مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

أبو بكر المرادي

 

إسمه ونشأته:

هو محمد بن الحسن الحضرمي، يعرف بالمرادي، يكنى أبا بكر[1]. ولد في القرن الخامس، ونشأ بالقيروان[2]. ودخل قرطبة سنة سبع وثمانين وأربعمائة[3]. أخذ عن أهل الأندلس[4]، وسار مع أبي بكر بن عمر اللمثوني المرابطي في زحفه إلى الصحراء باتجاه بلاد السودان، وهناك في مدينة “أزكي” استعمله أبو بكر بن عمر على القضاء حيث بقي حتى وفاته[5].

مكانته العلمية:

كان أبو بكر المرادي رحمه الله “فقيهاً فطناً، وشاعراً لسناً، ممن جمع براعة الفقهاء، وبراعة الشعراء والنبهاء، وتصرف تصرف المطبوعين، وتكلم بألسنة المجيدين؛ أشعار كصفحات البدور، ودواوين كأثباج البحور”[6]. كان عالما بالفقه وإماما في أصول الدين، وله في ذلك تواليف حسان مفيدة[7]. ، له نهوض في علم الاعتقادات، وهو أوّل من أدخل علوم الاعتقاد إلى المغرب القصى[8]، فكان من بين أوائل الأشاعرة الذين حاولوا نشر المذهب بالمغرب بين المالكية،[9].
وقد حلاه صاحب الذخيرة بأوصاف جليلة ونعوت جميلة بعبارة أنيقة، واتهمه بأنه كان يطمح إلى أن يخلف عبد الله بن ياسين في تزعم الدعوة المرابطية فقال: «وتقلب أبو بكر بين السهول والحزون، تقلب الميل بين أطباق الجفون، وقلت دولة من دول ملوك الطوائف بالأندلس إلا وقد ابتغى إليها الوسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً وحيلة، فتنزوي عن مكانه انزواء الخائف من الرصد، وتغص بإحسانه غصص العين بالمرد، ثم كر إلى أمراء المرابطين بالمغرب فانخرط في أسلاكهم، وعرض بنفسه على أملاكهم، ووقع آخراً منهم إلى محمد بن يحيى بن عمر، فاقتعد صهوة منبره، وولي قضاء معسكره، وأخذ ينجد ويغور، وطفق يدبر ويدير، وإنما أراد أن يسلك في حمل دول المرابطين، مسلك عبد الله بن ياسين، ولم يدر أنها أقدار محتومة، وحظوظ مقسومة، فلم يحصل إلا على بعد السفر، وانقطاع العين والأثر[10].
وكان رحمه الله حافظا مسندا فاختلف إلى أبي مروان بن سراج في سماع التّبصرة لمكّي، وحدّث بكتاب فقه اللّغة مشافهةً، عن عبد الرحمن بن عمر التّميميّ القصديريّ، عن محمد بن عليّ التّميميّ، عن إسماعيل بن عبدوس النّيسابوريّ، عن مصنّفه أبي منصور الثّعالبيّ[11].

مؤلفاته:

للمرادي في أصول الدين توالف حسان مفيدة، ويعتبر كتاب “السياسة”، أو كتاب “الإشارة في تدبير الإمارة”، من أشهر تآليفه، وقد ألفه تأديبا لأحد أولاد الأمراء أو الأعيان، ولا يبعد أن يكون من أبناء محمد بن يحيى بن عمر، ولذلك جاء الكتاب بصيغة الخطاب، وبنفس تربوي  تهذيبي، فامتلأ بالحكم والنصائح السياسية، وغيرها مما يتعلق بالأمير من اللباس والطعام ونحوها من الآداب المرتبطة بالملوك والأمراء، وقد رتبه على ثلاثين بابا على عدد أيام الشهر، قال :”إذا تفطن الفطن منها كل يوم بابا لم يأت عليه الشهر إلا وقد حفظ صدرا كبيرا من الحكمة وتعلم أصلا من السياسة[12]، وهو أول من افتتح القول ما يسمى بالآداب السلطانية في الغرب الإسلامي.
وله كذلك “التجريد في علم الكلام” و ” رسالة الإماء إلى مسألة الاستواء”.

شيوخه:

أخذ الإمام المرادي علمَه عن مجموعة من المشايخ منهم:
أبو مروان بن السراج، سمع منه التبصرة لمكي[13]، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عمر بن محمد التميمي القصديري، حدث عنه بكتاب “فقه اللغة” للثعالبي[14]، وغيرهما.

تلاميذه:

وأخذ عن الإمام المرادي تلاميذ كثر، منهم:
ولده علي بن محمد، وأبو الحسن المقرئ بن الباذش، وأبو العباس الكناني، وغيرهم.

نتف من شعره:

يحكي صاحب الذخيرة عن المرادي أنه بلغه عن بعض الشعراء بمرسية هجاه، فبعث إليه رجلاً كان يتصرف له، يعرف بابن المقدم فصفعه، فاستعدى عليه ابن طاهر، فكتب إليه المرادي بأبيات منها قوله:
تعرضني كلب بهجو مخذل … كقيء السكارى أو هراء المبرسم
فأنفذت من وقتي إليه سحائباً … من الصفع يحدو وفدها ابن المقدم
فحامت عليه كالجراد تساقطت … من الجو في أنوار روض معمم
وغنى دوي النعل في صحن رأسه … ” ألا عم صباحاً أيها الربع واسلم ”
وكان بالمرية مؤدب يسمى وليد بن عبد الوارث وينبز بالبقري كان يقول بقدم الحروف، فألف المرادي في ذلك رسالة راداً عليه وقصيدة قال فيها:
لا در در سخافة … شنعاء جاء بها الوليد
كفر تكاد له الجبا … ل على ثقالتها تميد
قل للرئيس الأحوص … ني ورأيه أبداً سديد
حمق المؤدب فادعى … من بينهم ما لا يجيد
مكنتموه من الكلا … م وجهله أبداً يزيد
وتركتموه مسرحاً … أين السلاسل والقيود –
أغلا الحديد بأرضكم … أم ليس يمكنه الحديد
وكانت بينه وبين الشيخ أبي محمد عبد العزيز التونسي مناقضة في مسائل من العلم، فسافر المرادي عن أغمات، وكتب عند رحلته إليه بهذه الأبيات:
قل لعبد العزيز يكثر من بعد … ي ما شاء منه قيلاً وقالا
وتشجع ما غبت عنك فإنا … قد ضربنا لك الأمثالا
” وإذا ما خلا الجبان بأرض … طلب الطعن وحده والنزالا ”
وساير المرادي يحيى بن بانو بسجلماسة. فاتفق أن سقط كاتب له كان يكنى بأبي الأصبغ عن دابته، وقام بأثر جرحٍ في وجههن ثم اتفق أن سقط إثر ذلك أيضاً المرادي وقام دون أثرٍ عليه، فقال أبو الأصبغ: وهذا الفقيه أيضاً سقط؛ فقال المرادي من جملة أبيات:
فشتان بين وقوعي أنا … وبين وقوع أبي الأصبغ
فذاك سقوط يشج الوجوه … وهذا سقوط كما ينبغي [15].

آراؤه العقدية:

قال أبو الحجاج يوسف بن موسى الضرير: أنشدني أبو بكر المرادي لنفسه في الحجة على إثبات القدر:(البسيط).
علمي بقبح المعاصي حين أركبها *** يقضي بأني محمول على القدر
لو كنت أملك نفسي أو أصدقها *** ما كنت أطرحها في لجة الغمر
كلفت فعلا ولم أقدر عليه ولم *** أكن لأفعل أفعالا بلا قدر
وكان في عدل ربي أن يعذبني *** فلم أشاركه في نفع ولا ضرر
إن شاء نعمني أو شاء عذبني *** أو شاء صورني في أقبح الصور
يارب عفوك عن ذنب قضيت به *** عدلا علي فهب لي صفح مقتدر[16].

وفاته:

توفي المرادي ـ رحمه الله ـ بمدينة أزكي[17]، بصحراء المغرب، وهو قاض بها سنة تسع وثمانين وأربعمائة (489)[18].

الهوامش:

1- الصلة لابن بشكوال الأنصاري، ضبط نصه وعلق عليه، جلال الأسيوطي، 2/216، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/2008م.
2- مقدمة كتاب السياسة، أو الإشارة في تدبير الإمارة، لأبي بكر المرادي، ص:5، تح: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، وأحمد فريد الفزيري، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/2003م.
3- الصلة 2/217.
4- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، 33/314 تح: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987م.
5- التشوف، ص:106. ومقدمة تحقيق رضوان السيد لكتاب “الإشارة” للمترجم له.
6- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة،  4/253.
7- الصلة 2/217.
8- أزهار الرياض في أخبار عياض، لشهاب الدين المقري، تح:علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط: 1/2010م .
9- مقدمة تحقيق رضوان السيد لكتاب “الإشارة” للمترجم له.
10- الذخيرة 4/253.
11- نفس المصدر 4/254.
12- مقدمة كتاب الإشارة في تدبير الإمارة” للمرادي، تحقيق: سامي النشار. دار الثقافة الدار البيضاء 1981م.
13- تاريخ الإسلام ص:314.
14- نفسه 314.
15- الذخيرة 4/253.
16- الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص:226.
17- مدينة بالمغرب، وهي أول مراقي الصحراء’ ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة. انظر الروض المعطار في خبر الأقطار، لمحمد بن عبد المنعم الحميري، ص:28، تح: إحسان عباس، مكتبة لبنان ط2/1984م.
قلت: وهي الآن بدولة موريتانية، قرب مدينة “أطار”.
18- الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص:226.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق