الرابطة المحمدية للعلماء

إغلاق آخر مصنع في العالم لإنتاج الآلة الكاتبة

 منذ سنوات يتم نعي الآلة الكاتبة التقليدية التي تردد أنها اندحرت أمام الطابعات الالكترونية ولوحات الكمبيوتر. هذه النبوءات كانت سابقة لأوانها لكنها تحققت اليوم، وفي العام 2012 بات بالإمكان رثاء هذه الآلة التي شكلت ثورة في عالم الطباعة والنشر، إذ إنها ستنقرض حتماً، وقد تبقى منها بعض القطع للذكرى والمتاحف ليس إلا، تماماً كما هياكل الديناصورات!

تكرست هذه الحقيقة بعدما أعلنت شركة “غودريج آند بويس” الهندية، وهي تضم آخر مصنع في العالم لإنتاج الآلة الكاتبة، أنها توقفت عن إنتاج الآلة الكاتبة منذ العام 2009، وأنها بصدد بيع الدفعة الأخيرة من إنتاجها؛ أي نحو 200 آلة ليس إلا، بعد ذلك ستغلق أبوابها نهائياً.

قد يشعر كثير من الكتاب والصحفيين القدامى بالحنين للطباعة على الآلة الكاتبة، هذا الاختراع المدهش الذي قلب موازين النشر والكتابة، وذلك بعد سماعهم أنباء تؤكد أن المصنع الأخير لإنتاج الآلات الكاتبة في العالم، ومقره في مومباي في الهند، سيغلق أبوابه نهائياً، مما سيدخل هذه الآلة غياهب الماضي والنسيان.

ربما لا يشعر كثير من شباب اليوم بأي ارتباط بالآلة الكاتبة، لكن إذا ما أجرينا مقارنة سريعة، فإنه يمكن القول إن هذه الآلة تمثل للآباء والأجداد ما تمثله اليوم لوحة مفاتيح الكمبيوتر اليوم بالنسبة لنا، لذلك فهم حتماً سيفتقدون النقر على حروفها البارزة وصوتها المتقطع.

قبيل إغلاق أبوابها نهائياً، قررت الشركة أن تبيع نحو 200 آلة كاتبة، هي آخر ما لديها في مخازنها، هي في حقيقة الأمر آلات في معظمها مخصصة للكتابة باللغة العربية و20 فقط باللغة الانكليزية، وذلك لمن يود الشراء. ولا شك أن كثيرين سيقبلون على شراء هذه الآلة للاحتفاظ بها كذكرى.

وبالرغم من اختفاء الآلات الكاتبة منذ عشرات السنوات من دول العالم المتقدم، واعتبارها من مخلفات الماضي، إلا أنها كانت حتى وقت قريب جداً منتشرة في دول العالم الثالث، والهند تحديداً، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تفضيل كثير من الشركات والأفراد في الهند الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر والاستغناء عن الآلات الكاتبة، وقد أكدت الشركة أن تراجع الإقبال على الآلات الكاتبة بدأ منذ عام 2000 تقريباً، حتى وصل الأمر الآن إلى عدم تلقي آخر مصنع ينتج الآلة الكاتبة لأي طلبات شراء.

مع ذلك، حاولت الشركة الهندية الاستمرار، ومقاومة الإفلاس، لكنها أوضحت، على لسان أحد مسؤوليها، أن لحظة النهاية جاءت مفاجئة وسريعة، حيث كانت الشركة تنتج وتبيع حتى عام 2009 ما بين 10 إلى 12 ألف آلة كاتبة سنوياً حسب الطلب، وكانت تبيع النصيب الأكبر منها إلى الوكالات والهيئات الحكومية والمحاكم بقيمة 165 جنيه إسترليني للواحدة، لكن العام الماضي تحديداً شهد لفظ الآلة الكاتبة آخر أنفاسها، حيث تم بيع 800 آلة فقط مما جعل الشركة تتحمل خسائر كثيرة.

وفي العام الحالي، انخفض الطلب إلى الصفر تقريباً، وهو ما دفعها إلى اتخاذ قرار الإغلاق. ولكل من يتساءل، فقد تحول المصنع إلى مصنع لإنتاج البرادات، وتم تدريب كثير من العمال على العمل الجديد حتى لا يتم التخلي عنهم!
ولفت مدير الشركة، ميليند دوكيل، إلى أنه “منذ نحو زمن بعيد، بدأ الكمبيوتر الشخصي يستولي على المساحات التي كانت تشغلها الآلة الكاتبة، ورغم أن المصانع الأخرى في العالم أغلقت أبوابها منذ زمن، فقد قررنا المضي إلى نهاية الطريق الحقيقية، وها نحن قد بلغناها.. وأمام عشاق هذه الآلة الفرصة الأخيرة لشرائها اليوم”.

ولفت إلى أنه “منذ الإعلان عن قرار إغلاق المصنع والتوقف عن الإنتاج، تردنا اتصالات من زبائن قدامى ومن جامعي التحف القديمة للاطلاع على أسعارها”، وبحسب إحصاء صغير أجراه العمال، فقد تلقى المصنع 500 اتصال في غضون يومين فقط بشأن شراء ما تبقى من الآلات الكاتبة، وربما يتحول الأمر في نهاية المطاف إلى مزاد علني!

وكانت “غودريج آند بويس” قد بدأت إنتاج الآلات الكاتبة في الخمسينيات من القرن الماضي، وقد اعتبرت الآلة الكاتبة في ذلك الوقت رمزاً لاستقلالية الهند وتفوقها الصناعي، وكان المصنع يحقق أرباحاً طائلة على مدى 60 عاماً، لا سيما في التسعينات مع فورة الاقتصاد الهندي، حيث بلغ إنتاج الشركة 50 ألف آلة في العام بثلاثة أحجام وبأربعين لغة مختلفة، بما في ذلك اللغات الهندية المحلية المتعددة، كما أن الشركة كانت تصدر الآلات الكاتبة إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكانت تضم أكثر من 1200 عامل في أقسام متعددة، فالآلة الواحدة تتألف من 2500 قطعة صغيرة، وبحسب العمال، فهي “قد تكون آلة صغيرة ويسهل حملها ونقلها، لكنها في الحقيقة آلة معقدة جداً”.

لكن في السنة الأخيرة، اضطرت الشركة، ومع انخفاض الطلب إلى تسريح العمال، واقتصر عدد المتبقين على 100 عامل فقط.

كانت الآلات الكاتبة بمثابة رمز للمكانة والمستوى الاجتماعي في الهند، بحيث كانت كل عائلة غنية تسعى لشراء هذه الآلة وتضعها بين مقتنياتها، كما كان حال الكمبيوتر عند انطلاقته، حتى أن بعض العائلات لا تزال تحتفظ به في زاوية من غرفة المعيشة؛ كذكرى جميلة عن الأيام الغابرة.

تتمتع الآلة الكاتبة بمكانة كبيرة لدى كثير من النساء اللواتي وجدن فيها وسيلة لتحقيق الاستقلال الذاتي ودخول معترك العمل، بحيث كانت نسبة كبيرة من النساء يعملن في الطباعة على الآلة الكاتبة، لا بل إن الفتيات الجامعيات كن يقمن بدورات تدريبية لامتهان أسرار الطباعة على الآلة الكاتبة، تماماً كما يفعلن اليوم في دورات متخصصة بالكمبيوتر.

دفاعاً عن الآلة الكاتبة، لا يزال البعض يجادل بأنها لم تمت تماماً، بل إنه يتم إنتاج نسخ من الآلات الكاتبة الالكترونية، مع الإشارة إلى أن الآلات الكاتبة الميكانيكية قد انقرضت.

في بعض المحاكم اليوم، يمكنك سماع نقرات الآلة الكاتبة التقليدية مع كل حالة طلاق، أو زواج، أو كتابة وصية، أو الإدلاء بشهادة. وفي أقسام الشرطة وعدد من المكاتب الحكومية في قرى الهند وعدد من الدول الآسيوية، لا يزال هناك عدد من هذه الآلات التي تصارع للبقاء على قيد الحياة، وهم يستخدمونها بسبب غياب الكهرباء في أغلب الأحيان.

إلى ذلك، لا يزال كثير من الكتاب والمؤلفين والصحفيين من عمر معين يستخدمون الآلة الكاتبة ويقولون إنهم يفضلونها عن الكمبيوتر، فبمجرد جلوسهم للكتابة.. تتدفق الأفكار، وتبدأ أصابعهم بالنقر بسرعة على الحروف البارزة لينهوا مقالات مطولة في وقت قليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق