مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

أسس المفاضلة

جاء في كتاب ترتيب فروق القرافي لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري (ت707هـ) في القاعدة الثالثة والعشرين من قواعد الجامع:

اعلم أن التفضيل يكون بوجوه مختلفة:

الأول: تفضيل الشيء على غيره بذاته، وهذا كالواجب لذاته، له الفضل على غيره، وكالعلم يفضل الجهل لذاته، وكالحياة تفضل الموت لذاتها.

الثاني: التفضيل بالصفة الحقيقية القائمة بالمفضّل، وهذا كتفضيل العالم على الجاهل بالعلم، وكتفضيل القادر على العاجز بسبب القدرة القائمة به.

الثالث: التفضيل بطاعة الله تعالى، كتفضيل المؤمن على الكافر، وكتفضيل أهل الكتاب على عبدة الأوثان؛ وكتفضيل الشهيد على غيره، وكتفضيل العالم على الشهيد.

الرابع: التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل المفضل، كالإيمان أفضل من جميع الأعمال، وكصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ.
الخامس: التفضيل بشرف الموصوف، ككلام الله تعالى القديم، فهو أشرف من سائر كلام النفوس؛ لشرف موصوفه على كل موصوف.

السادس: التفضيل بشرف الصدور، كشرف ألفاظ القرآن على غيرها من الألفاظ؛ لكون الرّب تبارك وتعالى هو المتولّي لرصفه ونظامه في نفس جبريل عليه السلام على وفق إرادته تعالى دون إرادة جبريل. وهذا الذي ذكرناه هنا مما تمتاز به ألفاظ القرآن على سائر الألفاظ. وامتاز القرآن أيضا بوجوه أُخر من الإعجاز على جميع الكتب المنزّلة التي هي كلام الله تعالى، كالتوراة والإنجيل.

السابع: التفضيل بشرف المدلول، وهذا كتفضيل الأذكار الدّالة على ذات الله تعالى وصفاته العليا وأسمائه الحسنى، وكتفضيل الآيات الدالة على التوحيد على الآيات المتعلقة بذم أبي جهل وفرعون ونحوهما.

الثامن: التفضيل بشرف الدلالة لا بشرف المدلول، كالحروف الدالة على الأوصاف الدالة على كلام الله تعالى.

التاسع: التفضيل بشرف التّعلق، كتفضيل العلم على الحياة، فإن الحياة لا تتعلّق بشيء، بل لها موصوف فقط، والعلم له موصوف ومتعلّق، وليس في الصفات السبع ما لا متعلّق له إلا الحياة.

العاشر: التفضيل بشرف المتعلِّق، كتفضيل العلم المتعلّق بذات الله تعالى على غيره.

الحادي عشر: التفضيل بكثرة التعلق، كتفضيل علم الله تعالى على قدرته.

الثاني عشر: التفضيل بالمجاورة، كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود، فلا يمسه مُحْدِث، وغيرذلك من الأحكام المتعلقة به.

الثالث عشر: التفضيل بالحلول، كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على سائر بقاع الأرض.
حكى القاضي أبو الفضل عياض في كتاب الشفا الإجماع على ذلك. ولما خفي هذا المعنى على بعض الفضلاء أنكر الإجماع الذي ذكره أبو الفضل، وقال: التفضيل إنما هو بكثرة الثواب على الأعمال، والعمل على قبر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يحرم.
والصواب ليس معه لحصره التفضيل وليس بمنحصر.

الرابع عشر: التفضيل بسبب الإضافة، كقوله تعالى: ﴿أولئك حزب الله﴾ [المجادلة:22] كما أن الأضافة في قوله تعالى: ﴿أولئك حزب الشيطان﴾ [المجادلة:19]، ومما ذكرناه بيت الله وحَرم الله.

الخامس عشر: التفضيل بالأنساب والأسباب، كتفضيل ذريته صلى الله عليه وسلم على جميع الذراري، بسبب نسبهم المتصل برسول الله  صلى الله عليه وسلم.

السادس عشر: التفضيل بالجدوى والثمرة، كتفضيل العالم على العابد؛ لأن العالم يفيض بالخير على غيره، والعابد اقتصر خيره على نفسه.

السابع عشر: التفضيل بأعظم ثمرة وأكثرها، وهذا كثمرة النحو واللغة، لكن النحو أعظم فائدة.

الثامن عشر: التفضيل بالتأثير، وهذا كتفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام.

التاسع عشر: التفضيل بجودة البنية والتركيب، كتفضيل الملائكة عليهم السلام على الجانّ بسبب جودة بنيتهم. والله أعلم.

المصدر: ترتيب فروق القرافي وتلخيصها والاستدلال عليها، لأبي عبدالله البَقُّوري، (ص 550-552)، تحقيق د.الميلودي بن جَمعة/ الأستاذ الحبيب بن طاهر، مؤسسة المعارف، ط1/1424هـ-2003م. وللتوسع يراجع أصل الكتاب: الفُروق، لشهاب الدين القرافي، (2/211-227)، طبعة عالم الكتب.

انتقاء: د. مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق