مركز أجيال واد نون للتأطير والتكويندراسات عامة

هل نفكر كما يفكرون؟ ثمانية خصائص للتواصل الرقمي لدى جيل زِد (Gen Z) تُسائل القيم

لقد شهدت أنماط التواصل تغيرًا جذريًا مع جيل زد (Gen Z)، وهم الأفراد المولودون بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وهو الذي يعد أول جيل نشأ في بيئة رقمية متكاملة، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياته اليومية، وهذا ما يدفع كثيرا من الدارسين إلى محاولة فهم وتفسير سلوكاته من مدخل التواصل.

ونسعى في هذه المقالة إلى الكشف عن جملة من أنماط وخصائص التواصل داخل المنصات الرقمية، من منظور بعض الدراسات، وكيف تختلف هذه الأنماط عن الأجيال السابقة، ونتساءل في النهاية عن إمكان التماس معالم القيم الثاوية في هذه الأنماط؟

أولا: التواصل السريع واللحظي

يعتمد جيل زد -حسب الكاتبة جين توينغ- على التواصل الفوري، حيث يفضل الرسائل القصيرة، الرموز التعبيرية (الإيموجي)، والصور المتحركة (GIFs) بدلًا من النصوص الطويلة، وتعزز تطبيقات مثل سناب شات وإنستغرام هذا النمط، حيث يتيح المحتوى الزائل تعبيرًا سريعًا دون الحاجة إلى التوثيق الدائم[1] .

ثانيا: التفاعل بالمحتوى المرئي أكثر من النصوص

يُعد جيل زد جيلًا بصريًا بامتياز، إذ يفضل الفيديوهات القصيرة على تيك توك والريلز على إنستغرام بدلاً من المقالات أو المنشورات الطويلة. وقد ساهم هذا في ازدهار "لغة الميمز" (Memes)  كوسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر بطريقة خفيفة وساخرة[2].

ثالثا: تعدد الهويات الرقمية والتواصل بطرق مختلفة

يتنقل جيل زد بين منصات مختلفة، ولكل منها أسلوبه الخاص في التواصل. فهم يستخدمون لينكدإن بأسلوب رسمي للعمل، وتويتر (X)  للنقاشات السريعة، وإنستغرام للهوية البصرية، وتيك توك لصناعة المحتوى الترفيهي والتوعوي. وهذا يعكس قدرتهم على تبني هويات رقمية متعددة والتكيف مع كل منصة[3].

رابعا: الثقافة التشاركية والاتصال الجماعي

يؤمن جيل زد بفكرة "المجتمع الرقمي"، حيث يتم إنشاء مجموعات على تطبيقات مثل ديسكورد وريديت لمناقشة اهتمامات مشتركة، من الألعاب الإلكترونية إلى القضايا الاجتماعية، ويكون التواصل هنا تفاعليًا أكثر من كونه فرديًا، مما يؤكد رغبتهم في الانتماء إلى مجتمعات رقمية ديناميكية[4].

خامسا: الاقتصاد في اللغة والاعتماد على الاختصارات

وحسب ديفيد كريستال فإن هذا الجيل يشتهر باستخدام اختصارات مثل LOL  (الضحك بصوت عالٍ) وBRB (سأعود قريبًا) وTBH (بصراحة)، وهذه الاختصارات تجعل التواصل أكثر سرعة وتلقائية، وهو ما يتناسب مع طبيعة حياتهم المتسارعة داخل الفضاء الرقمي[5].

سادسا: التأثير الجماعي والاتجاهات  (Trends)

ومما يلاحظه المتتبعون للفعل التواصلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يلعب جيل زد دورًا أساسيًا في إنشاء وانتشار الاتجاهات (Trends) على الإنترنت. فهم يتفاعلون مع التحديات (Challenges) على تيك توك، ويعيدون نشر المحتوى الذي يلقى رواجًا واسعًا، مما يجعلهم قوة مؤثرة في تشكيل الثقافة الرقمية العالمية.

سابعا: تراجع التواصل الصوتي لصالح النصوص والمحتوى المرئي

يُفضل جيل زد الرسائل النصية والمرئية على المكالمات الهاتفية، حيث يعتبرون الاتصال الصوتي طويلًا ومزعجًا مقارنة بالتواصل عبر الرسائل أو مقاطع الفيديو القصيرة.

ثامنا: وعي رقمي وانتقائية في مشاركة المعلومات

ترى دراسة  نشرها موقع  pew research center بعنوان: "المراهقون ووسائل التواصل الاجتماعي والخصوصية"[6] أنه رغم انفتاحه على مشاركة المحتوى، يتمتع جيل زد بوعي رقمي عالٍ، حيث يدرك مخاطر الخصوصية والبيانات الشخصية. لذلك، نجدهم أكثر حذرًا في مشاركة معلوماتهم الشخصية مقارنة بجيل الألفية السابق.

خاتمة

لقد أعاد جيل زد تعريف وتشكيل أساليب التواصل الرقمي، فغدت السرعة، والتفاعل البصري، والانتماء إلى مجتمعات افتراضية سمات مركزية في تجربته الاتصالية، وهذه التغيرات لا تعكس تطور التكنولوجيا وحسب، بل تجلّي تحولات جوهرية في أسلوب تشكيل تصوراتهم وإدراكهم للعالم وبناء علاقاتهم الاجتماعية، وبالضرورة عن أسئلة القيم التي تتشكل لدى أفراده.

ألسنا، إذن، بحاجة إلى التأمل في فاعلية الجهد التربوي والتوجيهي الذي يبذل للحفاظ على منسوب القيم عاليا أمام طوفان المحتوى الرقمي الجارف؟ ألسنا بحاجة إلى إنتاج محتوى جذاب وسريع يستهوي الأجيال القادمة ويحفظ القيم الأصيلة؟

ما المطلوب من الموجهين والمهتمين كي يصبح خطابهم في لب الاهتمامات لا في هامشها؟ إذا كان جيل زد كما سبق جيلا متقنا لفن الاختصارات والاقتصاد في اللغة، فكيف يمكننا جعل القيم الدينية فاعلة وذات أثر ناجع في بيئة الاختصارات هذه؟ وأخيرا؛ هل يمكننا، مع استمرار تطور المنصات الرقمية، أن نبتكر فضاءات جديدة تستجيب لقواعد التواصل المؤثر وتكسب رهان الانتباهات الجديدة؟

الهــوامش

[1] iGen: Why Today’s Super-Connected Kids Are Growing Up Less Rebellious, More Tolerant, Less Happy—and Completely Unprepared for Adulthood, Twenge, J. M. (2017).  Atria Books.

[2]  Anderson, M., and Jiang, J. (2018). Teens, Social Media and Technology 2018. Pew Research Center:

 https://www.pewresearch.org/internet/2018/05/31/teens-social-media-technology-2018/

[3]  It’s Complicated: The Social Lives of Networked Teens. Yale University Press.  Boyd, D. (2014). 

رابط الدراسة :  https://www.danah.org/books/ItsComplicated.pdf

[4] Confronting the Challenges of Participatory Culture: Media Education for the 21st Century. MIT Press. Jenkins, H. (2009).

انظر ملخص التقرير في الرابط التالي https://www.amazon.com/Confronting-Challenges-Participatory-Culture-Foundation/dp/0262513625?asin=0262513625&revisionId=&format=4&depth=1 

[5] Txtng: The Gr8 Db8. Crystal, D. (2008). Oxford University Press

رابط الدراسة:  https://introdigitalmedia.wordpress.com/wp-content/uploads/2012/01/texting.pdf

[6] Teens, Social Media, and Privacy.By Mary Madden, Amand 

رابط الدراسة: https://www.pewresearch.org/internet/2013/05/21/teens-social-media-and-privacy/

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق