مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

عبد الواحد الحسنى السجلماسي(ت1003هـ)

هو مفتي الحضرة المراكشية ومدرسها، العلامة، الماجد، الفقيه العالم، الصدر الشهير أبو محمد وأبو مالك عبد الواحد بن أحمد بن الحسن بن المولى علي الشريف الحسني السلجماسي مولدا ونشأة؛ المراكشي نُزُلا ووفاة.

 ولد يوم الأربعاء 12رمضان(933هـ)؛ في أسرة علمية مشهورة بالدين والعلم والصلاح، فقد كان والده الشيخ أبو العباس أحمد حافظا محدثا حَصَل على إجازة شيوخ فاس، فنشأ المترجم في كنف هذا الجو العلمي، إذ أشركه أبوه معه في الأخذ عن الشيوخ والإجازة منهم، وأكد المترجم هذا الدور الأبوي بقوله:«فقد كانت له في تعليمي وحمل العلم عن أهله نية صالحة»، ومن الشيوخ الذين لزمهم منذ حداثة سنّه الشيخ أبو عبد الله محمد بن مهدي الدرعي(ت979هـ) الذي كانت له زاوية تمثل موئل العلماء وطلبة العلم وقتئذ؛  فمَتَحَ من علمه وعمله؛ قال رحمه الله متحدثا بهذه النعمة عليه:«نشأت والحمد لله وأنا ابن سنة ونصف تحت مطارح نظره، وأغناني خُبْره عن خَبَره»، واستمرت ملازمته له إلى أن صار من خلصائه، قرأ عليه كتبا في الحديث والعقائد واللغة والفقه والتصوف، كما درس على كبير طلبة ابن مهدي الشيخ سعيد بن علي الهوزالي السوسي(ت1001هـ) الذي أقام في الزاوية من أجل التعليم إلى حدود(955هـ) ختم عليه القرآن ثلاث ختمات بحرف ورش عن نافع إلى جانب علم القراءات والفقه والحساب، وتردد على فاس فانتفع بشيوخها وأعلامها كالعلامة أبي العباس أحمد بن علي المنجور(ت995هـ)، الذي أخذ عنه علم أصول الدين والفقه والنظر، والشيخ محمد بن مجبر المساري(ت983هـ) درس عليه القراءات وعلم النحو الذي بَذَّ فيه أهل زمانه وقد وصفه بأنه«ترتفع في مجلسه للأبحاث النحوية سوق نافقة»، وأجازه محدث فاس أبو النعيم رضوان بن عبد الله الجَنَوي(ت991هـ)، والعلامة أبو العباس أحمد بن محمد ابن القاضي(ت1025هـ) وهو من تلاميذه، وأجازه من أهل المشرق بواسطة بعض الحجاج الفلاليين الشيخ أبو عمران موسى النشائي الشافعي، والشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي(ت900هـ)، وآخر فقهاء ومسندي بني فهد بمكة الشيخ أبي زيد عبد الرحمن عبد القادر بن فهد الهاشمي(ت995هـ)، وغيرهم من شيوخ العلم بالمغرب والمشرق.

نزل الشيخ مدينة مراكش واتصل بالأمراء السعديين وعمل في بلاطهم منذ المراحل الأولى لتأسيس دولتهم حيث عُين كاتبا عند الوزير محمد بن عبد القادر بن السلطان محمد الشيخ(ت975هـ)، وتولى أيام أحمد المنصور(ت1012هـ) خطة الفتوى كما كان يُنيبه عنه في قضايا المظالم التي كان المنصور يجلس لها بنفسه أيام الجُمَع بعد الصلاة للاستماع إلى شكاوى الناس وإنصافهم، ويكلفه بتحرير بعض المراسلات والوثائق المهمة، وإلى جانب ذلك كان العلامة السجلماسي من الملازمين للتدريس في جامع المواسين بالحضرة المراكشية حتى عُدَّ خاتمة محدثيها؛ بعدما حصّل من فنون العلم والمشاركة فيها ما جعل الطلبة يتهافتون للأخذ عنه، والنهل مما عرف عنه من الصلاح والديانة ومحاسن الأخلاق؛ فكثر الآخذون عنه، إلا أن المصادر لا تذكر من بينهم إلا ولدَيه العالمين البحرين أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد(ت1009هـ)، وأبا العباس أحمد بن عبد الواحد(ت1009هـ)، ومن الآخذين عنه كذلك أبا العباس أحمد بن القاضي(ت1025هـ) الذي أجازه إجازة عامة.

وهذه المكانة العلمية السامقة التي تبوأها السجلماسي لدى علماء عصره  ومن بعدهم جعلتهم يعترفون له بالتفوق ويقرون له بالبراعة كما يستفاد من ثنائهم عليه وتحلياتهم له؛ من ذلك قول تلميذه ابن القاضي:«الفقيه المفتي الأديب المحدث الرحالة مفتي مراكش المحروسة»، ووصفه الحضيكي في طبقاته بالمشاركة في العلوم، وفصاحة القلم واللسان والعلم والعمل والصلاح، وزاد صاحب الإعلام:«صالحا خيرا متوقيا متحرزا في أموره…له قدرة على التصرف في النظم والنثر»، وحلاه العلامة عبد الحي الكتاني بـ«المحدث الرُّحلة الأديب مفتي مراكش».

خلف المترجم مؤلفات تشهد على نبوغه وعلمه منها: فهرسته الحافلة«الإلمام ببعض من لقيته من علماء الإسلام»، وهي مطبوعة، وجمع«ديوان أشعار أهل البيت» اخترمته المنية قبل إتمامه، وهو بخطه في الخزانة الزيدانية بالأسكوريال، و«طرر على ألفية ابن مالك»، منه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط برقم:8338، و«مختصر نكت السيوطي على الألفية»، منه نسخ بالخزانة الحسنية بأرقام:8338، 11830، 13584، وله كذلك حاشية على المرادي على الألفية.

توفي رحمه الله يوم الخميس 25 رجب عام(1003هـ) بمراكش ودفن يوم الجمعة الذي يليه بقبة الأشراف تجاه قبر القاضي عياض عليهم رحمة الله جميعا.

المصادر: الإلمام ببعض من لقيته من علماء الإسلام، ودرة الحجال(3/140)، وطبقات الحضيكي(2/517)، والدرر البهية والجواهر النبوية(1/140)، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام(8/522)، فهرس الفهارس(2/775)، الأعلام للزركلي:(4/175)، معلمة المغرب(10/3433).

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق