
قال الشيخ أبو نصر السراج الطوسي في كتابه اللمع [1]:
وكذلك أنواع العلم كثيرة: فعلم الدين من ذلك ثلاثة علوم: علم القرآن، وعلم السنن والبيان، وعلم حقائق الإيمان، وهي العلوم المتداولة بين هؤلاء الأصناف الثلاثة {أصحاب الحديث، والفقهاء، والصوفية} وجملة علوم الدين لا تخرج عن ثلاث: آيات من كتاب الله عز وجل، أو خبر عن رسول الله ﷺ، أو حكمة مستنبطة خطرت على قلب ولي من أولياء الله تعالى.
وأصل ذلك حديث الإيمان حيث سأل جبريل عليه السلام النبي ﷺعن أصول ثلاثة: عن الإسلام والإيمان، والإحسان الظاهر والباطن، والحقيقة، فالإسلام ظاهر، والإيمان ظاهر وباطن، والإحسان حقيقة الظاهر والباطن، وهو قول النبي ﷺ: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))[2] وصدقه على ذلك جبريل، والعلم مقرون بالعمل، والعمل مقرون بالإخلاص، والإخلاص أن يريد العبد بعلمه وعمله وجه الله تعالى؛ وهؤلاء الأصناف الثلاثة في العلم والعمل متفاوتون، وفي مقاصدهم ودرجاتهم متفاضلون، وقد ذكر الله تعالى تفاضلهم ودرجاتهم فقال عز وجل: ﴿ والذين أوتوا العلم درجات﴾[3]، وقال: ﴿ولكل درجات مما عملوا﴾[4] وقال:﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض﴾[5]وقال: النبي ﷺ: (( الناس أكفاء متساوون كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالعلم والتقى))[6].
فكل من أشكل عليه أصل من أصول الدين وفروعه وحقوقه وحقائقه وحدوده وأحكامه ظاهرا وباطنا فلابد له من الرجوع إلى هؤلاء الأصناف الثلاثة: {أصحاب الحديث، والفقهاء، والصوفية؛} وكل صنف من هؤلاء مترسم بنوع من العلم والعمل والحقيقة والحال، ولكل صنف منهم في معناه علم، وعمل، ومقام ومقال، وفهم، ومكان، وفقه، وبيان عَلمه من علمَه وجهله من جهله، ولا يبلغ أحد إلى كمال يحوي جميع العلوم والأعمال والأحوال، وكل واحد فمقامه حيث وقفه الله تعالى ومحله حيث حبسه الله عز وجل.
كتاب اللمع لأبي نصر السراج الطوسي تحقيق عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م
مكتبة الثقافة الدينية
الهوامش:
[1]- كتاب اللمع: لأبي نصر السراج الطوسي - ت 378هـ ص 22 تحقيق عبدالحليم محمود طه عبدالباقي سرور طبعة 1423هـ 2002م مكتبة الثقافة الدينية.
[2]- جزء من حديث جبريل المشهور سأل فيه عن الإسلام والإيمان والإحسان، والحديث أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان والإ سلام والإحسان، ومسلم في كتاب الإيمان، باب: الإيمان والإسلام والإحسان، من حديث أبي هريرة.
[3]- [المجادلة:11]
[4]- [الأنعام:132]
[5]- [الإسراء:21]
[6] - أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ( 2847 ) وقال: أخرجه الديلمي عن سهل ابن سعد، وله عن أنس الناس مستوون كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله.