تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(14)

وأما البلوغ فقال الشارح: "هو كما قال الإمام أبو عبد الله المازري قوة تحدث في الصبي يخرج بها من حالة الطفولية إلى حال الرجولية، وتلك القوة لا يكاد يعرفها أحد، فجعل الشارع لها علامات يستدل بها على حصولها". انتهى.
وقد ذكر الناظم من علامات البلوغ خمسا:
إثنان تختص بهما الأنثى، وهما: الحيض وتصدق فيه إن لم تكن ريبة، والحمل. ابن ناجي: وفي عد الحمل نظر؛ لأنه لا يكون إلا بعد سبقية الإنزال من المرأة، فهو راجع إلى الاحتلام، ولا تصدق في الحمل إن لم يكن ظاهرا، وينتظر الأمر في ذلك حتى يظهر.
وثلاث يشترك فيها الذكر والأنثى: الاحتلام؛ وهو خروج المني، ومثله المذي كما نص عليه الشافعية. ابن شاس: ويثبت الاحتلام بقوله إن كان ممكنا إلا أن تعارضه ريبة. وإنبات الشعر، أي شعر الوسط، والمراد به الخشن لا الزغب. ابن العربي: ويثبت بالنظر إلى مرآة تسامت محل الإنبات. ابن عرفة: ذكر هذا عز الدين وقال هو كالنظر إلى عين العورة، وكذلك ابن القطان المحدث. وفي المختصر: وصدق إن لم يُرَبْ.
والمعتمد أن الإنبات علامة مطلقا، وقيل إلا في حقه تعالى، وهذا على ما في المختصر، وفي المواق عن ابن رشد أنه ليس علامة في حق الله اتفاقا عكس ما في المختصر، وهما طريقتان.
والثالثة السن وإن اختلف في حده، فالمشهور وعليه اقتصر الناظم ثمان عشرة إلى تمامها، وقال اللخمي: الدخول فيها، وقيل: سبع عشرة، وقيل: ست عشرة، وقيل: خمس عشرة.
وزاد القرافي في العلامات رائحة الإبطين، وزاد غيره فرق الأرنبة من الأنف، وغلظ الصوت. البرزلي: ومن ذلك أن يأخد خيطا ويثنيه، ويديره برقبته، ويجمع طرفيه في أسنانه، فإن دخل رأسه منه فقد بلغ وإلا فلا. وأما التنهيد فليس علامة، والخنثى المشكل تجري فيه العلامات الخمس احتياطا.
وبقي على الناظم من شروط التكليف بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "وأسقط الناظم هذا الشرط لعدم الحاجة إليه بسبب بلوغ دعوته صلى الله عليه وسلم لكل أحد". انتهى.
وفي حاشية سيدي عبد الرحمن الحليمي أحد أجلاء الشافعية: "إن من كان عاقلا مميزا [إذا] رأى ونظر إلا أنه لا يعتقد دينا فهو كافر؛ لأنه وإن لم يكن سمع دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه سمع دعوة أحد من الأنبياء الذين كانوا قبله صلى الله عليه وسلم على كثرتهم، وتطاول أزمان دعوتهم، ووفور عدد الذين آمنوا بهم واتبعوهم، والذين كفروا بهم وخالفوهم، فإن الخبر قد يبلغ على لسان المخالف كما يبلغ على لسان الموافق، وإن أمكن أن يكون لم يسمع قط بدين ولا بدعوة نبي ولا عرف أن في العالم من يثبت إلها، وما نرى أن ذلك يكون، فإن كان فأمره على الاختلاف". يعني عند من يوجب الإيمان بمجرد العقل ومن لا يوجبه إلا بانضمام النقل.
وقال ابن عطية في قوله تعالى: ﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾[1]: "معناه أن دعوة الله قد عمت جميع الخلق، وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته؛ لأن آدم بعث إلى بنيه، ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم، والآية التي تتضمن أن قريشا لم يأتهم نذير معناه نذير مباشر، وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمةٌ لم تَعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله".
وقال أيضا: "إنما صاحب الفترة يفرض أنه آدمي لم [يطرأ] إليه أن الله بعث رسولا ولا [دعا] إلى دين، وهذا قليل الوجود إلا أن يشذ في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران". انتهى. وانظر فيها نصوصا من هذا المعنى.
تنبيه؛ قال الإمام المحلي في شرح جمع الجوامع: "ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ عاقل كما يعلم مما سيأتي من امتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره، ويرجع ذلك في التحقيق إلى انتفاء تكليف العاقل في بعض أحواله". انتهى.
الهوامش:
[1]- سورة فاطر، الآية: 24.