غيث النفع في توجيه القراءات السبع :سورة البقرة قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾، ﴿فَأَزَٰلَهُمَا﴾

الحمد لله الذي أنزل القرآن على نبيه على سبعة أحرف تخفيفا عن هذه الأمة وتيسيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أرسله الله للناس بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه التّالين لكتاب الله تجويدا وتحبيرا.
سورة البقرة
قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾، ﴿فَأَزَٰلَهُمَا﴾
قال ابن مجاهد: «وَاخْتلفُوا فِي قَوْله: ﴿فَأَزَلَّهُمَا اَ۬لشَّيْطَٰنُ﴾، فَقَرَأَ حَمْزَة وَحده ﴿فَأَزَٰلَهُمَا﴾ بِأَلفٍ خَفِيفَةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ مُشَدّدَةً بِغَيْر ألفٍ»(1).
قال مكي بن أبي طالب: «وعلة من قرأ بالألف أنه جعله من «الزوال»، وهو التنحية، واتبع في ذلك مطابقة معنى ما قبله على الضد، وذلك أنه قال تعالى ذكره لآدم ﴿اُ۟سْكُنَ اَنتَ وَزَوْجُكَ اَ۬لْجَنَّةَ﴾ فأمرهما بالثبات في الجنة، وضد الثبات الزوال. فسعى إبليس اللعين فأزالهما بالمعصية عن المكان الذي أمرهما الله بالثبات فيه مع الطاعة، فكان الزوال به أليق لما ذكرنا. وأيضا فإنه مطابق لما بعده في المعنى؛ لأن بعده ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾، والخروج عن المكان هو الزوال عنه، فلفظ الخروج عن الجنة يدل على الزوال عنها، وبذلك قرأ الحسن والأعرج وطلحة»(2).
قال المهدوي: «فإن قال قائل: فإنه إذا قرئ ﴿فَأَزَٰلَهُمَا﴾ وجاء بعده ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ كان تكريرا؛ إذ معنى «أزالهما» أخرجهما.
قيل له: إذا كان التكرير مفيدا فهو حسن؛ ألا ترى أنه يجوز أن يزيلهما عن المكان الذي كانا فيه ولا يخرجهما عما كانا فيه من الرفاهية ورغد العيش، فصار قوله ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ يفيد أنهما زالا من الجنة وخرجا مما كانا فيه من الرفاهية ورغد العيش»(3).
قال مكي: «وعلة من قرأ بغير ألف الإجماع في قولهم ﴿إِنَّمَا اَ۪سْتَزَلَّهُمُ اُ۬لشَّيْطَٰنُ﴾، أي: أكسبهم الزلة، فليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان؛ إنما قدرته على إدخال الإنسان في الزلل، فيكون ذلك سببا إلى زواله من مكان إلى مكان بذنبه، ويقوي ذلك أنه قال في موضع آخر ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا اَ۬لشَّيْطَٰنُ﴾، والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزلل بالمعصية، وليست الوسوسة بإزالة منه لهما من مكان إلى مكان، إنما هي تزيين فعل المعصية، وهي الزلة لا الزوال. وأيضا فإنه قد يحتمل أن يكون معنى ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ من «زَلَّ» عن المكان، إذا تنحى عنه، فيكون في المعنى كقراءة من قرأ بألف من الزوال، والاختيار القراءة بغير ألف لما ذكرنا من العلة، ولأنه قد يكون بمعنى ﴿فَأَزَٰلَهُمَا﴾ فيتفق معنى القراءتين، ولأنه إجماع من القراء غير حمزة، ولأنه مروي عن ابن عباس، وبه قرأ أبو جعفر يزيد، وشيبة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وقتادة، ومجاهد، وابن أبي إسحاق، وهي قراءة أهل المدينة وأهل مكة، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد»(4).
الهوامش:
- السبعة ص 154
- الكشف 1/ 235- 236
- شرح الهداية 1/ 162- 163
- الكشف 1/ 236