
فضائل أبي بكر الصديق لابن جابر الأندلسي الضرير ت780
تقديم واختيار: عبداللطيف السملالي
إن المطالع لكتب الأندلسيين على اختلاف ألوانها، يجد مصنّفيها اهتمّوا اهتماما كبيراً بالصحابة الكرام البررة وآل البيت الأطهار، وأظهروا جميل الثناء عليهم؛ وعظَّموا قدْرهم، وبيَّنوا سُمُوّ منزلتِهم.
وعدَدٌ كبير من علماء الأندلس؛ في عصور مختلفة؛ عكفوا على تأليف كُتُب جامعة لتراجم الصحابة، وأفردوا أجزاء في مناقب وفضائل بعضهم. ومن وَلَع منهم بالأدب وغلب عليه نظم الشعر، جدَّ في إفراغ أحاسيسه الصادقة ومحبته الكبيرة للصحب الكرام، في قصائد بديعة جمعت بين توظيف فني لجوانب من سيرهم وأخبارهم، دلّ على سعة اطلاع الأديب الشاعر على ما احتوته بطون كتب الحديث والسيرة من مناقب وفضائل بعض الصحابة، وبين شعر ذي ألفاظ جزلة وعبارات سهلة، لهما وقعهما في نفس المتلقي .
ومن أجلِّ الشعراء الأندلسيين الذين أبدعوا قصائد في مدح الصحابة؛ وآل البيت؛ العلامة الأديب ابن جابر الأندلسي الضرير(ت780هـ)، جادت قريحته بقصيدة مميزة في فضائل العشرة الكرام من الصحابة الأبرار، ومناقب بعض أهل البيت الأطهار، وقد انتخبت منها في هذا المقام، ما يتعلق بذكر مزايا؛ وفضائل؛ وجملة من مناقب أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، أفضل من صحب النبي، صلى الله عليه وسلم، و رفيقه في الهجرة، وثانيه في الغار، وصهره على بنته عائشة رضي الله عنها، وأول الخلفاء الراشدين الذين أبلوا البلاء الحسن في تثبيت أسس الدين، ومبادرته القيمة في حفظ القرآن الكريم من خلال جمعه في الصحف، وجهوده في نصرة الإسلام، تجلت في الفتوحات التي تمت في خلافته. و فيما يلي النص المقتطف من قصيدة ابن جابر الأندلسي[1]:
فمِنْهُم أبُو بَكْر خليفتُه الَّذِي *** لهُ الفضْلُ والتَّقديمُ في كلِّ مشهدِ
وصدِّيقُ هذِي الأمَّةِ والمُؤْثِرُ الَّذي *** لإنْفاقِه للْمالِ فِي اللهِ قدْ هُدِي
وصِهْرُ رَسولِ الله، وابْنتُهُ الّتِي *** يُبَرِّئُها نَصُّ الكِتَابِ المُمَجَّدِ
وَصَاحِبُه في الغَارِ إِذْ قَالَ لاَ تَخَفْ *** فَثَالِثُنا ذُو العرْشِ أوْثقُ مُنْجِدِ
وَسدَّ عَلى المُخْتارِ مَخْرَجَ حَيَّةٍ *** هُناكَ بِرجْلٍ منه فازتْ بِأَسْعَدِ
وفِيه وفِي خيْرِ الأَنامِ تسَامَعُوا *** بِمَكَّةَ صَوتَ الهَاتِف المُتقصِّدِ
" جزَى الله ربّ النّاسِ خيْرَ جَزائِهِ *** رَفِيقَيْن حلاّ خَيْمَتيْ أُمِّ مَعْبَدِ "
وعِتْقُ بِلالٍ حَسْبُه، فَهو سَيِّدٌ *** تأثَّلَ في الإسْلامِ، إِعْتاقُ سَيّدِ
وقالَ رسولُ اللهِ إنّ أمَنَّكم *** عَلَيَّ أبو بكْرٍ وَأَوْفَى بِمَوْعدِ
فصَدَّقَ إِذْ كَذّبْتُمُ، وأطاعَ إِذْ *** عَصَيْتُمْ، وَوَافَانِي مُوَافاةَ مُسْعِدِ
وَلَوْ أَنَّنِي مِنْ أمَّتِي كنْتُ آخِذاً *** خَلِيلاً تَوَلَّى خُلَّتي وتَوَدُّدِي
لَكَانَ أبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أخوّةٌ *** فِي الاِسْلامِ مهْمَا تنْقصِ الناسُ تَزْددِ
فلمّا أرادَ اللهَ قبْضَ نَبِيِّه *** وَصَارَ إِلَى دَارِ النَّعِيمِ المُخَلَّدِ
تقدَّم في نيْلِ الخِلافَةِ بَعْدهُ *** بإجماعِهمْ لا بِالحُسَامِ المُهَنَّدِ
وقدْ فَارقتْ يومَ السَّقيفَةِ فِرقةٌ *** فلمَّا رأَتْه الحقَّ لمْ تَتردَّدِ
وَقَام عَلِيٌّ بَعْدَ ذَاك مُبَايِعاً *** فأثْنَى ثَنَاءَ المُخْلِصِ المُتَوَدِّدِ
وَأَظْهَر عُذْراً فِي تَأَنِّيهِ صَادِقاً *** وَبَايَعَ طَوْعاً لا لِفقْدانِ مُسنِدِ
فآبَ بِحَمْدٍ منْهُمُ غيْر قَاصِرٍ *** ومَنْ يَتْبَعِ الإِنْصَافَ وَالحَقَّ يُحْمَدِ
ومَا أشْبَهَ الصِّدِّيقَ فِي الفَضْلِ مُشْبِهٌ *** ولا أُحْصِيَتْ أَوْصَافُهُ بِتَعَدُّدِ
[1] ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. المقري. تحقيق: إحسان عباس. 7/359-360. شعر ابن جابر الأندلسي. صنعة: أحمد فوزي الهيب. 44-45.