مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

أثر الشعوبية والزندقة في ظهور العقائد المنحرفة

«اتخذت الشعوبية والزندقة وسائل عديدة للوصول إلى هدفها، وهو تشويه العقائد الإسلامية في نفوس الناس القائمة على التوحيد والعبودية لله عز وجل، وكان أسلوب التشكيك من أهم الأساليب التي اتبعها هؤلاء في زعزعة الإيمان اتجاه العقائد في نفوس المسلمين.
وسلك الزنادقة سبلا عديدة بين ظاهر ومستور للوصول إلى هدفها، وكلها لها أثرها وخطرها؛ فهي تريد أن تربك العقائد وتشوه المفاهيم الإسلامية لتزعزع قاعدة المجتمع وأساسه، وهي تنفذ باسم العقل والمنطق إلى تحوير معنى النصوص من معناها الإسلامي إلى مفاهيم غريبة بعيدة عن الإسلام.
لقد دلت المسالك التي يسلكها الزنادقة أن مرادهم كان: هدم العقائد الإسلامية وتشويهها، وكان ذلك واضحا في العقائد التالية:
أ‌- الألوهية:
تنوعت آثار الزنادقة في عقيدة الألوهية بين الإنكار أو الإشراك أو الحلول، وكل هذه الآثار ظهرت في كتب الزنادقة أو في ادعاءاتهم وثوراتهم ضد الدولة العباسية.
-أما الإنكار فتجده واضحا فيما نقله الجاحظ عن أبي نواس في قصيدة هجائية، هجا فيها الزنادقة وعلى رأسهم”أبان بن عبد الحميد اللاحقي”، الذي كان ينكر وجود الخالق سبحانه، وينقل”أبو نواس” بعض عقائده التي كان يظهرها ومنها إنكار وجود الله سبحانه وتعالى.
[ويصف بدوي هذا اللاحقي بقوله]: «إن حظ النزعة الشعوبية في تكوين الزندقة لم يكن كبيرا في شاعر أو كاتب بقدر ما كان عند أبان عبد الحميد اللاحقي، فقد كان يعرف الفارسية ويترجم عنها، وكان على اطلاع وسعة علم بأدب الفرس القديم، فكان ذلك داعيا له إلى التعلق بتراث الفرس والتغني به»[1].
-وأما الإشراك، فقد كان أغلب فكر الزنادقة يقوم على التثنية، والزعم بوجود إلهين، وذلك لأن الزنادقة يدينون بأديان الفرس القائمة على النور والظلمة.
وقد فصل أبو حامد الغزالي  معتقد هؤلاء في الإلهيات فقال:«أنهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني..»[2]وكان”ابن الراوندي” أشهر ملاحدة القرن الثالث الهجري، وقد صنف كتبا لهذا الغرض، ومنها كتاب”التاج” يحتج فيه لقدم العالم، و”القضيب” يزعم فيه أن علم الله محدث، و”الفرند” يطعن فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم[3].
ومن الزنادقة الذين ظهروا في عصر الواثق:”أحمد بن خابط”، فزعم أن للخلق ربَّين، أحدهما: قديم وهو الله سبحانه وتعالى، والآخر مخلوق وهو عيسى بن مريم، واستشهد بالقرآن الكريم والحديث لإثبات مزاعمه[4].
ومما يذكر أن الفكر الشيعي كان منفذا ينفذ منه دعاة الزندقة في الدعوة إلى أفكارهم وعقائدهم عن طريق ادعاء حب آل البيت، وكان هدم ركن التوحيد من أهم العقائد التي ركَّز عليها هؤلاء الزنادقة، ومن أوائل الزنادقة الذين تمسحوا بحب آل البيت وعمل من خلال هذا البرقع في إظهار أفكاره الإلحادية:”هشام بن الحكم”، وكان بادئ ذي بدء يقول بالدهر، ثم تحول إلى المانوية الثنوية، وانتقل إلى الإسلام للعمل على هدمه في روية وتبصر، فقد كان بارعا في علم الكلام، قوي الحجة، مجادلا فأخذ يتكلم بذات الله كلاما يهدم به عقيدة التوحيد، وكان رده على الزنادقة ومناظرته لهم من باب التستر والخداع[5].
ونقل الشهرستاني عن ابن الراوندي أن هشام كان يقول: «إن هناك تشابها بين الله وبين الأجسام بوجه من الوجوه، ولولا ذلك لما دلت عليه»[6].
ومن هؤلاء الذين اتخذوا التشيع ستارا لزندقتهم”هشام بن سالم الجواليقي” الذي ينقل عنه قوله: «إنه تعالى على صورة إنسان..وهو نور ساطع يتلألأ..»[7].
ويبدو أن مراد الزنادقة من البحث في مثل هذه العقائد، خاصة عقيدة التوحيد والألوهية، أن لا يبقى في النفس الإنسانية ما يمنعها من الحديث في ذات الله سبحانه، فينكسر الحاجز النفسي فيكون الحديث عن ذات الخالق كالحديث عن أي ذات أخرى، وبذلك تتحقق الأهداف.
ويؤكد ذلك أن الكثير من الزنادقة والشعوبيين قالوا بالبداء، فـ”المختار بن أبي عبيد الثقفي” يقول بجواز البداء على الله تعالى، أي أنه يظهر له خلاف علمه، أو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. وهذا الاعتقاد بلا شك المراد منه تصوير الخالق بأنه لا يختلف عن المخلوق حتى في العلم(جل وعلا)[8].
وقد ظهر أثر الشعوبية أيضا في الأفكار الإلحادية التي ادعتها الفرق الباطنية، فكان حنينهم إلى أديانهم الفارسية الثنوية واضحا فيما بثوه من أفكار ومعتقدات هذه الفرق، لقد كان زعماء هذه الفرق والحركات ومفكروها على ما بينهم من خلاف في النزعات والاتجاهات يتخذون جميعا آل البيت رمزا لحركاتهم كما فعل”أبو مسلم الخراساني” ومن بعده(الخرمية والراوندية والمقنع) وكما فعل”ميمون القداح”..
والملاحظ أن الزنادقة من الفرس كانوا وراء الغلو وتطوير عقائده، وساعد ذلك في وضع حجر الأساس لحركة الشعوبية، وإذا تتبعنا أسماء أصحاب الحركات والفرق نجدهم جميعهم من الموالي الذين اعتنقوا الإسلام ظاهرا لدوافع خاصة بهم، وفي مقدمتها أمجادهم الماضية ومعتقداتهم الدينية…
ومن الأمثلة على شعوبية أصحاب الفرق: ميمون القداح وابنه عبد الله، فهما من مؤسسي الإسماعيلية، فميمون القداح كان له مذهب في الغلو، وكان مجوسيا يقول بالثنوية، فولد لميمون هذا ابن يقال له عبد الله كان أخبث من أبيه وأعلم بالحيل، فعمل أبوابا عظيمة من المكر والخديعة على بطلان الإسلام..[9]وعقيدة الحلول من العقائد الخطيرة التي أدخلها أصحاب حركات الزندقة من الفرس، فاستغلوا حب المسلمين لآل بيت رسولهم صلى الله عليه وسلم، فنسبوا الأئمة إلى الألوهية، ووصفوهم بصفات تجاوزوا فيه المعقول وخرجوا به عن العقيدة الإسلامية خاصة أن الإمامة في المفهوم الشيعي نص من الله.
ومن أخطر الزنادقة الذين رفعوا هذه الدعوة الخطيرة”المقنع” ، ولقب بهذا اللقب لأنه كان يخفي وجهه بقناع من ذهب ويضع على عينيه قطعة من حرير أخضر يستر بها عوره..[10]والغلاة على أصنافهم كلهم متفقون على دعوى التناسخ والحلول..وهذه المقالة-كما يقول الشهرستاني-تلقوها من المجوس المزدكية والهند البرهمية ومن الفلاسفة والصابئة..وأصناف هؤلاء الغلاة والزنادقة وأسماؤهم كثير، فمنهم السبئية والكاملية والمغيرية والمنصورية والخطابية والهشامية والإسماعيلية والقرامطة والدروز والنصيرية وغيرها من الأسماء، فمنها ما بقي ومنها ما اندثر..وهؤلاء غلوا جميعا في حق أئمتهم فأخرجوهم من البشرية، وحكموا فيهم بأحكام إلالهية، فربما شبهوا من الأئمة بالإله، وربما شبهوا الإله بالخلق[11].
ومن الحركات العنيفة التي كانت ترمي إلى محو الدين الإسلامي، الخرمية والقرامطة؛ أما الخرمية فقد ظهرت في فروع كثيرة من أهمها فرع”بابك الخرمي”، الذي قام بحركة زندقية قامت على ادعاء الألوهية، فلقيت رواجا عظيما بين الفرس الذين كانوا ينتظرون ظهور زعيم منهم ينصر أديانهم ويسترد بلادهم من أيدي المسلمين[12].
أما القرامطة- وهم من فروع الإسماعيلية- فالإله الخالق عندهم يجب أن يتجسد في صورة بشرية حتى يتمكن للبشر أن يؤدوا عباداتهم إلى تلك الصورة أو الحجاب..والقرامطة ينتسبون إلى شخص اسمه”حمدان بن الأشعث”، وهو من خوزستان في منطقة الأهواز، وكان معروفا بزندقته، وهذا واضح فيمن تولى أمر القرامطة من بعده مثل”عبدان القرمطي” و”زكروية” و”أبو سعيد الجنابي” و”أبو طاهر القرمطي” وغيرهم..[13]ومن الأساليب التي اتبعها الزنادقة: الأسلوب الفكري المسالم في بث أفكارهم الحلولية؛ وذلك عن طريق كتابة الرسائل ونشرها بين الناس، ونجد ذلك فيما يسمى بـ”رسائل إخوان الصفا” التي كانت وسيلة من وسائل زنادقة الإسماعيلية لنشر أفكارهم، فقد استعانوا في هذه الرسائل بنظرية الفيض الأفلاطونية للتدليل على آرائهم بالألوهية، وهي النظرية التي تقول بها الإسماعيلية عند حديثها عن الألولهية ومراتب الوجود…[14]والذي يمكن استنتاجه أن أكثر فرق الزنادقة وأفكارهم قد استعملت فكرة الحلول، وقد عملت هذه الفرق على أن توقف عملية الحلول في أشخاص الأنبياء في البداية، وبعد نقل الألوهية إلى الأنبياء انتقلت فرق الزنادقة بها إلى الأئمة..
وهكذا كان مبدأ الحلول يقوم على هدم مبدئين أساسيين هما: الألوهية والنبوة، حتى وصل الأمر ببعض الزنادقة إلى الزعم بالحلول المطلق، وأن روح الله في الناس جميعا، بل وفي الأجسام كلها، كما قال”الحلاج”..
ويبدو واضحا أن غرض فرق الزنادقة جميعها إفساد القول بتوحيد الخالق وهدم مبدأ التوحيد الركن الرئيسي في العقيدة الإسلامية، فإذا تحقق ذلك تداعت بقية الأركان وتهدمت، ولهذا كان الحلول من أخطر المبادئ التي واجه بها الزنادقة العقيدة الإسلامية..
ب‌- النبوات:
لم يقف الزنادقة من أتباع الشعوبية عند هذا الحد، ولم يكتفوا بهدم مبدأ الألوهية والتوحيد في العقيدة الإسلامية، وإنما توجهوا إلى سائر العقائد وعملوا على هدمها بشكل مباشر وغير مباشر، ففي عقيدة النبوة ذهبوا إلى إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كقول”الغرابية” أن جبريل غلط في الرسالة فأداها إلى محمد صلى الله عليه وسلم وعلي كان صاحبها، لأن محمد صلى الله عليه وسلم كان يشبهه..[15].
أو إلى هدم عقيدة النبوة على شكل آخر وهو أن النبوة مستمرة ولم تنقطع بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فادعت فرقة”السبئية” أتباع “عبد الله بن سبأ” اليهودي أن عليا رضي الله عنه كان نبيا، ثم غلت فيه حتى زعمت أنه إله..[16]، وزعم “كيسان” مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنبوة علي وبنيه الثلاثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية[17]، وادعى”منصور العجلي” النبوة لنفسه، ولم يقف عند هذا الحد؛ إنما جعلها مستمرة فقال أن الرسل لا تنقطع أبدا والرسالة لا تنقطع..[18].
وزعم أبو الخطاب مولى بني أسد النبوة وذهب إلى أن الأئمة أنبياء ثم آلهة ، وأن الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه.[19]وكان من أبرز فرق الزنادقة التي عملت على هدم عقيدة النبوة فرقة الإسماعيلية الذين استعملوا التأويل في هدم هذه العقيدة فادعوا أن النبوة لا تنقطع، لأن الأدوار مستمرة، فلا غرابة إذن أن يقوم ناطق كل دور أي النبي بنسخ شريعة سابقة، ومن هنا فليس ما يمنع من انتظار القائم صاحب الدور السابع ليقوم بنسخ الشرائع جميعا بما فيها الشريعة التي تتمثل بالقرآن.. والناطق السابع الذي نسخ شريعة الإسلام في نظر الإسماعيليين هو”محمد بن إسماعيل” فهو ناسخ وفاتح لعهد جديد وهو صاحب شريعة عطلت بقيامها ظاهر شريعة محمد صلى الله عليه وسلم[20].
وهكذا نشاهد هذه الأفكار الإلحادية الشعوبية تبلغ أوجها عند”ابن الراوندي”، وصارت عقيدة النبوة هي حجر الزاوية في هجومه على الإسلام، لذا لجأ إلى الإشادة بالعقل، لأن النبي لا حاجة له مع وجود العقل..ومن أهم كتبه التي ألفها هذا الزنديق الشعوبي كتاب”الزمرد” الذي تجاسر فيه ابن الراوندي وزعم فيه أن آيات الأنبياء عليهم السلام مخاريق، وأن الذين جاؤوا بها سحرة منحرفون[21].
ولما كان هدف الزنادقة-ومنهم الباطنية- من التشكيك بالنبوة إبطال صحة الأديان، لذا لا نستغرب ظهور أحدهم في القرن الخامس الهجري هو”أبو بكر محمد بن زكريا الرازي” الذي عبر عن أفكاره الإلحادية عبر كتابين هما:”العلم الإلهي” و”مخاريق الأنبياء”، وكانت النبوة الشاغل الأكبر لنقد الرازي للأديان، فالعقل عنده يكفي لمعرفة الخير والشر والضار والنافع في حياة الإنسان..[22]ويتضح من هذه الأفكار خطورة فكرة التشكيك في النبوة على العقيدة في نفس المسلم، فهي تهدم القناعة لدى المسلم في صدق الأنبياء، مما يسهل وصول أفكار الإلحاد والزندقة إلى فكره وعقله.
ج- التشكيك في الدين والقرآن الكريم:
لقد استعملت الشعوبية أسلحة مختلفة في محاربتها للإسلام، اعتمدت المواجهة المباشرة عن طريق حركات العصيان، واستعملت التشويه والتزوير والتحريف عن طريق التشكيك في صلاحية الإسلام والقرآن الكريم.
وقد سلكت الشعوبية في سبيل تشكيك الناس بدينهم سبلا عديدة بين ظاهر ومستور، وكلها لها أثرها وخطرها، فهي تريد أن تربك العقائد وتشوه المفاهيم الإسلامية لتزعزع قاعدة المجتمع وأساسه، وهي تنقد باسم العقل والمنطق إلى تحوير معنى النصوص من معانيها الإسلامية إلى مفاهيم غريبة بعيدة عن الإسلام.
ومن السبل التي سلكها هؤلاء؛ إكثارهم من الترجمة عن الفارسية في موضوعات تتصل بصميم الذات الفارسية كالأدب والتاريخ والتقاليد والمثل..ولم يكتف الكتاب بالترجمة؛ بل وضعوا الشيء الكثير ونسبوه إلى الفرس القدماء ليضفوا عليهم من الأمجاد ما يساعد على إحياء الوعي الفارسي وعلى التقليل من شأن الحضارة العربية الإسلامية..ويؤكد [عبد الرحمن بدوي]: «أن في كتب”ابن المقفع” استخفاف وعدم اكتراث بل بغض ممزوج بالشك نحو الإسلام وقلة احترام للقرآن..[ويقول] وقد رأينا خلو”كليلة ودمنة” و”الأدب الكبير” من كل عنصر للتدين الإسلامي والتقوى، ولم نجده يؤكد إلا مطالب الأخلاق والجماعة الإنسانية..»[23] وقد هاجم “ابن الراوندي” القرآن الكريم وشكك في إعجازه، حتى وصل به الحقد الشعوبي أن يقول:« إن فصاحة أكتم بن صيفي تفوق فصاحة القرآن الكريم»[24]، ولما جاء الرازي في القرن الخامس الهجري كان تشكيكه في القرآن الكريم مشابها لما كان يدعيه كفار قريش..
وقد اعتمد الزنادقة وفرقهم أسلوب التأويل الباطني للقرآن الكريم، وهذا الأسلوب كان من أخطر المبادئ التي اتبعوها لهدم الشريعة الإسلامية.. ومن فرق الزنادقة التي استعملت التأويل للوصول إلى أغراضها فرقة”المنصورية” أصحاب”أبي منصور العجلي” الذي أوَّل معنى الجنة فزعم أنها رجل أُمرنا بموالاته وهو إمام الوقت، وأن النار رجل أُمرنا بمعاداته وهو خصم الإمام.. وتأوَّل المحرمات كلها على أسماء رجال أُمرنا بمعاداتهم، وتأوَّل الفرائض على أسماء رجال أُمرنا بموالاتهم..وأوَّلت فرقة الخطابية عقائد الإسلام وفرائضه، فأحل أبو الخطاب الخمر والزنا وسائر المحرمات، وأمر أصحابه بترك الصلاة والفرائض.. وتعتبر فرقة الإسماعيلية من أخطر الفرق التي استعملت التأويل وزعمت أن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا، فصار كل شيء عندهم يخضع للتأويل، فهو يتناول معظم آيات القرآن الكريم والأحاديث والشرائع والفرائض الدينية..[25]إن التأويل الباطني يمثل تجاوزا خطيرا لكل العقائد والمفاهيم التي جاء الإسلام من أجلها، بل إن في سعي الزنادقة لنسف الظاهر وكشف الباطن محاولة لنسف الإسلام كدين، وإرساء المفاهيم الإلحادية الباطنية بدلا منه. والهدف النهائي من كل ذلك هو إفراغ القرآن الكريم من محتواه التشريعي وبالتالي إفقاده قيمته كأهم تشريع سماوي أوحي لنبي.
د- التناسخ:
تعتبر عقيدة التناسخ من العقائد الخطيرة التي أعلنها الزنادقة لهدم عقائد الإسلام خاصة عقيدة اليوم الآخر، ويراد منه إنكار القيامة والآخرة..وتعود جذور التناسخ إلى جملة معتقدات كانت قبل الإسلام، فالهندوسية تقول بتناسخ الأرواح، وكذلك مذاهب الفلاسفة اليونان القدماء مثل أفلاطون، وذهبت المانوية أيضا إلى[القول] بالتناسخ..ويبدو أن الديانات الشرقية في غالبها تقوم على فكرة التناسخ، وأن المسلمين عرفوا تلك الفكرة من كتبهم..[26]ومن أشهر فرق الزنادقة الذين قالوا بتناسخ الأرواح:”السبئية” و”البيانية” و”الجناحية” و”الخطابية” و”الراوندية” و”الإسماعيلية”..
والواقع أن اعتقاد التناسخ بكل صوره وأشكاله، إنما أراد به الزنادقة وفرقهم هدم ركن هام من أركان الإسلام؛ وهو الإيمان باليوم الآخر، بما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار، ومذهبهم هذا هو بعينه مذاهب بعض الفلاسفة والهندوس والمجوس وغيرهم..وغرضهم من ذلك كما قال الغزالي: «انتزاع المعتقدات الظاهرة من نفوس الخلق حتى تبطل به الرغبة والرهبة..»[27].

[الشعوبية والزندقة وأثرهما في ظهور العقائد والفرق المنحرفة-محمد أحمد الخطيب-

مكتبة الأقصى/الأردن-الطبعة الأولى/1994-صفحات ما بين: 22 و41]

                                                      إعداد: الباحث منتصر الخطيب

الهوامش:

[1] تاريخ الإلحاد في الإسلام-عبد الرحمن بدوي-المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت-الطبعة الثانية/1980-ص:38
[2] فضائح الباطنية لأبي حامد الغزالي-تحقيق:عبد الرحمن بدوي-مؤسسة دار الكتب الثقافية/الكويت-ص:38-40
[3] الفرق بين الفرق للبغدادي-تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد –مكتبة محمد علي صبيح وأولاده/القاهرة-ص:273
[4-5] نفسه-ص:168
[6-7] الملل والنحل للشهرستاني-دار المعرفة/بيروت-طبعة/1982-ص:184
[8] نفسه-ص:148
[9] الإسماعيلية(تاريخ وعقائد)-إحسان إلهي ظهير-دار ترجمان السنة/باكستان-الطبعة الأولى/1986-ص:84-85
[10] الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي-زاهية قدورة-دار الكتاب اللبناني-الطبعة الأولى/1972-ص: 141
[11] الملل-ص:173
[12-13] الشعوبية-قدورة-ص:145-وانظر: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي:(عقائدها وحكم الإسلام فيها)-محمد أحمد الخطيب-مكتبة الأقصى/الأردن-الطبعة الأولى/1984-ص:160
[14] رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا”-تحقيق:خير الدين الزركلي-المكتبة التجارية/مصر-طبعة/1928- الرسالة الأولى
[15] الفرق بين الفرق للبغدادي-ص:250
[16] نفسه-ص:223
[17] الفصل في الملل والنحل لابن حزم-دار المعرفة/بيروت-الطبعة الأولى/1985-ج/4-ص: 184
[18] الملل والنحل للشهرستاني-ص:187
[19] مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري-تحقيق:محمد محيي الدين عبد الحميد-مكتبة النهضة المصرية-الطبعة الثانية/1969-ص:76-77
[20] الاسماعليون في المرحلة القرمطية-سامي العياش-ص:169
[21] تاريخ الالحاد-ص:164
[22] نفسه-ص:165-166-171
[23-24] تاريخ الالحاد-ص:41-49
[25] الملل والنحل للشهرستاني-ج/1-ص:179
[26] الفرق بين الفرق للبغدادي-ص:271
[27] فضائح الباطنية للغزالي-ص:46

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق