المنتقى مما روي أنه لا نافلة قبل وبعد صلاة العيد من الأحاديث والآثار

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى آله وصحبه
تقديم:
يستقبل المسلمون في كل عام عيد الفطر السعيد ، وذلك بعد إتمام عبادة الصيام ، وقد احتفل به المسلمون أول الأمر في السنة الثانية للهجرة بعد صيام أول رمضان ، ولا شك أن له سننا وأحكاما ، ومن بين هذه الأحكام: أنه" لا نافلة قبل وبعد صلاة العيد"، وقد ورد بشأن هذا الموضوع عدة أحاديث نبوية، وآثارعن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم،وعدد ما انتقيته منها في هذا المقال: أربعة ، ومنهجي في ذلك الآتي:
أذكر الحديث أو الأثر ، ثم أخرجه تخريجا مختصرا ، مع ذكر درجته من خلال بعض أقوال العلماء عنها، وفي التخريج أقدم الموطأ،وصحيح البخاري على غيرها، وأما بقية الكتب الحديثية فألتزم الترتيب فيها على حسب تاريخ وفيات أصحابها ، ثم ختمت المقال بذكر الرأي المشهور عند المالكية في هذه المسألة ، وهذا أوان الشروع فيما له قصدت، فأقول وبالله التوفيق والسداد:
الأول:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها في عيد".
تخريجه:
أخرجه أحمد في مسنده[1] ، وابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها –وهذا لفظه-[2]
قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات[3].
لأن فيه:عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي قال عنه الحافظ ابن حجر ملخصا حاله في التقريب : "صدوق يخطئ ويهم"[4].لكن يشهد له حديث ابن عباس رضي الله عنهما الآتي.
الثاني:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يصل قبلها، ولا بعدها".
تخريجه:
أخرجه المحاملي في صلاة العيدين[5] من طريق أبي معاوية الضرير، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ، عن جابر رضي الله عنه ، ومن طريقه أخرجه الدار قطني في سننه كتاب : العيدين[6].
وفي إسناده : أبو معاوية الضرير، تكلم فيه العلماء من قبل حفظه؛ لأنه مضطرب في غير حديث الأعمش[7]. لكن يشهد له حديث ابن عباس رضي الله عنهما الآتي.
الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص " .
تخريجه:
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: التحريض على الصدقة[8]، -وهذا لفظه-، وابن ماجه في سننه ، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها[9]،وأبو داود في سننه ، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة بعد صلاة العيد[10] ، والترمذي في سننه ، كتاب: أبواب العيدين، باب: لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها[11] -وفي سنن أبي داود والترمذي: تعيين العيد بعيد الفطر -.
قال أبو عيسى الترمذي: "حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ، والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وبه يقول الشافعي، وأحمد ، وإسحق ، وقد رأى طائفة من أهل العلم الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ،والقول الأول أصح"[12].
الرابع:
عن ابن عمر أنه: "لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة، ولا بعدها".
تخريجه:
أخرجه مالك في الموطأ ، في كتاب: الصلاة، باب: ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما -وهذا لفظه-[13]، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب: أبواب العيدين، باب: لا صلاة قبل العيدين ولا قبلهامن طريق أبان بن عبد الله البجلي، عن أبي بكر ابن سعد بن أبي وقاص، عن ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: "أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها، ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله"[14]، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك من نفس الطريق، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه بهذا اللفظ، لكنهما قد اتفقا على حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يصل قبلها و لا بعدها "[15]، ووافقه الذهبي في التلخيص، قال : صحيح.
وفي إسناد هذا الأثر: أبان بن عبد الله البجلي، تكلم فيه العلماء من قبل حفظه وقد لخص الحافظ حاله فقال: "صدوق في حفظه لين"[16].
وله طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه الإمام عبد الرزاق في مصنفه من طريق عن نافع ،عن ابن عمر رضي الله عنه[17]بنحوه،كما يشهد له حديث ابن عباس المتقدم.
الرأي المشهور عند المالكية في هذه المسألة
قال ابن رشد في بداية المجتهد: "وفرق قوم بين أن تكون الصلاة في المصلى أو في المسجد، وهو مشهور مذهب مالك"[18]فكره التنفل قبلها وبعدها بمصلى وأجازه إذا كان بمسجد ؛ كما في المدونة قال: "إذا صلوا جماعة صلاة العيد في مسجد لعلة أو صلوها جماعة في مسجد ساحل من السواحل، فلا بأس بالتنفل فيه قبلها وبعدها، قال: وإنما كره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في المصلى"[19].
ووجه ذلك كما قال الخرشي –وبه أختم- "أن الخروج لصلاة العيد بمنزلة طلوع الفجر بالنسبة لصلاة الفجر، فكما لا يصلي بعد الفجر نافلة غير صلاة الفجر ، فكذا لا يصلي قبل صلاة العيد نافلة غيرها ، هذا وجه كراهة التنفل بالمصلى قبلها ، وأما وجه كراهته فيها بعدها ؛ فخشية أن يكون ذلك ذريعة لإعادة أهل البدع لها القائلين بعدم صحتها كغيرها خلف الإمام غير المعصوم، ولا يقال كل من هذين يجري في التنفل قبلها وبعدها في المسجد، مع أنه لا يكره ذلك فيه؛ لأنا نقول لا نسلم ذلك ؛ إذ المسجد يطلب تحيته ولو في وقت النهي عند جمع من العلماء ، وأما جوازه بعدها في المسجد، فلأنه يندر حضور أهل البدع لصلاة الجماعة في المسجد فتأمله"[20] .
الخاتمة:
وختاما فإن هذه الأحاديث والآثار المنتقاة ، نصت كلها على أنه لا نافلة قبل وبعد صلاة العيد ؛ والمسألة خلافية بين العلماء، والمشهور عند المالكية أنه يكره التنفل في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها، ويستثنى منه التنفل في المسجد فهو جائز .
والحمد لله رب العالمين.
******************
هوامش المقال:
[1] - مسند أحمد (11 /283)، برقم: (6688).
[2] - سنن ابن ماجه (2 /441)، برقم: (1292).
[3] - مصباح الزجاجة (2 /777).
[4] - تقريب التهذيب (ص: 522).
[5] - صلاة العيدين (2 /131)، برقم: (42).
[6] - سنن الدار قطني (2 /385)، برقم: (1725).
[7] - تهذيب التهذيب (9 /138).
[8] - صحيح البخاري (1/ 442)، برقم: (1431)
[9] - سنن ابن ماجه (1 /440)، برقم: (1291).
[10] - سنن أبي داود (2 /363)، برقم: (1159).
[11] - سنن الترمذي (1/ 540)، برقم: (537).
[12] - سنن الترمذي (1 /541).
[13] - الموطأ رواية يحيى الليثي (1 /255).
[14] - سنن الترمذي (1/ 541)، برقم: (538).
[15] - المستدرك على الصحيحين (2/ 435)، برقم: (1095).
[16] - تقريب التهذيب (ص: 103).
[17] - مصنف عبد الرزاق (3/ 274)، برقم: (5611).
[18] -بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1 /512).
[19] -الجامع لمسائل المدونة (2 /78).
[20] - شرح الخرشي على مختصر خليل (2 /105) .
*****************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد. تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق. مكتبة ابن تيمية القاهرة. ط1 /1415 مـ.
تقريب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تقديم: يكر بن عبد الله أبو زيد. دار العاصمة الرياض. ط2/ 1423 هـ.
تهذيب التهذيب. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دائرة المعارف النظامية الهند. 1326 هـ
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1 /1400هـ.
الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي . حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. بيروت. ط1/ 1996 مـ.
الجامع لمسائل المدونة والمختلطة. لأبي بكر بن عبد الله بن يونس. اعتنى به: أبو الفضل الدمياطي أحمد بن علي. تقديم: أحمد بن منصور. كتاب ناشرون بيروت. ط1/ 2012 مـ.
سنن ابن ماجه. لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الجيل بيروت. ط1/ 1418 هـ- 1998 مـ.
سنن أبي داود. لسليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية.ط 1430-2009.
سنن الدار قطني. لعلي بن عمر الدار قطني. حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- حسن عبد المنعم شلبي- جمال عبد اللطيف. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1/ 1434 هـ- 2004 مـ.
شرح أبي عبد الله محمد الخرشي على مختصر خليل. المطبعة الأميرية بولاق مصر. ط2/ 1317 هـ.
كتاب صلاة العيدين .لأبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي. دراسة وتحقيق وتخريج: نور الدين محمد الحميدي الإدريسي. جمعية دار البر الإمارات العربية المتحدة. ط1/ 1435 هـ- 2014 مـ.
المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم مع تضمينات الإمام الذهبي في التلخيص والميزان والعراقي في أماليه والمناوي في فيض القدير وغيرهم من العلماء. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت. ط2 /1422 هـ- 2002 مـ.
مسند أحمد بن حنبل (ج11 ). تحقيق : مجموعة من الباحثين. مؤسسة الرسالة بيروت. ط 1/ 11417 هـ- 1997 مـ.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه. لأبي العباس أحمد ابن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز البوصيري الكناني. تحقيق ودراسة: د عوض بن أحمد الشهري. مطبوعات الجامعة الإسلامية المدينة المنورة. ط1/ 1425 هـ - 2004 مـ.ـ
المصنف. لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ومعه: كتاب الجامع للإمام معمر بن راشد الأزدي رواية الإمام عبد الرزاق الصنعاني. عني بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: حبيب عبد الرحمن الأعظمي. المكتب الإسلامي. بيروت. ط2/ 1403 هـ- 1983 مـ.
الموطأ. لمالك بن أنس رواية: يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط2/ 1417 هـ- 1997 مـ.
*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار