مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

حضور النية يصير المباح مكرمة

للعلامة محمد بن يوسف بن أبي القاسم
العبدري المعروف بالمواق (ت 897هـ)

قال القاضي عياض عن مالك عن مالك أنه قال: لو علمت أن أن قلبي يصلح بالجلوس على كناسة لجلست عليها، ولا شك أنه لا مقصد للشرع في الجلوس على كناسة، بل هو مباح خسيس، ولكن الإمام أخبر عن نفسه أن ذلك لو كان يفضي به إلى صلاح قلبه لاضمحلت خسته عنده في جنب صلاح قلبه، ولا شك أن من هذا المأخذ استحسان الشاطبي فعل الإمام الذي التزم شعراً ينشده بعد كل صلاة كما تقدم.

وهذا نحو ما تقدم عن المشايخ: ما جمع قلبك إلى الله فلا بأس به.

وقال المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل إصلاح قلبه.

وقال الجوزي من تلبيس إبليس على الفقهاء: أن يحسّن لهم ازدراء الوعظ، ويقولون هو قاص، ومراد إبليس أن لا يحضروا في موضع يرق فيه القلب ويخشع. قال سبحانه وتعالى:﴿وكلا نقص عليك﴾ الآية.

وقيل لعبد الله بن المبارك نجد المواعظ في الكتب، فقال: لا بأس وإن وجدت موعظة على الحافظ فانظر فيها تتعظ.

وقال ابن العربي: إذا سمعت حقا فخذه وإن كان من لسان مبطل واستنر به، وإن احترق هو به، فقد أخبر سبحانه وتعالى أن الحكمة يوتيها من يشاء ولا يتذكر بها إلا من له لب.

وفي العتبية: كان عند آل عمر جرس.

قال ابن رشد: إنما حبسوه وإن كان لا يجوز استعماله، لأن في حبسه منفعة يتذكر به العهد القديم ويتراحم من أجله على من فات من السلف الكريم.

وانظر قول العلماء على قول الله سبحانه:﴿ونقص من الثمرات﴾. قالوا: لأن أحوال الشدة ترق القلوب، وقد ورد الحديث:«اطلبوا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة».

وقد نقل ابن يونس، والمازري، وغيرهما استحسان علماء المدينة خروج موسى بن نصير إلى الاستسقاء بالبهائم والأطفال قائلين: أراد بذلك استجلاب رقة القلوب، ولا شك أن استحسان المازري وابن يونس لذلك ظاهر، كما قال ابن عرفة: إتيان سحنون بعد نص ابن القاسم بفعل عمر ميل منه لقول عمر وكذلك قال: يظهر من أبي عمر الميل إلى جواز النهبة لما ذكر ما يعارض النهي.

وكذا كان سيدي ابن سراج رحمه الله يقول: مال ابن أبي زيد لجواز المعانقة، إذ قال في الرسالة: وكره مالك المعانقة، وأجازها سفيان بن عيينة، ومن باب أولى أن ينسب إلى مالك استحسان إدارة ابن عمر ناقته في المكان الذي رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته، وقال أن تطأ ناقتي على الموضع الذي وطئت عليها راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما تكلم ابن رشد على هذه الرواية عن مالك رشحها، وقال: هذا نهاية من ابن عمر في التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما نقل أبو عمر في تمهيده هذا الخبر قال: وهذا من ابن عمر غاية في الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال مالك أحب النافلة بمصلى
النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن رشد:استحبها مالك للتبرك بموضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عتبان: يا رسول الله: صل في بيتي اتخذه مصلى.

قال ابن رشد: استحبها مالك، فإذا كان موضع يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة خير من سائر البيت من باب أولى موضع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فيه.

وقال أبو عمر في حديث عتبان التبرك بالمواضع التي وطئها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عليها، وقال: فيه دليل على ما كان عليه القوم من صحة صريح الإيمان.

وفي صحيح البخاري: أن سالما كان يتحرى أماكن يتحرى الطريق فيصلي فيها لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي في تلك الأماكن.

وفي البخاري أيضا عن ابن عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف فقلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة قال فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها.

قال عياض من إعظام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده، وأماكنه، ومالمسه صلى الله عليه وسلم أو عرف به.

قيل لمالك لم تنزل العقيق فإنه يشق بعده من المسجد؟ فقال: بلغني أن النبي صلى الله وسلم كان يحبه ويأتيه.

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بواد أتاني الليلة ءات من ربي فقال: صل في هذا الواد المبارك.

وكان مالك لا يركب بالمدينة دابة ويقول: استحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحافر دابة.

ونقل عياض من هدا المعنى كثيراً.

ومن ذلك أن أبا محذورة كان له قصة في مقدم رأسه إذا قعد وأرسلها أصابت الأرض فقيل ألا تحلقها؟ فقال لم أكن بالذي أحلقها، وقد مسها رسول الله صلى الله
عليه وسلم مرة بيده.

وقال كان في قلنسوة خالد ابن الوليد شعرات من شعر رسول الله صلى الله وسلم، فسقطت قلنسوته في بعض حروبه، فشد عليها شدة أنكر عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثرة من قتل فيها قال: لم أفعل لسبب القلنسوة بل تضمنته من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا أسلب بركتها وتقع بيد المشركين.

وفي البخاري عن الحارث ابن سيرين قلت لعبدة: عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها.

وفيه أيضا لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طلحة أول من أخذ شعره.

وفي البخاري أيضا اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق وكان في أول يده، ثم كان بعد في يد عثمان فسقط له ببير أريس، قال الراوي فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البير فلم نجده.

قال ابن بطال في هذا استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك قال: ونحو ذلك ابتدار الصحابة رضوان الله عليهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لم يصبه منه شيئا أخذ من بلل يد صاحبه.

وبوب البخاري باب الشرب من قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن بطال: ومن هذا الدخول في الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صعوبة الارتقاء اليه والدخول فيه؛ يحمل على ذلك فرط المحبة في النبي صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح البخاري حديث المرأة التي جاءت بالبردة للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها فسألها منه رجل ليتخذها كفنا.

قال ابن بطال: ينبغي التبرك بثياب الصالحين، ويتوسل بها إلى الله في الحياة والممات.

وقد قال مالك: أحب أن يكفن أمه في الثوب الذي أوصت أن تكفن فيه.

قال ابن رشد: قول مالك أحب إلي، كلام ليس على ظاهره، بل هو الواجب عليه إذا أوصت بذلك تبركاً لأنها حجت فيه، أو كانت تشاهد به الصلوات، لأن من أوصى بقربة وجب أن تنفذ وصيته. نص ابن رشد.

وبمقتضى هذا الذي قررت في هذا المقام أن ما اختلف العلماء في مشروعيته كرفع اليدين ومسح الوجه بهما بعد الدعاء قط ما يكون أحط رتبة من هذه الأشياء التي ذكرتها، وهذا هو المقام السادس.

سنن المهتدين في مقامات الدين لمحمد المواق الغرناطي(ت897هـ)،
تحقيق محمدن سيدي محمد ولد حمينا، منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث
والتبادل الثقافي، الطبعة الأولى 2002. ص(218-225).

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق