مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

إطلالة على دور المرأة المغربية في الكفاح الوطني ضد الاستعمار

 

إعداد: بشرى لغزالي

 


ظهرت حركات نسائية في المغرب متعددة المشارب والتوجهات تدعو في مجملها رغم اختلافها المرجعي، إلى الدفاع عن حقوق المرأة وتعزيز مكانتها وإعطائها الفرصة لتكون عنصرا فاعلا في المجتمع. وتُعد هذه الحركات على اختلافها امتدادا لنضال المرأة المغربية الذي بدأ قبل الاستقلال في سبيل طرد المحتل. فكما أنجبت الأم المغربية العظماء من المجاهدين الذين سخروا أنفسهم للدفاع عن الوطن، فقد أنجبت أيضا نساء عظيمات ناضلن إلى جانب أشقائهن الرجال من أجل خدمة البلد.

لا شك أن انخراط المرأة المغربية خلال فترة الاستعمار في الحركة الوطنية راجع إلى مجموعة من العوامل المحيطة بها، إذ تُظهر سيرة النساء اللواتي انخرطن في العمل الوطني أنهن نشأن في وسط عائلي محافظ متمسك بمكارم الأخلاق والقيم الإسلامية حيث تشبعن فيه بالروح الوطنية، كما أن إلمامهن وإيمانهن بتعاليم القرآن والسنة النبوية أزالا عنهن كل خوف من البشر أو شعور بالضعف أو الدونية، وأشعرهن في المقابل بالعزة والكرامة والقوة وعلمهن التواضع واحترام الإنسان وخدمته. بالإضافة إلى ذلك، فقد هيأتهن الأسرة نفسيا للعمل الوطني من خلال سرد حكايات مشوقة للأطفال عن فظائع الاستعمار تركيما للحقد على ممارسات المستعمر تجاه أبناء الوطن. وبذلك وصلت الفتاة مبكرا إلى مستوى من الوعي والإدراك بمجريات الأوضاع والأحداث، وتحلت بروح مفعمة بقيم حب الوطن.

وعيا من المغاربة آنذاك بدور العلم والتعلم وأهميته في خلاص الوطن من براثن الاستعمار وبنائه وتنميته، أسست الحركة الوطنية مدارس حرة التحقت بها الفتيات للنهل من العلم -رغم أن ذلك كان يُعتبر جرأة وتحديا للواقع المفروض على المرأة- لأن التصور الطاغي حينها هو أن المرأة الجاهلة لا تستطيع أن تعطي جيلا متعلما وواعيا وأن التعليم وسيلة للتحرر من الاستعمار. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت التربية الهادفة في المدارس في إذكاء روح الوطنية في التلاميذ من خلال تجسيد أدوار بطلات مغربيات في مسرحيات مدرسية كدور زينب النفزاوية، زوجة يوسف بن تاشفين.

وقد تأثرت كثير من النساء بأزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن المقاومين، فمنهن من كانت تدعم زوجها في كل أدواره النضالية ومسؤولياته الوطنية وتحفظ أسراره رغم كونهن غالبا غير متعلمات، ومنهن من سارت معه على درب النضال واستمرت بدعم منه في أداء هذه المهمة ليشكلا ثنائيا في الوطنية والكفاح (فاطمة بنجلون).

رافقت المرأة المغربية شقيقها الرجل في مسيرة تحرير الوطن من الاستعمار من خلال عملها السياسي والاجتماعي على السواء. فقد اشتغلت بمكتب الحركة النسوية الحزبية مسجلة حضورها في التخطيط والتأسيس والتنفيذ، حيث كانت النساء يجتمعن في خلايا سرية نسوية بالمنازل أو الخيريات أو المؤسسات التعليمية أيام العطل رغم الخطر الذي يحف هذا العمل، من أجل توعية النساء اجتماعيا وسياسيا وتعبئتهن لتحرير الوطن. كما انخرطت النساء في تنظيمات حزبية كحزب الشورى والاستقلال، وأسسن تنظيمات نسائية حزبية كجبهة أخوات الصفا باعتبارها أول حركة نسائية مغربية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمن بإتقان في إخفاء المقاومين المطارَدين من المستعمر، ودعم عمل الفدائيين المسلح، وتخزين السلاح في أماكن آمنة وبطرق مختلفة (عيدة بويقبة)، وتنفيذ الأوامر بنقلها بين الفدائيين وتبليغ المعلومات (خديجة المذكوري)، وتوزيع المنشورات السرية، وتقديم الإسعاف وتحفيز الهمم. وعملت النساء أيضا على التأطير والتوعية ومحاربة الأمية باعتبارها عملا سياسيا ووجها من وجوه المقاومة، نظرا لقلة الأطر المتعلمة التي تساهم في عملية البناء السياسي. وبذلك جاهدت النساء في هذا المضمار بسخاء ونكران ذات وتواضع، وبرهن من خلال هذا العمل الوطني والحزبي عن نضج فكري وحدس سياسي. ولم تكن مهامهن تلك سهلة بل ذقن مرارة الاعتقال في سجون الاستعمار وعانين الأمَرين عند تعرض أزواجهن أو أبنائهن للاعتقال، متحليات بالإيمان والصبر على البلاء.

لم يتوقف نشاط المقاومات المغربيات إبان الاستعمار عند السياسة، بل أبدعن في مجال الأدب عبر نشر مقالات (زهور الزرقاء)، وكتابة مؤلفات وأشعار وقصص للأطفال (ثريا السقاط) والاشتغال في التدريس لزرع بذور حب الوطن في التلاميذ. ومن النساء المقاومات أيضا من كانت تنقل رأيها عبر وسائل الإعلام المتاحة للتعبير عن رغبات النساء كمليكة الفاسي التي تُعد رائدة الصحافة والكتابة النسائية وأول صحافية مغربية تنشر مقالا سنة 1935 باسم “فتاة”، والمرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال.

إلى جانب الأنشطة السياسية والأدبية، قامت المرأة المقاومة بأعمال اجتماعية وثقافية لما لها من تأثير بالغ في الفكر الإنساني، وفي توعيته وتحريره من مخلفات النوايا الاستعمارية. وسعت إلى مساعدة المضطهدين وإعانة الأسر المشردة، وجمع التبرعات المادية والعينية لمساعدة أسر المسجونين أو المنفيين وتمويل الحركة الوطنية، وتفقد ذوي الحاجات والأطفال والمعوزين بالمؤسسات الخيرية والمدارس النائية بالبوادي، ومؤازرة العجزة والأيتام والأسر الفقيرة. كما انخرطت في ورش محو الأمية وتأطير النساء، وفي جمعيات لتوعية المواطنين والمواطنات بواجبهم نحو وطنهم للدفاع عنه. كما دعت إلى الاهتمام بتربية النشء وتعليم المرأة وتثقيفها ومشاركتها في مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية. وبعد الاستقلال، انغمست هؤلاء المقاومات في العمل الاجتماعي كرعاية الطفولة والعجزة والمرضى، وبرزن أيضا في المشهد السياسي والنسيج المجتمعي.

لم يسجل التاريخ سوى أسماء قليلة للنساء اللواتي شاركن في الكفاح الوطني سواء في البوادي أو المدن، ولم يعكس حقيقة انخراطهن الفعال والمؤثر في إنهاء الاستعمار، وهو ما يُرجعه بعض الباحثين إلى الأقلام الذكورية التي اهتمت بكتابة التاريخ وطبيعة المجتمع المحافظ الذي جعل المرأة بعد الاستقلال تعود إلى أدوارها التقليدية التي تنحصر في الأعمال المنزلية، غير مطالبة باعتراف أو تعويض. لكن تلك القلة من أعلام النساء التي نعثر عليها في المراجع تُظهر جليا حب المرأة المغربية المقاوِمة للخير والوطن وإسهامها الفعال في تحريره دون خوف أو كلل. فتحية احترام وتقدير للمرأة المغربية المقاوِمة التي قدمت دروسا في التضحية والشجاعة للأجيال المتعاقبة.

المراجع:

–       مكانة المرأة المغربية المقاومة في الذاكرة الوطنية، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2005.

–       المقاومة النسائية بالمغرب، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، 2004.

–       المجاهدة المرحومة للا مالكة الفاسية علم من أعلام الحركة الوطنية والتحريرية، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير،2008.

–       موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب ((أعلام الحركة الوطنية))، المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.

 

 

نشر بتاريخ: 03 / 03 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق