الرابطة المحمدية للعلماء

معالم المنهج النقدي وخصائصه في القرآن الكريم: أصوله وضوابطه

د. أحمد عبادي: التصديق والهيمنة من
مكونات المنهج النقدي في القرآن الكريم

اختتمت مساء يوم الخميس 26 يونيو 2008 م، أشغال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها شعبة
الدراسات الإسلامية، ومركز دراسات المعرفة والحضارة بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال ـ المغرب، بالتعاون مع الرابطة
المحمدية للعلماء، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والمجلس العلمي المحلي، في
موضوع: “المنهج النقدي في القرآن الكريم والمراجعات الفكرية للتراث الإسلامي”،
والتي ستستمر على مدى ثلاثة أيام 24ـ25ـ26 يونيو 2008 م. وذلك بمشاركة ما يزيد عن
أربعين باحثا، من داخل المغرب وخارجه. 

 وقد تم خلالها
مدارسة علمية لمجموعة من القضايا؛ منهجية، وفكرية، وحضارية، من أجل وضع اليد على
أبرز مواطن الاختلال، وتقديم المقترحات العلاجية، ومحاولة استخراج المنهج القرآني
النقدي الذي به نخل القرآن المجيد تراث ما قبله في شمولية واستيعاب، وفي حجاج
برهاني دامغ، وفي واقعية إنسانية…

ولا
شك أن القرآن المجيد باعتباره رسالة ختم سماوية وكتاب هيمنة
وتصديق، قد اشتمل على صور عديدة من المحاورات والمجادلات لأهل الملل والمحل
المغايرة. وقدم  ذلك كله في سياقات
حجاجية  برهانية متماسكة، مما لا يدع مجالا
للشك في أنه الكتاب الوحيد الذي أحدث ـ ومايزال ـ أكبر مراجعة ملية وفكرية للتراث
البشري السابق عليه. 

 لكن التراث الذي
تأسس حول النص القرآني ومعه النص الحديثي، منذ عصر التدوين خصوصا إلى عصرنا هذا،
قد تضخم وتشعب وطرأت عليه في كثير من الأحيان أشكال مضرة بتوجيهات النص ذاته،
بغاياته ومقاصده عقيدة وشريعة، وفي أحكامه العلمية والعملية، مما حجب نوره الذي
تناغم مع البداهة الأولى ورافق صورتها، وعطل دوره في إرشاد العقل المسلم وتسديده
في البناء الذاتي والكوني على حد سواء.

لا يخفى كذلك أن هنالك دراسات وقراءات رصدت لمعالجة هذه
الآفات التي عانت وتعاني منها الأمة على امتداد قرون طويلة من الزمان، وفي مناخ
مختلفة من مجالات وجودها( فكريا وسياسيا وحضاريا… الخ). لكنها في معظمها لم
تستطع أن تضع اليد على أبرز مواطن الاختلال، وأن تقدم من المقترحات العلاجية ما
يحقق مناط النهوض على النحو الأكمل. وذلك لقصور في التصور أو المنهج أو في التناول
أو لأسباب أخرى، كالتوسل بمناهج مغايرة، أو التحيز الفكري والمذهبي أو غير ذلك.
يصدق هذا على المراجعات الفكرية التاريخية وعلى المراجعات الفكرية الحديثة
والمعاصرة، مع استثناءات قليلة لم تكن جهودها كافية لإحداث التأثير والاستئناف
البنائي المطلوب.

إننا نعتقد أن من أسباب هذا القصور سبب رئيس ومهم، وهو
عدم استخراج المنهج القرآني النقدي الذي به نخل القرآن المجيد تراث ما قبله في
شمولية واستيعاب وفي حجاج برهاني دامغ، وفي واقعية إنسانية، وفي كل ما يمكن
استخلاصه من معالم وخصائص لهذا المنهج، وفي عدم تطبيقه في نخل التراث  الذي جاء بعده؛ لأنه لا يمكن أن يصدق ويهيمن
بحق إلا خطاب مفارق يتجاوز نسبية وقصور المقاربات والمراجعات البشرية المتحيزة
مهما تسلحت بالموضوعية، ويحقق أعلى قدر ممكن من الحق والعدل والفاعلية والوحدة،
وكل مسوغات الوجود والشهود في الأمة.

من أجل مدارسة علمية لهذه القضايا، كان اقتراح هذه
الندوة من ” مركز دراسات المعرفة والحضارة” التي دارت أشغالها عبر ثماني
جلسات علمية، تتوزعها محاور خمسة أساسية، وهي:

ـ
المحور الأول: معالم المنهج النقدي وخصائصه في القرآن الكريم: أصوله وضوابطه.

ـ
المحور الثاني: المراجعات النقدية في العقيدة وأصول الدين.

ـ
المحور الثالث: المراجعات النقدية في التفسير وعلوم القرآن.

ـ
المحور الرابع: المراجعات النقدية في الفقه وأصوله.

ـ
المحور الخامس: المراجعات النقدية في علم التربية والأخلاق. 

يحاول المحور الأول من خلال رحلات استكشافية في مكنون
القرآن المجيد استخلاص ما أمكن من معالم هذا المنهج وخصائصه، دون الإخلال بشرط
الوحدة البنائية والنسقية للكتاب الكريم. وتحاول المحاور الأخرى رصد بعض المراجعات
النقدية القديمة أو الحديثة للتراث الإسلامي في العلوم المذكورة مستدركة على جوانب
النقص والقصور فيها، محاولة ربطها بأصل انبثاقها الأول قرآنا وسنة، ومنهج للهيمنة
والتصديق فيهما، والاستجابة للتحديات القائمة أمام الأمة كذات علمية وثقافية
وأخلاقية.

وقد عرف اليوم الثاني من أشغال الندوة إلقاء درس افتتاحي
للأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الدكتور أحمد عبادي، تحت عنوان: التصديق
والهيمنة مكونات المنهج النقدي للقرآن الكريم.

وقبل الحديث عن المنهج النقدي للقرآن الكريم، قدم
الدكتور عبادي، بين يدي محاضرته، ضبطا مصطلحيا من أجل إبراز التمايز الذي يراد من
هذا المنهج القرآني الاستثنائي. وذكر أن مدخل التصديق والهيمنة آية في غاية الجمال
لم تعط حقها ومستحقها من البحث والدراسة. وبعد أن بين المراد بالتصديق القرآني،
انتقل الدكتور عبادي إلى الحديث عن الآليات التي تجعل من الهيمنة القرآنية مسألة
علمية ومنهجية. ولبناء هذه المنهجية القرآنية حدد خمسة شروط يعضد ويتمم، ويكمل
بعضها بعضا، وهي:

1ـ التأكيد على أهمية الأساس الاعتقادي، ذلك أن القرآن
الكريم هو كلام الله عز وجل( ما فرطنا في الكتاب من شيء).

2ـ وجوب النظر إلى القرآن الكريم باعتباره بناء، له
وحدته البنائية التي تميزه عن غيره من الكتب، وكل حرف من حروفه فيه النور والهدى
والرشاد.

3ـ  ضرورة التتبع
العلمي والاستقصاء الكلي للمصطلحات القرآنية، مع مراعاة السياقات التي ترد فيها،
لما لهذه الخطوة من دور كبير في فهم المفردة القرآنية.

4ـ ضبط المنطلقات، بتحديد القضايا المبحوث عنها، وتفصيل
ذلك أنك حين تدخل إلى القرآن الكريم، وتبحث عن قضية الهيمنة وكيفية حدوثها، لا بد
من استحضار المرافقات والمحتوشات التي تحيط بالكلمة، وما لها من ضمائم ونظائر. أضف
إلى ذلك ضرورة وضوح الرؤية التي تريد أن تستنطق بها القرآن. مع استحضار النماذج
المعرفية، أو الأنساق القياسية، والأطر المرجعية التي ينطلق منها أي باحث في كتاب
الله.

5ـ استثمار المقومات والكفاءات والأبعاد التي يتميز بها
الإنسان أثناء تعامله مع القرآن الكريم.

وفي ختام درسه الافتتاحي أكد الدكتور عبادي أن
الانفتاح على هموم العالمين، واستحضار الإنسان لإنسانيته سوف يساعد كثيرا على تلقي
وفهم مفهوم الهيمنة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق