مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

قال القاضي أبو الفضل عياض رضي الله تعالى عنه:

        
        “الالتفات إلى مأخذ الجميع في فقههم، ونظرهم على الجملة في علمهم، إذ تخصيصه في آحاد النوازل وشعب الوقائع لا يدرك صوابه إلا المشتغل بالعلم وتبيين ذلك لغيره يطول، ولا يدرك إلا في أمد تنقضي فيه الأعمار وتمر السنون، وحسب المبتدىء أن يلوح له بتلويح يفهمه اللبيب ويقضي منه بترجيح مصيب، وهو أنا قد ذكرنا خصال الاجتهاد ثم مآخذه. وترتيبه على ما يوجبه الفعل ويشهد له الشرع.

         تقديم كتاب الله على ترتيب وضوح أدلته، من نصوصه، ثم ظواهره، ثم مفهوماته. ثم كذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترتيب متواترها ومشهورها، ثم ترتيب نصوصها وظواهرها ومفهومها على ما تقدم في الكتاب ثم الإجماع عند عدم الكتاب ومتواتر السنة، وبعد ذلك – عند عدم هذه الأصول- القياس عليهما والاستنباط منهما إذ كتاب الله مقطوع به، وكذلك ما تواتر من سنة نبيه، وكذلك النص مقطوع به فوجب تقديم ذلك كله، ثم الظواهر ثم المفهوم منها لدخول الاحتمال في معناها، ثم أخبار الآحاد يجب العمل بها والرجوع عند عدم الكتاب والتواتر لها، وهي مقدمة على القياس لإجماع الصحابة على الأصلين وتركهم في نظر أنفسهم متى بلغهم خبر ثقة عن النبي وامتثالهم مقتضاه دون خلال منهم في ذلك، ثم القياس آخرا.

        إذ إنما يلجأ إليه عند عدم هذه الأصول في النازلة، فيستنبط من دليلها، ويعتبر الأشياء منها على ما مضى عليه عمل الصحابة ومن بعدهم من السلف المرضيين وعلم من مذهبهم أجمعين، وأنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة وتقرير مآخذهم في الفقه والاجتهاد في الشرع وجدت مالكاً رحمه الله تعالى ناهجاً في هذه الأصول منهاجا، مرتباً لها مراتبها ومدارجها، مقدماً كتاب الله ومرتباً له على الآثار، ثم مقدماً على القياس والاعتبار، تاركاً منها لما لم يتحمله عنده الثقات العارفون بما تحملوه، أو ما وجد الجمهور الجم الغفير من أهل المدينة قد عملوا بغيره وخالفوه، ولا يلتفت إلى من تأول عليه بظنه في هذا الوجه سوء التأويل، وقوله ما لا يقوله بل يصرح أنه من الأباطيل، ثم كان من وقوفه عن المشكلات وتحريه عن الكلام في المعوصات، ما سلك به سبيل السلف الصالحين وكان يرجح الاتباع، ويكره الابتداع، والخروج عن سنن الماضين”.

    ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض،    تحقيق: د. علي عمر، الطبعة الأولى 1430هـ- 2009، دار الأمان، 1/78.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق