال المصنفات والمسانيد»، «الأنيس المطرب في من لقيته من أدباء المغرب»، «الرحلة الحجازية الأولى والثانية»، «الأفق المشرق بتراجم من لقيناه بالمشرق»، «أجوبة فقهية»، «حواشي المحلى»، «الاستمساك بأوثق عروة في الأحكام المتعلقة بالقهوة»، إلى غير ذلك من المصنفات والرسائل التي تزيد على الخمسين.

توفي ابن الطيب رحمه الله بالمدينة المنورة سنة (1170هـ) بعد أن ألمَّ به مرض كان سببا في إنهاء حياته، ودفن عند قبر السيدة حليمة رضي الله عنها.

مصادر ترجمته:
تاج العروس (1/3)، (3/291)، سلك الدرر (4/108-112)، عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي (1/298)، الرسالة المستطرفة (85)، سلوة الأنفاس (3/67)، فهرس الفهارس (2/1067-1071)، دليل مؤرخ المغرب الأقصى (1/246)، الأعلام للزركلي (6/177-178)، المصادر العربية لتاريخ المغرب (1/176-177)، النبوغ المغربي في الأدب العربي لعبد الله كنون (291) معلمة المغرب (16/5358)، التعريف بابن الطيب الشرقي للدكتور عبد العلي الودغيري.

Science

الدكتور نور الدين شوبد

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق