مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

وجوه الترجيحات(4)

 

يقول الإمام الحافظ أبو بكر بن حازم الهمذاني (ت584هـ) مُبيناً وجوه الترجيح:

 

الوجه الثاني عشر في الترجيحات أن يكون أحد الحديثين سمعه الراوي من مشايخ بلده والثاني سمعه من الغرباء فيرجح الأول؛ لأن أهل كل بلد لهم اصطلاح في كيفية الأخد من التشدد والتساهل وغير ذلك، والشخص أعرف باصطلاح أهل بلده، ولهذا اعتبر أئمة النقل حديث إسماعيل بن عياش، فما وجدوه من الشاميين احتجوا به، وما كان من الحجازيين والكوفيين وغيرهم لم يلتفتوا إليه؛ لما يوجد في حديثه من النكارة إذا رواه عن الغرباء.

 

الوجه الثالث عشر أن يكون أحد الحديثين له مخارج عدة والحديث الثاني لا يعرف له سوى مخرج واحد وإن كان قد رواه نفر ذوو عدد، فيكون المصير إلى الأول أولى؛ لأن الحكم الواحد إذا عمل به في بلدان شتى يكون أقوى من الحكم المعمول به في بلد واحد وإن كان عدد هؤلاء أكثر.

 

الوجه الرابع عشر أن يكون إسناد أحد الحديثين حجازيا وإسناد الآخر عراقيا أو شاميا سيما إذا كان الحديث مدني المخرج، لأنها دار الهجرة ومجمع المهاجرين والأنصار والحديث إذا شاع عندهم وذاع وتلقوه بالقبول متن وقوي، ولهذا قدمنا صاعهم على صاع غيرهم؛ لأنهم شاهدوا الوحي والتنزيل وفيهم استقرت الشريعة وكان الشافعي رضي الله عنه يقول: كل حديث لا يوجد له أصل في حديث الحجازيين واهٍ وإن تداولته الثقات.

 

الوجه الخامس عشر أن يكون أحد الحديثين رواه أهل بلد ليس التدليس من صناعتهم، والثاني رواه من يرى التدليس، فيكون الأول أولى بالاعتبار؛ لما في التدليس من ركوب الخطر. ومن لا يرى بالتدليس بأسا وهو فاشٍ عندهم أهلُ الكوفة جميعُهم وبعضُ البصريين.

 

الوجه السادس عشر أن يكون كلا الحديثين عراقي الإسناد، غير أن أحدهما معنعن، والثاني مصرح فيه بالألفاظ التي تدل على الاتصال، نحو: سمعت، وحدثنا، فيرجح القسم الثاني لاحتمال التدليس في العنعنة إذ هو عندهم غير مستنكر، وكان شعبة يقول كنت إذا حضرت مجلس قتادة لمحت حديثه، فما قال فيه: سمعت وأخبرنا وحدثنا كتبته، وما قال فيه: عن، طرحته.

 

كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار،

الصفحة: 12-13.

الطبعة الثانية،

 مطبعة دائرة المعارف العثمانية،

حيدر آباد، 1359هـ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق