مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أبو إسحاق السّباعي تـ1135هـ

  هو الإمام المحدث، الراوية الرُّحَلة أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن محمد بن أحمد بن منصور بن داود بن مسلم الدرعي الشهير بالسّباعي، مولده سنة 1034هـ.

  يعدّ ـ رحمه الله ـ من الأعلام الذين سكتت عنهم كتب التراجم، وفي هذا يقول الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله: ((وإن تعجب فاعجب لكون المترجم لا تجد له ترجمة في غير »الدرر المرصعة في صلحاء درعة«، وانظر كيف أهمله صاحب »الصفوة« و »النشر« ـ يقصد الإفراني وابن الطيب القادري رحمهما الله)).

  أخذ أبو إسحاق السباعي الطريقة وعلوم الشريعة عن الشيخ أبي عبد الله ابن ناصر الدرعي (ت1085هـ)، وأخذ بفاس عن شيخ القراء بالمغرب أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي (ت1082هـ)، والإمام القدوة أبي السعود عبد القادر الفاسي (ت1091هـ)، والفقيه الرحالة الأديب أبي سالم عبد الله العياشي (ت1090هـ)، وشاركه في كثير من شيوخه المغاربة والمشارقة، والعلامة المسند محمد بن سليمان الروداني (ت1094هـ)، وكانت له رحلة إلى المشرق لقي فيها جماعة من الأئمة الأعلام، منهم: العلامة المحدث الفقيه أبو محمد عبد الباقي الزرقاني (ت1099هـ)، والحافظ المصري شمس الدين البابلي (ت1077هـ)، وخاتمة المحققين أبو الضياء علي الشَّبْرَامَلِّسِي (ت1087هـ)، والفقيه المحقق القدوة البرهان إبراهيم بن مَرْعِي الشَّبْرَخِيتي (ت1106هـ)، والعلامة الفقيه أبو عبد الله محمد الخرشي (ت1101هـ)، والمسند الحجّة أبو مهدي عيسى الثعالبي (ت1080هـ)، والعلامة المسند البرهان إبراهيم بن حسن الكُوراني (ت1101هـ)، وغيرهم من الحجازيين. وأخذ بدمشق عن الإمام المسند عبد القادر بن مصطفى الصفوري (ت1081هـ)، المحدّث المُسنِد أبي المواهب عبد الباقي بن عبد القادر الحنبلي (ت1126هـ)، والعلامة المحقق إبراهيم بن منصور الفتال المصري (ت1098هـ)، وإمام جامع الأزهر منصور بن عبد الرزاق الطُّوخِي المصري (ت1090هـ)، والبارع المتفنن أبي السعود بن تاج الدين الخزرجي الشامي (ت1094هـ)، يروي عن جميع هؤلاء ما لهم عامة.

  قال الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله: ((ومن غرائب مشايخه: الشيخة المعمَّرة المسندة، الفقيهة الصالحة: فاطمة بنت شكر الله بن أسد الله الكورانية الخالدية المدنية؛ سمع عليها كثيراً من كتب الحديث وأجازته عامة)).

  واشتغل المترجم بالتدريس والتعليم بالزواية الناصرية بتمگروت، وكان الغالب عليه علم القراءات، ووفد بها عليه الأساتيذ من كل فجّ عميق للأخذ أو التعليم، فانتفع به خلق كثير من الطلبة، منهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي الأنصاري الدرعي، وأجاز ـ رحمه الله ـ إجازة عامة: الشيخ أبا عمران موسى ابن ناصر(ت1142هـ)، والعلامة الأديب أبا عبد الله الحوات الشفشاوني (ت1161هـ)، والفقيه الأريب أبا محمد جعفر بن موسى الناصري (ت1157هـ)، وصنوه الشيخ المؤرخ محمد المكي الأصغر (ت1180هـ)، وكان هذا وقت إجازة المترجم له ابن أربع سنين، ثم عمم المترجم في الإجازة لمن ذكر ولمن ولد وسيولد لهم إجازة عامة بتاريخ 1132، كما أجاز المترجم أيضاً عامة لولده العلامة أبي العباس أحمد بن إبراهيم الدرعي.

  ويبدو أن أبا إسحاق السباعي، من خلال ما وُشِّحَ به من أوصاف، وما حُلِّي به من نعوت، كان يعدّ من كبار حفاظ المغرب، ومسنديه في العصر الذي عاش فيه، فقد حلّاه تلميذه أبو عبد الله محمد المكي الناصري في »الدرر المرصعة« إذ قال: »شيخنا الإمام العارف، المقرئ المحقق، الأستاذ الرحلة، أحد العلماء الأفراد«.

  ووصفه العلامة أبو محمد زيان العراقي الفاسي في فهرسته بـ: »شيخ الشيوخ، البركة المعمَّر، المحدث الحافظ، الراوية المقرىء الضابط، الرحلة الواعية، الذي أسراره لأهل البصائر ظاهرة بادية«.

  وقال فيه أبو عبد الله الحوات في أرجوزة له ساق فيها من أخذه عن شيخه أبي إسحاق السباعي:

العـالم المشـارك التقـي … العـابـد المعمَّر النقي

واحدُ مسندي رجال المغرب … وقد علا في سند ورتب

إمامنا الدرعي إبراهيمُ … وَهْو السباعي الرضي الحميمُ

  وقال فيه الشيخ عبد الحي الكتاني: ((الدرعي هذا من كبار المسندين، وعمدة من أعمدة أئمة القراءات المغربيين، وبقية من كانت الرحلة إليهم على المحدثين كالواجبة…)).

  ألف أبو إسحاق فهرستين، إحداهما تسمى: ((الشموس المشرقة بأسانيد المغاربة والمشارقة))، يرويها عنه العلامة المحدث المسند محمد بن الطيب الشرگي الفاسي، وقد جمع هذه الفهرسة أبو عبد الله الحوات باسم شيخه. وأما الفهرسة الثانية فهي مجموع إجازات شيوخه وبينها مجموعة من الفهارس التي أجازوه بها. وقال صاحب ((الدرر المرصعة)): وأنشأ صاحب الترجمة كتبا كثيرة جليلة، وحبسها على من ينتفع بها من ولده وغيرهم…، وأشهد على نفسه بذلك، … وكان كثير التقاييد والفوائد العلمية والطبية)).

  حدد الشيخ عبد الحي الكتاني وفاة أبي إسحاق في بداية ترجمته في سنة 1155هـ، وقال: إنه مات عن نحو المائة، ثم قال وهو يشير إلى المدة التي عاشها المترجم بعد شيخه أبي سالم العياشي : وعاش بعده 45 سنة، ومعلوم أن أبا سالم توفي سنة 1090هـ ، وبذلك تكون وفاة أبي إسحاق سنة 1135هـ، ولعل ما ذكر أولا سبق قلم، وقد تعقبه عليه الشيخ عبد السلام ابن سودة فحدد تاريخ وفاة أبي إسحاق في سنة 1138هـ، مع العلم أنه يتفق معه في تحديد تاريخ مولده، وقال المختار السوسي: إنه توفي في أول صفر 1135هـ. والله أعلم.

  من مصادر ترجمته وأخباره: الدرر المرصعة في صلحاء درعة لمحمد المكي الناصري، النسخة الخطية المحفوظة بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدارالبيضاء تحت رقم (2) (ص186-191)، وفهرس الفهارس(2/1094-1097)، ودليل مؤرخ المغرب الأقصى (2/332)، وسل النصال (ص235)، وخلال جزولة للمختار السوسي (3/66) وكنية المترجم عنده: أبو سالم، والأعلام للزركلي (1/53-54)، والإعلام بمن حلّ مراكش وأغمات من الأعلام (6/69).

إنجاز: د. مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق