مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

(أبو عبد الله الشَّبِيهي (ت1318هـ

أبو عبد الله محمد الفضيل بن محمد الفاطمي الشبيهي الجوطي الإدريسي الحسني، سليل الأسرة الشبيهية، ينتهي نسبه إلى المولى إدريس الأول. من بيت شهير بالعلم والفضل، تخرج منه الفقهاء والخطباء والقضاة.

مولده في النصف الثاني من العقد الخامس من القرن الهجري الثالث عشر، وهذا مأخوذ من قول ابن زيدان: إن ولادة أخي المترجم أحمد بن الفاطمي الشبيهي كانت قبل ولادة الفضيل بثلاثة أعوام، وذلك أواسط العشرة الخامسة من المائة الثالثة بعد الألف.

نشأ الفضيل في كنف والديه بمدنية زرهون، ثم توفي والده وتركه طفلا صغيرا في حدود العشر، ثم رحلت به أمُّه السيدة رقية بنت الفضيل المنوني مع أخيه أحمد إلى مدينة مكناس، وكان من عناية السلطان عبدالرحمن بن هشام أن أصدر ظهيرَ إنعام على الأمّ وولديْها الصغيرين بالسكنى بدار حبس الزاوية الإدريسية الكائنة بالتوتة من مكناسة الزيتون، وذلك في السادس من شعبان الأبرك عام 1258هـ.

ووجد أبو عبد الله الشبيهي في مكناس المرتع الخصب، والمنبع الصافي الذي تهفو إليه نفس طالب العلم، فتوجه إلى الأخذ عن شيوخ العلم بها في ذلك الوقت، منهم: أبو العباس أحمد بن محمد المَرْنِيسي (ت1277هـ)، أخذ عنه التفسير والشمائل والشفا وصحيح الإمام البخاري وجمع الجوامع ومقدمة السنوسي والنحو، وأبو عبد الله محمد بن حمدون السلمي الفاسي (ت1274هـ)؛ أخذ عنه صحيح الإمام البخاري، وشيخ الجماعة أبو العباس أحمد بن أحمد بناني (ت1306هـ)، أخذ عنه الحديث، والداودي بن العربي الحسني التلمساني، وهو عمدته في الفقه، أخذ عنه المختصر الخليلي، ومن شيوخه أيضا: محمد بن عبد الرحمن الحَجَرتي (1275هـ)،  والطالب بن حمدون السلمي (1273هـ)، والحاج محمد بن محمد الأكحل المقري المدعو الزمخشري (1285هـ)، وعبد السلام بن الطائع بوغالب (1290هـ)، والمهدي بن الطالب بن سودة (1294هـ)، وغيرهم.

وهكذا نوّع المترجَم في تحصيله العلمي وجمع بين فنون شتى، من تفسير وحديث وفقه وسيرة ولغة، وكان لهذا الآثر الواضح على شخصيته، وجعله يتصدر أهل عصره، فتأهل للإمامة والخطابة بالمسجد الأعظم بالزاوية الإدريسية منذ عهد السلطان محمد الرابع، وعيّن مكلفا بقبض الإعانات المعينة من أحباس زرهون، وذلك من عهد السلطان المذكور، وقام  ببث العلم ونشره في الزاوية المشار إليها آنفا، واستمر على ذلك إلى حين وفاته، وكان من تلامذته الذين أفادوا من علمه: أخوه أبو عبد الله أحمد الشبيهي(1324هـ)، وابنه الفاطمي بن محمد الفضيل الشبيهي (1334هـ)، وقد تولى الإمامة والخطابة بعد والده، وقاضي زرهون أحمد بن إدريس الخطابي الزرهوني، وقاضي فاس عبد السلام بن عمر العلوي المدغري (ت1350هـ)، والعلامة الأقعد محمد بن أحمد بن إدريس العلوي الإسماعيلي(ت1367هـ)، والمحدث المُسنِد الشيخ محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني الحسني(ت1382هـ).

أوفى العلماء المترجم حقّه في الثناء عليه والإشادة بعلمه، فقد وصفه تلميذه الشيخ عبد الحي الكتاني بالمحدِّث العلامة الوجيه الخطيب، وعدّه من مفاخر المتأخرين.

وقال فيه العلامة عبد الرحمن ابن زيدان: ((إمام المعقول والمنقول، وفارس ميدان الفروع والأصول، ثَبْت نحرير، محرر نقّاد، بحّاث مطلع، صدر محقق، ماهر درَّاكة كامل، محدث حافظ لافظ متقن، مفتٍ نوازلي، ذو ملكة كاملة، واتساع عارضة، ومهارة زائدة، ودين متين، وجاه ووجاهة، وشرف نفس وتؤدة، وحسن سمت وهيبة ووقار، وأبهة وجلال وفخار، ورياسة وكياسة وسياسة، وشيبة منورة، خطيب بليغ مصقع متفنن…)).

ومن مفاخر العلامة الشبيهي التي تشهد له بالرسوخ، وترفع درجته في صف العلماء وكبار الشيوخ، كتابه الموسوم بـ((الفجر الساطع على شرح الجامع الصحيح))، الذي شرح فيه صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري، وقد كان له اعتناء به نسخا وتدريسا؛ فقد نسخ ـ رحمه الله ـ منه ومن صحيح الإمام مسلم نسختين وبذل المجهود في تصحيحهما ومقابلتهما على الأصول المعوّل عليها في المغرب فكانتا عديمتي النظير، ولاسيما نسخة البخاري، فإنها ـ كما قال ابن زيدان وكانت مكتبته تحتفظ بنسخة منه في ست مجلدات ـ لا تعزز بثان. وأما التدريس فكان المترجم يسرد الصحيح الجامع في الأشهر الحرم الثلاثة ويقرر غوامضه ويوضح مشكله ويطبق أصوله على فروع المالكية، فأتى فيه بالزبدة والمحصول، وقد وصف الشيخ عبد الحي الكتاني هذا الشرح ـ وهو يزعم أنه متفرد بروايته في عصره عن مؤلفه ـ بأنه أعلى ما كتبه المتأخرون على الصحيح مطلقا، والكتاب مطبوع في  17 مجلدا بتحقيق عبد الفتاح الزِّينفي. وللمترجَم أيضا فهرسة يرويها عنه الشيخ عبد الحي الكتاني.

توفي أبو عبد الله الشبيهي ـ رحمه الله ـ ليلة الجمعة عاشر شعبان عام 1318هـ بزواية جدّه المولى إدريس الأكبر بمدينة زرهون، ودفن بالظهير خارج الزاوية المذكورة.

مصادر الترجمة: فهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني(2/929)، وإتحاف أعلام الناس لابن زيدان العلوي (5/518-520)، ومعجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين له(2/244)، وإتحاف المطالع لعبد السلام بن سودة (2/349)، و دليل مؤرخ المغرب الأقصى له (2/362)، وشذى الروائع مقدمة الفجر الساطع على الصحيح الجامع لعبد الفتاح الزّينفي.

إعداد: د. مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق