الشيخ الإمام، عَلَم الأعلام، القاضي الفقيه، الحافظ الحجة، أحمد بن المأمون بن الطيب بن المدني بن عبد الكبير بن عبد المومن بن مَحمد ـ فتحاً ـ العلوي البلغيثي الحسني، الفاسي.
ولد بمدينة فاس عام (1282هـ/1865م)، في بيت شهير بالعلم، والنباهة، وأصالة الحسب، تعدد فيهم العلماء والفضلاء والكُتّاب والأدباء، ودرس بها على أفذاذ شيوخ الزمان؛ من أمثال جعفر بن إدريس الكتاني، والمهدي بن الطالب بن سودة، ودخل القرويين سنة 1285هـ فقرأ على الإمام أبي عبد الله الحاج محمد بن المدني كنون، والقاضي مولاي أحمد بن محمد العلوي، والفقيه أبي عبد الله محمد بن التهامي الوزاني، والفقيه أبي العباس أحمد بن الخياط، وغيرهم، ولقي العلامة النابغة أبا عبد الله السيد محمد بن يحيى الولاتي فأجازه، ورحل إلى المشرق ثلاث سنوات 1307-1328-1345 فدخل مصر، والحجاز وأدى الفريضة والزيارة، ولقي الأديب الشيخ عبد الجليل برادة فسمع منه صحيح البخاري وأجازه عامة مروياته، ومُسْنِد المدينة أبا الحسن علي ظاهر الوتري سمع منه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، واستجاز أيضا الشيخ عثمان بن عبد السلام الداغستاني المدني، والشيخ بدر الدين بن يوسف المغربي الحسني الدمشقي وزاد الأخير بأن استنابه في أن يجيز عنه من رآه أهلا، ولقي بمصر الشيخ سليم البشري، وغيره.
كان البلغيثي ـ على قول الكانوني ـ فقيها، إماما، مشاركا، علاّمة، أديبا، لَوذعيا، لطيف الأخلاق، خفيف الرُّوح، متضلّعا في الفقه، والأصول، والحديث، والتفسير، والعربية، واللغة، والصّرف، والأدب، والبيان، والبديع، رحّالةً، جوّالاً، مُكثرا من لقاء أهل العلم والأدب، دؤوبا على التدريس والنشر، درّس في غيرما فن من الفنون العالية، وجمع إلى ذلك نباهة الذكر، ورِفعة القدر، ووُفور الحرمة والجاه عند الملوك فمن دونهم، تولى خطة القضاء قبل الحماية بالصويرة مرتين، وبالعرائش، ثم عُيّن عضوا بمجلس الاستئناف الشرعي بالرباط مرتين، فكان أكثر مقامه بمنزل باشا سلا العلامة الحاج محمد الصبيحي الذي كان شبه نادٍ علمي أدبي يغشاه كل مساء علماء العدوتين وأدباؤها، كما تولى قضاء الدار البيضاء ومكناس، ولم يقرّ له قرار في مختلف الوظائف التي شغلها لصلابته في الحق وعدم مداراته فيه.
عُنِيَ الفقيه البلغيثي عناية كبيرة بالتأليف، فكان ـ رحمه الله ـ لا يجف له قلم في التحرير نظما ونثرا، فمن جملة ما أبدعت يداه: كتاب «الإبتهاج بنور السراج»، شرح فيه منظومة القاضي الأديب العربي المسّاري في آداب طالب العلم وما ينبغي له في سفرين، ملأه بشيء كثير من الآداب والفكاهات واللطائف، طبع بمصر، وكتاب «نتيجة الصبر في حكم الصلاة على الميت في القبر»، وسبب تأليفه أنّ إماما أذن له السلطان المولى يوسف أن يصلي بهم إماما على جنازة، فكبر ثلاث تكبيرات فقط خجلا منه، فأعاد مؤلفنا هذا الصلاة على القبر، وكتاب «مجلّي الحقائق فيما يتعلق بالصلاة على خير الخلائق ﷺ»، جمع فيه صيغ الصلوات الواردة، طبع بمصر، وكتاب «سياق الخسارة في بضاعة من يحطّ من مقام التجارة»، وترجمة لنفسه المسماة «تـجيير طُرسي بعبير نفسي في التعبير عن نفسي»، و«الرحلة الحجازية» نظما ونثرا، وغير ذلك كثير من التقاييد الماتعة، والتصانيف النافعة.
وفي يوم الثلاثاء سابع رجب عام 1348هـ/1929م، توفي الفقيه البلغيثي بعد أن تراكمت عليه الأمراض والعلل، وكانت جنازته مشهودة، وعَظُم المصاب بموته، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مصادر ترجمته:
سل النّصال (54)، إتحاف المطالع (2/453)، جواهر الكمال (1/54)، معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي (103)، معلمة المغرب (4/1339).
إنجاز: د. طارق طاطمي