المسك الأذفر في توجيه ما انفرد به الإمام أبو جعفر(2)

الحمد لله وحده صلى الله على نبيه وسلم
* قوله تعالى: (لِلْمَلَٰٓئِكَةُ اِ۟سْجُدُواْ) قرأ الإمام أبو جعفر بضم التاء من (لِلْمَلَٰٓئِكَةُ) وصلا حيث كان في القرءان الكريم، والوجْهُ أنه قدر الوقف على التاء، فلما لقيتها همزة الوصل حُذفت، وجُعلت التاء تبعا لضمة الجيم، والسينُ بينهما ساكنة، وذلك حاجز غير حصين، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف (1).
ويكاد يجمع أهل العلم باللسان على أنها قراءة ضعيفة جدا، وعليه ما حُكي عن امرأة من العرب رأت بنات لها يحدثن رجلا أجنبيا عنهن، فقالت: "أَفِي السَّوَتَنْتُنَّهْ"، أرادت: "أَفِي السَّوْأَةِ أَنْتُنَّهْ"، فحذفت الهمزة من "السَّوْأَةِ" تخفيفا، وألقت حركتها على الواو فانفتحت الواو، وألقت حركة الهمزة في "أَنْتُنَّهْ" على كسرة التاء من السوءة فانفتحت، وحذفت همزة "أَنْتُنَّهْ"، فصارت: "أَفِي السَّوَتَنْتُنَّهْ"(1).
وحملها بعضٌ على أن الراويَ لم يضبط على القارئ؛ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء، ولم يدرك الراوي هذه الإشارة. وعَدَّ هذا الحمْلَ من أحسن ما تُحمل عليه هذه القراءة(3).
وذكر ابن حيان أنها لغة أزد شنوءة، ثم قال: «وإذا كان ذلك في لغة ضعيفة، وقد نُقل أنها لغة أزد شنوءة، فلا ينبغي أن يُخطأ القارئ بها ولا يغلط، والقارئ بها أبو جعفر، أحد القراء المشاهير الذين أخذوا القرءان عرضا عن عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة، وهو شيخ نافع بن أبي نعيم؛ أحد القراء السبعة، وقد علل ضم التاء لشبهها بألف الوصل، ووجه الشبه أن الهمزة تسقط في الدرج لكونها ليست بأصل، والتاء في "الملائكة" تسقط أيضا؛ لأنها ليست بأصل، ألا تراهم قالوا: الملائك!؟ وقيل: ضمت لأن العرب تكره الضمة بعد الكسرة لثقلها»(4).
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إعراب القراءات الشواذ: 1/147.
(2) ينظر الخصائص: 3/144، والمحتسب: 1/71 وما بعدها.
(3) التبيان في إعراب القرءان: 1/51.
(4) البحر المحيط: 1/246.