الرابطة المحمدية للعلماء

أساليب وتربية النفس البشرية في شهر رمضان الكريم

 ذ عبد السلام الأحمر: مواجهة بعض القيم السلبية تتطلّب إرادة فردية ومجتمعية مستمرة

 

 كان موضوع تربية النفس خلال شهر رمضان المعظم، محور ركن حوار حي الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء، زال يوم أمس، الخميس 22 رمضان 1431 هـ، الموافق لـ3 شتنبر الجاري، من خلال استضافة الأستاذ عبد السلام الأحمر عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، والفاضل عبد السلام الأحمر يشغل منصب رئيس لجنة الأنشطة الثقافية والعلمية بالرابطة، وهو أيضا  المدير المسؤول عن مجلة “تربيتنا” وسلسلة كتاب تربيتنا التي تصدرها الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، وخبير لدى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.، كما صدر له كتاب “الصيام والتربية على التقوى” (2003) وكتاب “المسؤولية أساس التربية الإسلامية” ضمن سلسلة “كتاب تربيتنا، رقم 4” (نونبر 2007).

وبداية، توقف الضيف الكريم عند أهم معالم حُسن استغلال هذا الشهر الكريم لتربية النفس على الإمتثال والطاعة لله تعال، معتبرا أن خير ما تتربى به النفوس البشرية هو ما افترضه الله في شرعه من العبادات الأساسية من صلاة وزكاة وصيام وحج، ومؤكدا على أن الصيام يقوم بدور متميز في تحقيق المقصد العام للعبادات والطاعات، وهو ترويض النفس على فعل الأمر وترك المنهي، حيث نصّ الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم على أن الهدف المبتغى من الصيام هو تحقيق التقوى التي هي اجتناب ما حرمه الله و نهى عن القيام به والإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى مغرب الشمس طيلة شهر كامل؛ كفيل بأن يعود النفس على الترك والاجتناب انطلاقا من اجتنابها تناول مباحات أصلية شملها التحريم في أوقات محددة لتدريب الإنسان على أن يضبط نزواته ويلجم شهواته، خصوصا وأن عملية الضبط لا تقتصر على هاتين الشهوتين القويتين وإنما يمتد إلى جميع الجوارح الأخرى من عين وأذن ولسان وأيدي وأرجل، بل يمتد إلى أعماق النفس حيث يطلب من الصائم أن يصون نفسه عن خواطر السوء وما سفل وتدنى من الأفكار السيئة والإرادات المحرمة.

فالصيام، يضيف الأستاذ عبد السلام الأحمر، يحوط النفس بكوابح عدة تجعلها مذعنة لأمر الله، ساعية في مراقبته وتقواه على امتداد هذا الشهر الفضيل، علها بعد ذلك تكون قد اكتسبت القدرة اللازمة على ترك ما نهى الله عنه من المحرمات والدنايا وقبائح الأفعال.

وعن سبل الوقاية من بعض القيم السلبية التي نشاهدها خلال شهر رمضان، أكد الضيف الكريم أنه مما لا شك، فإن الاتجاهات التربوية التي يراد لها أن تسود داخل المجتمع تحتاج فضلا عن الإرادة الفردية إلى مجهود مجتمعي مستمر يصنع بيئة تربوية منسجمة مع الاتجاه القيمي والتربوي المعتمد داخل المجتمع، ملاحظا أن وسائل الإعلام تعلب دورا رائدا وحاسما في خلق أجواء تربوية معينة بما تبثه من مواد إعلامية لها تأثيرها الواضح في نفوس المشاهدين والقارئين؛ وأقل ما يطلب من هذه الوسائل إن عجزت عن مواكبة ما يقتضيه دين الأمة من صلاح واستقامة وتزكية للأنفس وإشاعة للأخلاق الكريمة، أن تكف عن مواجهة قيم الأمة الدينية والسعي في معاكستها مما يخلق بلبلة لدى الناشئة ويعرقل كل المجهودات الفردية التي يبذلها الناس لإصلاح نفوسهم وإلزامها بالسلوك الإسلامي المطلوب. كما يمكن أن تتخذ المواد السلبية مجالا لنقدها ومناقشتها مع النشء للكشف عن عوجها وتهافتها وبعدها عن الفضيلة ومقومات الأمة الدينية والحضارية، ملاحظا كذلك أنه من الناحية النفسية والتربوية، تأكد أنه أشد ما يؤثر في النفس هو ما تعاينه وتحتك به بشكل مستمر في واقعها المحيط، ومن ثم لزم إعارة البيئة المجتمعية أهمية وعناية كبيرة حتى تكون أداة إصلاح للنفوس وتقويم اعوجاجاتها بشكل فعال وحاسم.

أما أهم نصائح الضيف الكريم لمتصفحي الموقع والمشاركين في الحوار، فتجلت في الإخلاص  لله سبحانه وتعالى في صيامهم وأن يلتزموا بآدابه وضوابطه الشرعية، وأن يستحضروا مقاصده الكبرى الممثلة في تحقيق التقوى في بعديها العملي والتركي، وذلك باجتناب ما يفسد هذا الصيام ويخالف روحه من إطلاق اللسان بالكلام المحرم واللغو الذي لا يفيد، وقد يفسد صيامهم من حيث لا يشعرون، وكذا حفظ جميع الجوارح الأخرى التي أمرنا الباري سبحانه بالتحكم فيها وإلزامها بمقتضيات الصيام وما يجب فيه من تقوى لله سبحانه وتعالى.

كما توقف الأستاذ الأحمر عند معالم وأساليب تربية النفس البشرية، ملاحظا أنه عند التأمل في أمر التربية النفسية من منظور الإسلام الذي لا خلاف في أنه جاء ليزكي النفس البشرية ويجعلها كريمة طيعة ومسؤولة عن أحوالها في الدنيا والآخرة، فإن الله تبارك وتعالى حمل الإنسان أمانة تربية نفسه وهيأ له من التشريعات الاعتقادية والسلوكية ما يتحقق به هذا الهدف الأسمى في حياة الناس. فكل العبادات ترمي إلى إصلاح النفس وتقويم اعوجاجاتها وجعلها تختار طريق الحق والهداية وتطيع الله عن بصيرة ووعي بما تجلبه له الطاعة من جزاء أخروي هو الخلود في جنات النعيم والنجاة من نيران الجحيم، وهكذا تظل مراقبة الله والخوف من عذابه والطمع في جناته والذي هو تمرة الإيمان واستقراره في القلب والاعتقاد الجازم على أساسه والذي يتقوى ويزداد بأداء الشعائر المفروضة والمسنونة والتي إذا عمقنا فيها النظر وجدناها ترجمة عملية لحقائق العقيدة ومقتضيات الإيمان بالغيب، الذي يظل المحور الأساس في استفادة النفس من عطاءات الإسلام التطبيقية عبادة وأخلاقا ومعاملات.

وأخيرا، أكد الضيف الفاضل أن شهر رمضان ظرف زمني محدود سيختفي بعد أن يُعوّد النفوس تقوى الله ويكسبها القدرة على الاجتناب لما نهى الله عنه. لكن التقوى تظل مطلوبَ الشرع منا ما حيينا، بل إن رمضان لا يعدنا فقط لنكون متقين في أيامه ولياليه ولكن لنكون دائما وأبدا ملزمين بالتقوى في جميع شؤوننا وفي كل أوقاتنا وأحوالنا حتى تكون حياتنا كلها طاعة وعبادة وانقياد لأمر الله منا فنكون من الفالحين الذين ينفعهم إيمانهم وعبادتهم ولا تكون عليهم حسرة وندامة إذا مثلوا بين يدي الله يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق