مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أبو عمران الفاسي تـ430هـ

هو الإمام الحافظ، العلامة المحدث، الفقيه الأصولي، نزيل القيروان، أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج المالكي الغَفَجُومِي ـ نسبة إلى غفجوم فخذ من زناتة ـ وأصله من فاس، من بيت مشهور بالعلم والنباهة، كانوا يعرفون ببني أبي حاج.

ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وهي السنة التي ولد فيها الحافظ الشهير ابن عبدالبر النمري على ما ذكر هذا الأخير. استوطن القيروان وبها تفقه على الفقيه أبي الحسن علي بن محمد القابسي؛ وكان من كبار أصحابه ؛ وسمع بها أيضا من أبي بكر الدويلي، وعلي بن أحمد اللواتي السوسي، وغيرهم، ثم خرج في رحلة علمية لقي فيها أعلام العصر، فدخل قرطبة وتفقه بها عند أبي محمد الأصيلي، وسمع بها من أبي عثمان سعيد بن نصر، وأحمد بن قاسم التّاهَرْتي، وعبدالوارث بن سفيان وغيرهم، وأخذ بمصر القراءات عن أبي الحسن عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار، وتوجه مرارا إلى المشرق حاجّاً، ثم أجمع رَحْلَه إلى بلاد العراق حيث سمع من أبي الفتح ابن أبي الفوارس، وأبي الحسن المستملي، وأخذ القراءات عن أبي الحسن علي بن عمر الحمّامي، ودرس الأصول والعقليات على شيخ المالكية بها القاضي أبي بكر الباقلاني، ولقي جماعة غير هؤلاء الجلة.

بعد هذه الرحلة العلمية الحافلة التي نوّعت من مدارك أبي عمران معرفة ومنهجا، وأخذته إلى حيث عيون العلم ومنابعه المشهورة في عصره، رجع إلى القيروان وحصلت له بها رئاسة العلم، وأخذ يبث العلم بها يُمنة ويسرة، فاختلف إليه نبهاء الطلبة الذين حجوا إليه من كل قطر، فكانوا يتلقفون كلامه، ويحفظون أقواله؛ إذ كان رحمه يجلس لهم للمذاكرة والسماع في داره من غدوة إلى الظهر، وممن ركن إلى درسه وآثره على غيره كبارُ أصحاب أبي بكر بن عبد الرحمن الذين تركوا شيخهم في الإقراء وعزموا على الجلوس إلى أبي عمران حيث رأوا أنه لا يحل التخلف عن مثله.

وقد تخرج عليه خلق من الفقهاء والعلماء، منهم عبد الله بن رشيق الأندلسي؛ تفقه عليه واختص به، والإمام شيخ المالكية أبو محمد عبدالحق بن محمد بن هارون السهمي الصقلي، وواجاج بن زلو اللمطي، وغيرهم.

وحظي الشيخ أبو عمران بمكانة خاصة في قلوب شيوخه فضلا عن تلامذته، فقال له شيخه أبوبكر الباقلاني – وكان معجبا بحفظه -: لو اجتمعت في مدرسة أنت وعبد الوهاب – وكان إذ ذاك بالموصل – لاجتمع فيها علم مالك، أنت تحفظه، وهو ينصره، لو رآكما مالكا لسُرَّ بكما.

وأثنى عليه تلميذه وقرينه حاتم بن محمد الطرابلسي الأندلسي فقال: كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم، جمع حفظ المذهب المالكي إلى حديث النبي ، ومعرفة معانيه، وكان يقرأ القرآن بالسبع، ويجودها، مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب والأندلس، واستجازه من لم يلقه. وقال أيضا: ولم ألقَ أحداً أوسع منه علماً، ولا أكثر رواية.

وتحفل مختلف كتب الفقهاء المالكية وغيرهم بأقوال أبي عمران الفاسي وفتاويه في الفقه، وبآرائه في الأصول، والتفسير، والتراجم والرجال، وخلّف إلى جانب ذلك عددا قليلا من المصنفات منها تعليقه على المدونة، وتعاليق تتضمن تراجم بعض الفقهاء والمحدثين وقف عليها القاضي عياض وأفاد منها في كتابه ترتيب المدارك، وخرّج من عوالي حديثه نحو مائة ورقة، وله فهرسة عرف فيها بشيوخه ومروياته تعتبر من أقدم كتب الفهارس المغربية، ومن أسف أننا لا نجد بين أيدينا اليوم شيئا من مصنفاته سوى نقول عن بعضها مبثوتة في مصادر كثيرة، أما كتاب الدلائل والأضداد وكتاب النظائر المنسوبين إليه فهناك من الباحثين من ينفي نسبتهما إليه.

توفي رحمه الله في الثالث عشر من رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة، وازدحم الناس على نعشه، وصلى عليه تلميذه أبو بكر بن عتيق السوسي بوصيته له بذلك، ودفن بداره بالقيروان.

من مصادر ترجمته:

ترتيب المدارك (7/243-252)، الديباج المذهب (2/317-318)، شجرة النور الزكية (1/158)، طبقات الفقهاء (161)، جذوة المقتبس (317)، الصلة لابن بشكوال (2/577-578)، بغية الملتمس (457)، معالم الإيمان (3/159-164)، سير أعلام النبلاء (17/545).

إنجاز: د.مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق