الرابطة المحمدية للعلماء

ندوة لمؤسسة “أبو بكر القادري” في موضوع “الهُوية والمواطنة”

نحو التأسيس لحوار “الهُويات المتساكِنة” من أجل إقامة مجتمع تحكمه مبادئ الوطنية

احتضنت المكتبة الوطنية للمملكة زوال الأربعاء 28 أبريل الجاري، أولى أنشطة مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة، من خلال تنظيم ندوة فكرية في موضوع “الهوية والمواطنة، وعرفت مشاركة الأساتذة إبراهيم بوطالب، وأحمد بوكوس، وعبد السلام الشدادي.

واعتبرت الورقة التأطيرية للندوة الفكرية التي عرفت حضور العديد من النخب الثقافية والسياسية في المغرب، وتقدمها المقاوم والمفكر الأستاذ أبو بكر القادري، إضافة إلى عبد الواحد الراضي الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ونزار بركة عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن أسباب تنظيم الندوة ترتبط بقلاقل جدلية الهوية والمواطنة وتحليلها، كالتهديد الذي بات يمثله زحف العولمة الداعية إلى تكسير القيم الثقافية والفنية للمكونات اللغوية والفكرية والأخلاقية للهويات الوطنية، معتبرة أنه من بين الأسباب الأخرى، اهتمام السلف بالهوية الصحيحة وقيم المواطنة السليمة ودعوته إلى حوار الهويات المتساكنة رغبة في إقامة مجتمع تحكمه قواعد المواطنة ومبادئ الوطنية، وما يقتضي ذلك من معرفة بالآخر واعترافا به في إطار التعدد الخصب والاختلاف البناء.

وبداية، تدخل أستاذ التاريخ والمؤرخ إبراهيم بوطالب، إن الهوية تقوم على أربع مرتكزات هي الوطن الذي هو المغرب المبني على الانفتاح، والشعب الذي بني على الاختلاف من أجل الائتلاف، والتاريخ الذي يمتد إلى أزيد من 12 قرنا، ثم المصير أو المستقبل ويتحمل الشعب مسؤوليته ومسؤولية النتائج التي ستتمخض عنه، معتبرا أن التفاعل بين هذه المكونات هو الذي يفرز مدة قوة الأداء الحضاري للدولة المعنية، فكلما كان المغرب مسيطرا مثلا على امتداداته الأطلسية والصحراوية، كلما كان قويا، والعكس، يضيف بوطالب في مداخلة جاءت تقريبا بشكل ارتجالي.

وبخصوص مفهوم المواطنة، فاعتبر المتدخل الذي توقف كثيرا عن أهمية الاعتزاز بالمكتسبات الحضارية التي حققها المغرب اليوم، أنها سلوك يقوم على حب الوطن، وهي أيضا عقيدة وعروة وثقى تفرض مجموعة من الواجبات، وتربية الأجيال الصاعدة على الموطنة والتعلق بالوطن، ومسؤولية تتجسد أساسا في المشاركة في بناء الديمقراطية، بما يخول له الحديث عن كون مجرد تعاقد اجتماعي، مضيفا أنه فيماي تعلق بالشق الخاص بالعقيدة، تتحمّل الدولة مسؤولية جسيمة في الحفاظ عليها، “كلنا مسؤولون”، يضيف المؤرخ إبراهيم بوطالب بنبرة غنية بالغيرة والاعتزاز بمقومات الهوية المغربية.

من جهته، تناول أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، الموضوع من زاوية موقع الأمازيغية، مبرزا أن الخوض فيه يستلزم كثيرا من الاحتراز، خاصة وأن توظيف مفهومي الهوية والمواطنة يأخذ تلوينات تتغير والسياق العام، وأن معالجة هذا الموضوع تتطلب طرح العلاقة القائمة بينهما.

وأضاف أن انفتاح الوطن على العولمة لا ينبغي أن يترتب عنه إقصاء المحلية والجهوية، اللتين يتوجب عليهما، أيضا بالمقابل، عدم إقصاء البعدين الوطني والكوني، مشددا على أن الهوية المغربية، المتعددة الروافد والمطبوعة بالتنوع، بناء متراص ودائم ومنفتح، وهي ذات صلة بالمجالين الجغرافي والتاريخي، وراسخة بثوابتها.

وأضاف بوكوس أيضا، أنه يجب التعامل مع مفهوم وبالتالي واقع الهوية على أساس أن الهوية المواطنية المنشودة، تبقى متواصلة ودائمة، وليس قارة وثابتة، داعيا إلى التأسيس لميثاق هوياتي جديد، بناء على المكتسبات الكبيرة الموجودة اليوم، وبناء خصوصا، من وجهة نظره، على مقومات المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يرفعه جلالة الملك محمد السادس، وهو المشروع الذي يروم تأسيس علاقة تعاقدية بين مجتمع منظم ودولة المؤسسات في خدمة المواطن والمواطنة، ومن هنا أهمية الحديث عن “ميثاق المواطنة” يضيف بوكوس.

واختتمت مداخلات الندوة بمحاضرة ألقاها الباحث والأستاذ الجامعي عبد السلام الشدادي، في موضوع الهوية والمواطنة والأبعاد المرتبطة بهما، موضحا أنه يمكن تناولهما من جوانب متعددة، منها صيرورة هذين المفهومين في إطار التحولات التي يشهدها العالم حاليا، وهي جذرية وجديدة ومهمة، لاسيما في ما يتعلق بتحقيق المجتمع المعرفي، وكذا من خلال التغيرات التي حصلت بالمغرب في خمسينيات القرن الماضي ووصلت أوجها في العقد الأخير، كما اجتهد المحاضر في تقديم بعض الخطوط العامة للإشكالية الراهنة ومنها التحديات المطروحة في إطار العولمة، والمعطيات المتوفرة في ميادين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة العالمية التي تعطي مفهومي الهوية والمواطنة صبغة جديدة وملحة، مبرزا أن هناك ارتباطا متبادلا بين الهوية والمواطنة، وأنه لابد من تقوية الهوية على أساس بناء المواطنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق