مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

الحافظ أبو عبد الله القَوْري (تـ872هـ)

الإمام العالم، المفتي، الحُجّة، آخر حفاظ المدونة بفاس، محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد اللَّخمي نسباً، المكناسي داراً ومسكناً ومولداً، الأندلسي سلفاً، القَوْري شهرةً ولقباً، الفاسي وفاةً، واشتهر بالقَوْري، وهي بفتح القاف وسكون الواو ثم راء، نسبة لبلدة قريبة من إشبيلية.

ولد بمكناسة الزيتون سنة أربع وثمانمائة، ونشأ بها وأخذ عن أبرز شيوخها من أمثال أبي موسى عمران بن موسى الجاناتي، واعتمد عليه في قراءة المدونة، وأبي الحسن بن يوسف التلاجدوتي، وعنه أخذ العربية والحساب والعروض والفرائض، كما أخذ القراءات السبع عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن جابر الغساني، وأخذ الحديث والتاريخ والسِّيَر وبعض الطبّ عن الشيخ أبي عبد الله بن عبد العزيز المعروف بالحاج ابن عزوز، وغير هؤلاء. ثم انتقل إلى فاس، وبها أخذ عن العالم أبي القاسم التازغدري، والشيخ الحافظ أبي محمد عبد الله العبدوسي، والفقيه الصالح أبي محمد عبد الله بن حمد، وأدرك غير هؤلاء ولكن اعتماده على من ذكرنا.

ولي ـ رحمه الله ـ التدريس والفتيا بمكناس ثم بفاس، وانتفع به الطلبة، فأخذ عنه العلامة أحمد زروق، والإمام ابن غازي المكناسي، والشيخ أبي الحسن الزقاق، وغيرهم من الأعلام. وكان رحمه الله آية في التّبحر في العلم والتصرّف فيه واستحضار نوازل الفقه وقضايا التاريخ، ومجالسه كثيرة الفوائد، قال تلميذه ابن غازي المكناسي: «لازمت مجلسه في المدونة أعواما، وكان ينقل عليها كلام المتقدمين والمتأخرين من الفقهاء والموثقين، ويطرّز ذلك بحكاياتهم وذكر موالدهم ووفياتهم، والتنقير عن أنبائهم وضبط أسمائهم، ويشبع الكلام في الأحاديث التي ينزعون بها في انتصارهم لآرائهم، فكان مجلسه نزهة للسامعين، تبارك الله أحسن الخالقين».

وكانت للعلامة القَوْري مكانة خاصة عند تلاميذه ومعاصريه ومن تناقلوا أخباره، فحلاّه تلميذه الأنجب ابن غازي المكناسي بأجمل الأوصاف كما تقدّم، وقال عنه أبو العباس الونشريسي: «الفقيه البركة، المعظم المفيد، الصدر الأوحد، العالم العلامة، الجامع الشامل، المشار إليه في سماء تحقيق العلوم العقلية والنقلية بالأنامل، الرفيع القدر والشان، الذي لم يختلف في فضله وسعة علمه اثنان، تاج الأئمة الحفاظ، ومن تكلّ عن ذكر أوصافه عن الإتيان بأوصافه العلمية النورية الفِقَر والألفاظ…» في ثناء طويل، وقال الحافظ السخاوي: «كان متقدّماً في حفظ المتون».

وكان من آثار انشغاله بالتدريس والفتيا أن قَلَّت عنايته بالتأليف والتصنيف، فمما يُذكر له: شرحه على مختصر خليل؛ قال السخاوي: «علّق شيئا على المختصر ولم ينتشر»، وذكر أبو الحسن المَنُوفي أن شرحه هذا في ثمان مجلدات. هذا ما وقفت عليه مما نسب إليه من مؤلفات، ولا يستغرب ذلك فكثير من فطاحل العلماء اشتهرت أسماؤهم وذاع صيتهم، ولا يُذكر لهم في باب التأليف شيء، لكثرة مجالسهم وانشغالهم عن التأليف بالتربية والتعليم وأمور العامة، نفعهم الله بأعمالهم الصالحة.

توفي ـرحمه الله تعالى ـ بمدينة فاس سنة اثنين وسبعين وثمانمائة، ودفن بباب الحمراء.

مصادر ترجمته:
التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل و النّاد لابن غازي (70)، الضوء اللامع للسخاوي (8/280)، جذوة الاقتباس لابن القاضي(319)، نيل الابتهاج لأحمد بابا التنبكتي(548)، شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (261).

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق