مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

عناية المغاربة بعقيدة ابن أبي زيد القيرواني(1):

 

ذ. عبد الرحيم السوني:

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.

حظيت رسالة ابن أبي زيد القيرواني ـ منذ أن ألفت إلى اليوم ـ باهتمام بالغ وبعناية فائقة من لدن عامة المسلمين، يشهد لذلك الانتشار الواسع الذي عرفته في عدد من الأقطار الإسلامية منذ زمن صاحبها، فقد بلغت في وقته بلاد “العراق، واليمن، والحجاز، والشام، ومصر، وبلاد النوبة، وصقلية، وجميع بلاد إفريقيا، والأندلس، والمغرب، وبلاد السودان”، [معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، لابن ناجي، ج3، ص: 111]،فصاحبها بمجرد أن ألفها بعث بنسخة منها إلى الشيخ أبي بكر الأبهري ببغداد إمام المدرسة المالكية في العراق، الذي أظهر فرحه بها فـ”أشاع خبرها بين الناس، وأثنى عليها وعلى مؤلفها، وأمر ببيعها ليحسن بثمنها إلى الواصل بها، فبيعت بمائتي دينار فقال: لا تباع إلا وزنا بوزن. ففعل ذلك. فجاء وزنها ثلاثمائة دينار ونيفا” [اصطلاح المذهب عند المالكية، ص: 244]. وألف كتابا حول إسناد مسائلها سماه “مسلك الجلالة في مسند الرسالة”، فكان بذلك أول من اهتم بالرسالة من حيث التأليف عليها. ومن أول الشروح التي أقيمت عليها شرح تلميذ ابن أبي زيد القيرواني الشيخ أبو بكر محمد بن موهب القبري أو المقبري (ت406هـ) وهو مفقود، [انظر: شرح جسوس على توحيد الرسالة، تحقيق إحسان النقوطي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب، ج 1، ص: 16] ويأتي بعده شرح القاضي عبد الوهاب (ت422هـ)؛ وقد طبع هذا الشرح بقسميه العقدي والفقهي، ثم بعد ذلك توالت الشروح عليها وتناقلها الناس بالعناية والاهتمام، وقد أنشئت حولها كثير من البيانات والتوضيحات والتقييدات من قِبل علماء العديد من الأقطار خاصة القطر القيرواني والمصري والمغربي، وتناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، وتدارسوها، ووضعوا عليها الشروح تلو الأخرى، وهذا راجع أساسا إلى ما تميزت به من تبسيط لمسائل الدين في أصوله وفروعه، وتقريبٍ لمضامينه بأسلوب ميسر صالح للانتفاع به من قبل الجميع،  وهي كما يقول عنها الشيخ زروق قد: “اعتنى بها الأوائل والأواخر، وانتفع بها أهل الباطن والظاهر، حتى صارت بحيث يهتدي بها الطالب المبتدئ ولا يستغني عنها الراغب المقتدي، ولم يزل الناس يشرحونها على مر السنين والدهور، والعلماء يتداولونها ويتأولون ما فيها من مشكل الأمور، نحوا من خمسمائة سنة، ولم تنقص لها حرمة، ولا طعن فيها عالم معتبر في الأمة” [شرح الرسالة للشيخ زروق، دار الكتب العلمية، 2006م، ص: 9]، وهي عبارة عن مختصر في الفقه المالكي ابتدأها صاحبها بمقدمة مختصرة في علم التوحيد، وكان تأليفها بناء على طلب من شيخ ابن أبي زيد الشيخ محرز بن خلف على المشهور، وبهذا الشأن يقول ابن أبي زيد القيرواني في متن رسالته قاصدا هذا الشيخ: “فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة،مما تنطق به الألسنة،وتعتقده القلوب،وتعمله الجوارح…”، إلى أن قال: “وقد فرض الله سبحانه وتعالى على القلب عملا من الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات. وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره بابا بابا،ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى”. [معالم الإيمان، لابن ناجي، 3/111ـ112]،وبهذا يُعلم أن الرسالة قد اهتمت بجانبين؛ جانب العقيدة، وجانب الفقه؛ فأما الجانب الأول فقد خصص له ابن أبي زيد بابا كاملا سماه: “باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات”، بيّن فيه ما يجب على المكلف معرفته من علم التوحيد بالضرورة، وقد استهل به رسالته ليُعلم أن التوحيد مقدم على جانب الأعمال الظاهرة التي اختص بها علم الفقه، وليعلم أيضا أنه متقدم عليه في الوجوب. أما ما يتعلق بالجانب الثاني وهو الجانب الفقهي فهو القسم الأكبر في متن الرسالة، وقد اشتمل على مختلف أبواب الفقه، قسمها ابن أبي زيد إلى أربعة وأربعين بابا عدا الباب المتعلق بالعقائد.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق