مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

أسماء برلاس

أسماء برلاس

سمرى دنكوسكي[1]

ترجمة بشرى لغزالي

في إطار التعريف بالمسلمات الناشطات في القضايا النسائية وتقريب القارئ العربي من فكرهن ومسارهن، وقع الاختيار هذا الشهر على الناشطة الباكستانية والعالمة المسلمةأسماء برلاس المتخصصة في السياسة المقارنة والسياسات الدولية والتفاسير الإسلامية والدراسات النسائية والنوع الاجتماعي، إذ تشغل حاليا منصب مديرة مركز الدراسات الثقافية والعرقية التابع لشعبة العلوم السياسية في جامعة إثاكا الأمريكية في نيويورك.

مسارها الدراسي والمهني:

ولدت أسماء برلاس سنة 1950 في باكستان، وحصلت على الإجازة في الأدب الإنجليزي والفلسفة، وشهادة الماستر في الصحافة في باكستان، وشهادة  الدكتوراه  من المدرسة العليا للدراسات الدولية في جامعة دنفر الأمريكية بكولورادو  [3].

وفي عام 1976 أصبحت برلاس من أوائل النساء الدبلوماسيات اللواتي يعملن في وزارة الخارجية الباكستانية، لكنها أُقيلت من منصبها في الوزارة بعد اتهامها بانتقاد الجنرال ضياء الحق ونظامه. بعد ذلك عملت لفترة وجيزة في صحيفة “المسلم” The Muslim مساعدة لرئيس التحرير وكاتبة للشعر والقصص القصيرة. لكنها أجبرت على مغادرة باكستان لأسباب  تتعلق بسلامتها الشخصية. وحصلت على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية التي أقامت بها منذ ذلك الحين.

وقد كتبت عددا من الافتتاحيات في صحيفة ذي دايلي تايمز The Daily Timesفي باكستان ونشرت عدة مقالات وأصدرت كتبا في أمريكا. كما تُرجمت أعمالها إلى لغات كثيرة منها العربية والبنغالية والإندونيسية والإسبانية والفرنسية والأردية [5] [3].

إصداراتها العلمية:

أصدرت بارلاس مجموعة من الأعمال من أبرزها “الإسلام والمسلمون والولايات المتحدة: مقالات عن الأديان والسياسة” (2004)، و”إعادة فهم الإسلام” (2008) الذي درست فيه العلاقة بين الإسلام والغرب وأبدت فيه اهتماما خاصا بالظروف المحيطة بأحداث الحادي عشر من شتنبر التي وصفتها نقطة  تحول في الخطاب العام والمشاعر تجاه الإسلام ولاسيما على المستوى الإعلامي. كما أشارت إلى أن الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان جعلت الإسلام محل شبهات، وأدت إلى زيادة اهتمام المسلمين وغير المسلمين بالتعرف على الإسلام عبر العالم [3]. بالإضافة إلى ذلك، تناولت بارلاس قضايا النساء والنوع في كتابها المعنون “المؤمنات في الإسلام: عدم قراءة التفاسير الذكورية للقرآن” (2002) الذي يعالج سياسات النوع في النص الديني واستغلال المعرفة الدينية لقمع المسلمات. كما تحاول من خلال أعمالها أن تبين كيف أن التفاسير الذكورية للقرآن أسهمت في تبرير الإبقاء على بنيات دينية واجتماعية تقمع النساء في المجمل. وتشدد على ضرورة إعادة تفسير القرآن لإبراز الموقف القرآني من عدة قضايا ورفضه للنظام  الذكوري واللامساواة بين الجنسين. وتؤكد على أن القرآن يقر بالمساواة الكاملة بين الجنسين، ويجعلها ممكنة. [4]

أفكارها:

رغم أن بارلاس تركز في أعمالها على المساواة بين الجنسين وتعزيز قدرات النساء المسلمات من خلال تفسير القرآن، إلا أنها ترفض أن تحمل لقب “ناشطة نسائية” أو “نسوانية” وأن تُصنف تفاسيرها ورؤيتها للإسلام في إطار الحركة النسائية الإسلامية، إلا إذا عُرفت هذه الأخيرة بكونها “خطابا مستمدا من القرآن إلى تحقيق المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية، ويسعى إلى تمكين جميع البشر من ممارسة حقوقهم وإرساء العدالة في هذا الكون عبر تواصل المجالين العام والخاص”. [5]

وقالت برلاس في أحد تصريحاتها الصحافية إنها بدأت تلمح رسالة المساواة بين الجنسين في القرآن قبل تعرفها بفترة طويلة على الحركة النسائية، والتي تجسدت لديها في الإقرار الإلهي بأن الرجال والنساء خلقوا من نفس واحدة، وبأنهم أولياء بعض يقع على عاتقهم جميعا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [1] كما تتوقف الباحثة عند الآيات القرآنية التي يعتبرها المسلمون دليلا على أفضلية الرجال على النساء من خلال إعطائهم الحق في التعدد والسماح لهم بضرب زوجاتهم الناشزات. لكن دراستها علم التفسير سمحت لها بأن تتبين مرونة اللغة وتغير معاني النص بتغير المفسر وكيفية التفسير. وأضافت بأن قراءتها للتاريخ الإسلامي مكنتها من معرفة حقيقة أن الخطاب العدائي ضد النساء تطور تدريجيا نتيجة تغير المعرفة الدينية والمنهجية المتبعة والأولويات السياسية للدول الإسلامية. وترى بارلاس ضرورة تجديد قراءتنا للقرآن بطريقة مختلفة وإيجابية للوصول إلى حقيقة أن الله تعالى لم يفضل الذكور على الإناث. كما لاحظت أن أغلب المسلمين غير مقتنعين بهذه الفكرة لأن الإيمان بذكورية الخطاب الإلهي يسمح للمحافظين بتبرير أفضلية الرجال وللتقدميين بالدعوة إلى العلمانية بحجة أن الإسلام دين مجحف. [1]

في المقابل، لا ترى بارلاس أن العلمانية هي الطريقة الوحيدة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء من حقوقهن، بل تؤمن بأن كل مسلم يملك الحق في قراءة القرآن وتفسيره لنفسه، وبضرورة السماح للنساء بتحديد مشكلاتهن بأنفسهن وإيجاد الحلول التي تلاءم ثقافتهن ومجتمعهن [5]. ولا يمكن في نظرها لأي شخص يؤمن بأن القرآن ظلم المرأة المسلمة ولم ينصفها أن يكون مناصرا لقضاياها، إذ تؤمن بأن الحل سينبع من داخل القرآن وليس من مصدر خارجي.

وفي حديثها عن طريقة رؤية العلمانيين للإسلام، ترى أن أكبر مشكلة يواجهونها تتمثل في كونهم يتحدثون عن الإسلام وكأنه بشر وينسبون له أفعال البشر. لكن المشكلة تتجلى في أن الدين، ولاسيما الإسلام، استُخدم لتحقيق أغراض سياسية. وبالتالي فمن المهم في نظرها أن يدرك المسلمون بأن الكثير من الأفعال التي تُمارس باسم الدين، سواء تعلق الأمر بارتداء البرقع أو الفصل بين الجنسين أو الرجم حتى الموت أو قتل المرأة باسم “الشرف” أو ممارسات أخرى مهينة تُنسب للإسلام، لم يرد ذكرها في القرآن (6).

وتشير أسماء إلى أن دراسات كثيرة أظهرت أن تفاسير القرآن الذكورية التي تُعتبر صحيحة بالإجماع اتضح أنها تنحرف عن التعاليم الإسلامية التي جاء بها القرآن. إلا أن الكثير من المسلمين الذين يتمسكون بهذه التفاسير يتجاهلون هذه الدراسات. فأهم خطوة وجب على المسلمين القيام بها إذن، في رأي أسماء بارلاس، هي قراءتهم للقرآن بأنفسهم في ضوء الفهم الجديد للعالم، وتحدي تلك التفاسير التي ألصقت التفضيل الجنسي بالخطاب الإلهي(3). لكن خطوة التغيير هته لن تكون هينة بسبب البنية الاجتماعية والسياسية الذكورية السائدة والشعور بمعاداة الإسلام.

وتدعو أسماء إلى إعمال العقل واستحضار السياق في عملية تفسير القرآن وإعادة النظر في المعرفة الدينية التي تتعارض مع تعاليم الإسلام الواردة في القرآن. ولا ترى ما يمنع التشكيك في صحة الأحاديث التي تتعارض مع القرآن أو في ما يقوله الأئمة عندما يتعارض مع الوحي القرآني لأنه لم يسبق أن اعتبروا أنفسهم معصومين من الخطإ أو أن عملهم كامل لا يقبل التجديد. وبالتالي تشير إلى أهمية إعادة التفكير في المعرفة الدينية التي تتعارض مع تعاليم القرآن (3). وترفض القول بأن القرآن لن يتمكن من فهمه سوى أربعة فقهاء إلى الأبد لأنه كتاب سماوي صالح لكل زمان. ولذلك تدعو المسلمين إلى استخدام العقل لفهم آيات الله، لأنها المنهجية الوحيدة التي ستمكن المسلمين عبر العالم من المضي قدما نحو تحقيق النموذج القرآني للمساواة بين الجنسين.

وختاما، يتبين أن أسماء برلاس قدمت نظرة متجددة للقرآن والإسلام. فهي لم تكتفي بتناول الفكرة الخاطئة المتداولة عن كون القرآن يقمع النساء، بل فسرت القرآن وحللت خطابه الذي يدعم تحرير النساء والمساواة بين الجنسين، مُبرزة العلاقة الوطيدة بين المساواة بين الجنسين والتعاليم الإسلامية. كما أوضحت كيف أن الدعوات النسائية لا تتعارض مع التعاليم الدينية التي جاء بها القرآن، وكيف أن الإسلام استُخدم كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية وبالتالي منع النساء من حقوقهن. وتبين من خلال دعوتها النساء المسلمات إلى قراءة القرآن بأنفسهن، بأن الوحي القرآني يحررهن من قيود التفاسير الذكورية التي حرمت النساء من حقوقهن فيما مضى.

المراجع: 

[1] Barlas, Asma. “Islam and Feminism.” New Statemen 22 Apr. 2009: n. pag. Web.           <http://www.newstatesman.com/blogs/the-faith-column/2009/04/sexual-equality-qur-feminism>

[2] Barlas, Asma. “Only Muslims can change their society.” The Guardian 25 Aug. 2009: n. pag. Web.   <http://www.theguardian.com/commentisfree/belief/2009/aug/25/muslim-society-us-afghanistan>

[3] Shahrukh, Naufil. Interview with Asma Barlas. ABC, The Nation (February, 2005): Web.           <http://www.asmabarlas.com/TALKS/20050201_NationPk.pdf>

[4] Awad, Ibrahim (04 June 2011). “In Response to the Book by Asma Barlas:Women in Islam: Re-Interpreting    Patriarchal Readings of the Qur’an.” <http://vb.tafsir.net/tafsir26667/#.U6r6zPldWhr>

. أسماء بارلاس: “النساء فى الإسلام – نسخ التفسير الذكوري للقرآن”.-الرد على كتاب د 04/06/2011  إبراهيم عوض <http://vb.tafsir.net/tafsir26667/#.U6r6zPldWhr>

[5] Barlas, Asma. “The Qur’an, Sexual Equality, and Feminism.” Panel Discussion. University of      Toronto, Toronto.         Web. 24 June 2014. <www.asmabarlas.com/TALKS/20040112_UToronto.pdf>.


[1]  متدربة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام.

نشر بتاريخ: 02 / 12 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق