الرابطة المحمدية للعلماء

أي دور للمرجعية القيمية في التعامل مع التوازنات البيئية؟

إدريس شحو: للمسلمين موروث حضاري وثقافي زاخر في ميدان التعامل مع البيئة

كان الترحال العلمي والدقيق مع موضوع ومفاهيم التوازنات البيئية وعلاقتها بالإنسان، محور ركن “الحوار الحي” الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء، زوال يوم الخميس 8 أبريل الجاري، من خلال استضافة الدكتور إدريس شحو، مسؤول بنية البحث في مجموعة الأبحاث والدراسات البيومناخية، ومسؤول ومشارك في تصور وتسيير “مختبر الجغرافيا الطبيعية للدراسات البيئية” بكلية الآداب الرباط، وهو أيضا، مسؤول ومشارك في تسيير وحدة الماستر (التوازنات الطبيعية للأراضي، وأدوار المجالات المحمية)، حيث توقف بداية عند تحديد المفاهيم لتنوير الرؤى أمام متصفحي الموقع والمشاركين في طرح الأسئلة الخاصة بالحوار؛

ويوجد على رأس هذه الأسئلة، ذلك الخاص بمفهوم البيئة، معتبرا أن إشكالية البيئة مفهوم مازال غامضا لحد الآن هناك البيئة ويتداول مصطلح آخر وهو الوسط الطبيعي، فهذا الأخير، حسب الدكتور إدريس شحو، هو مكونات السطح الكرة الأرضية مائها ومرعاها ونبتاتها وسهولها وعنابها وبحارها ومحيطاتها بما تنطوي عليه من موارد طبيعية (النباتات المياه، التربة، ثم الهواء هذا إضافة إلى المعادن المدخورة في داخل الأرض) مجردا من أي وجود بشري. أما البيئة فهي الوسط الطبيعي وعناصره زائد الوجود البشر أو الفعل البشري في البيئات الطبيعية متمثلا في البيئة الحضارية وفي البيئة القروية… وفعل الإنسان بدأ بدائيا وقد كان محدود الوقع عليها مع جماعات البشرية الأولى ثم ما فتئ أن يتطور عبر القرون وتوالي الحضارات وأشد المواقع تأثرا هو المجال الحول- متوسطي نظرا لأنه كان مهد الحضارات وحيث كلم الله الإنسان وللإسهام الضخم جدا لضفته الشرقية (أو الشرق الأدنى القديم) والجنوبية ثم الشمالية حيث وجدت التجمعات البشرية الأولى المنظمة فبدأ استهلاك الموارد الطبيعية.

فيما يتعلق بمفهوم “النظام البيئي” Ecosystéme فهو مفهوم طبيعي محض، ويعتبر جزءا من الوسط الطبيعي أولا، عندما يحصل تدخل البشري في الوسط الطبيعي نتحدث إذن عن البيئة وبالضرورة ندرج من بينها المنظومة البيئية. والنظام البيئي يفيد وجود شبكة علائقية تربط بين مكون أحيائي معين مهيمن مثلا : النظام البيئي لشجرة الأرز، ويشمل شبكة التي العلاقات التي ربطها هذا المكون البيئي المهيمن مع عناصر الوسط الطبيعي في غياب أي تدخل بشري، وقد يكون أيضا نظاما بيئيا مائيا (أو المناطق الغدقة)(Les Zones Humides)، أو ساحلي أو في أعالي البحار… حيث تبنى على تراتبية السلسلة الغذائية (la chaine alimentaire) إذن المقصود أن النظام البيئي يمكن أن يشكل جزء من البيئة والعكس ليس صحيحا.

بالعودة إلى عنوان الحوار الحي، والخاص بمأزق التوازنات البيئية، فتندرج حسب المحاوَر، إدريس شحو، ضمن مجال معين تفيد التكامل والتكافل البيئي، مثال ذلك: المغرب باعتباره بلدا جافا أو شبه جاف، فيما لو حاولنا تشخيص هذه التوازنات نجد أن الأسافل الفلاحية الكبرى (الغرب، سايس، تادلة، الحوز، سوس…) لا تنتج مواردها الطبيعية خاصة المياه، رغم أننا نعتبرها هي قطب الإنتاج والخصب بالمغرب والحقيقة أن المياه التي تروي الغرب وتادلة… كلها منحدرة من الأعالي أي من المناطق الجبلية التي ظلت تعتبر إلى وقت قريب كمجالات هامشية، والحال أنها التي هي تنتج الموارد المائية بالمغرب، انطلاق من أهم الأحواض المائية سبو، أم ربيع، ملوية التي تسمى دوالب الربط الكبرى بين المنظومة الأوروغرفية والسهول والهضاب الزراعية انطلاقا من الأطلس المتوسط باعتبار برج المائي للمغرب، ناهيك عن الفرشة الباطنية المائية، فلكونها مجالات عالية تستقطب التساقطات السائلة والصلبة التي تتسرب في بينتها الكلاسيكية إلى أن تلتحق بالفرشة المائية التي لا تعرف حدود نظرا لامتدادها نحو سايس الذي تجعل منه أحد أخصب السهول المغربية. من هنا فالتوازنات قائمة بين الأعالي والأسافل بشكل تكافلي.

من الأسئلة الهامة التي حفل بها الحوار، السؤال الخاص بثقل المرجعية القيمية في التعامل مع قضايا البيئة، حيث اعتبر الدكتور شحو في هذا الصدد أن التعامل مع البيئة يقوم على ما أفرزه الموروث الحضاري للأمم بمعنى أننا لا يمكن أن نطور بلد ما بمعزل عن البعد الأخلاقي الذي أنكره الغرب منذ خمسة أو ستة قرون الأخيرة. من ذلك إطلاقه للمصطلحات مثل “قهر الطبيعة” و”إخضاع الطبيعة” وغير ذلك، وهي مفاهيم تدل على الصلف الذي يهيمن المنطق الغربي غير الرحيم، بالنسبة لنا معشر المسلمين عندنا موروث حضاري وثقافي زاخر في ميدان التعامل مع البيئة القرآن يتكلم عن (ما قطعتم من لينة أو تركتموها … ) (وما من دابة في الأرض أو طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم..) وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حول الماء وحول الطير وإعلانه صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة محميتين طبيعيتين يحرم فيهما قتل الطير والحمام، وغير ذلك؛ من كلام السلف الصالح مثل أبي بكر رضي الله عنه عندما أرسل أسامة بن زيد على رأس جيش في حرب الردة وكان مما أوصاه “.. ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة..”، مؤكدا أن المقصود من ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه يساوي بوعي بيئي شامخ بين حياة بشر وشجر، وهذه ضرورة أخلاقية لا تنفك عن صيرورة التطور والنمو الذي تبتغيه كل المجتمعات البشرية؛ إذ لا تضارب بين التنمية والبيئة السليمة: فالتوازنات البيئية تنشأ عنها توازنات اقتصادية التي تضمن استدامة الموارد لفائدة العنصر البشري؛ أي أنها تؤدي إلى توازنات اجتماعية، التي تؤدي إلى سلم اجتماعي وتوازن نفسي وبالضرورة يؤدي إلى تنمية مستدامة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق