مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

بين الشافعي و محمد بن الحسن الشيباني

          قال القاضي أبو الفضل عياض رضي الله تعالى عنه:

 

         “احتج الشافعي على محمد بن الحسن في ترجيح علم مالك على علم أبي حنيفة، حين تناظرا في ذلك فقال له الشافعي: الإنصاف تريد أم المكابرة؟.
قال الإنصاف، قال الشافعي ناشدتك الله، فمن أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه قال محمد بن الحسن: اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فمن أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال اللهم صاحبكم، قال الشافعي فمن أعلم بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، قال: محمد صاحبنا أقيس، قال الشافعي: القياس لا يكون إلا بهذه الأشياء فعلى أي شيء تقيس؟، ثم قال الشافعي ونحن ندعي لصاحبنا ما لا تدعونه لصاحبكم، وفي رواية وصاحبنا لم يذهب عليه القياس، ولكنه كان يتوقى ويتحرى ويريد التأسي بمن تقدمه. فرحم الله تعالى الشافعي ومحمد بن الحسن فلقد أنصفا، والذي قاله الشافعي هو حق اليقين، فإن الاجتهاد واليقين والقياس والاستنباط إنما يكون على الأصول، فمن كان أعلم بها كان استنباطه أصح وقياسه أحق، وإلا فمتى اختلت معرفته بالأصول قاس على اغترار، وبنى على شفا جرف هار.

            وقد احتج بهذه الحكاية الإمام أبو إسحاق الشيرازي على الخراسانيين في اقتصارهم في النظر على المسائل القياسيات المسماة عندهم بالطبوليات، لتنتج الكلام فيها: ومد أنفاس الجدال بين أهلها، وإذا كان بإتفاق ما قاله الشافعي وهو الحق وهو قول جماهير العلماء: إن الاجتهاد لا يصح والقياس إلا لمن جمع آلات من علم الكتاب والسنة، وأحكم ذلك على ما يجب، ثم جمع إلى ذلك من آلات الاجتهاد وفهم الألفاظ والمعاني وتصريفها ما لا غنى له عنه، ثم عرف مواضع الإجماع والاتفاق، ومسائل الخلاف والنزاع، فمتى اختل على العالم شيء من ذلك كان حطاً من إمامته، ونقصاً من كماله، ولم يصح له الاجتهاد، ولا ساغ له النظر في الدين إلا باجتماع ذلك. ومتى أخل بأحد هذه القواعد فلا يحل له الاجتهاد في الدين ولا الفتوى بين المسلمين ولا القياس على ما يبلغه.

              وقد تقرر استقلال مالك بهذه الأصول على السنة المؤالف والمخالف، ولا يلتفت إلى متعصب نعق آخر الزمان بما أراد به الغض منه في الاجتهاد وما غض إلا من نفسه، مع تصريحه عنه بأنه أعلم علماء المدينة وأمير المؤمنين في الحديث. هذا وإمامه الشافعي يكذب هجر قوله، وأئمة الهدى وأعلام العلماء ممن ذكرنا وممن سنذكر إن شاء الله تعالى يخالفه ويشهد بتهافته فيما قال وجهله”.

 

    ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض،    تحقيق: د. علي عمر، الطبعة الأولى 1430هـ- 2009، دار الأمان، 1/75.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق