وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

أقدم مسجد عتيق بمنطقة رباط الفتح

 عثمان إسماعيل

حديث اليوم يدور حول بعض اكتشافات الأثرية بالمملكة المغربية، ويتناول على الخصوص اكتشافنا لأقدم مسجد عتيق عرف حتى اليوم بمنطقة الرباط.

وهكذا يلزمنا الآن التعرف على مناطق العمران التاريخية بالمنطقة موضوع الحديث، فحول مصب أبي الرقراق في البحر المحيط تقع مدينة سلا وأثارها على يمين المصب أو إلى الشرق منه، وعلى يسار المصب مبتدئين من الجنوب نجد أطلال مدينة شالة الأثرية فمدينة رباط الفتح ثم قصبة المهدية المعروفة اليوم بقصبة الأوداية.

ونستعرض الآن بإيجاز أهم الدراسات الأجنبية والحربية التي تناولت تاريخ وآثار المنطقة.

أهم الدراسات المباشرة في الموضوع :

وأهم الدراسات المباشرة في الموضوع كتاب جاك كاييه J. Gaille عن مدينة الرباط La Ville de Rabat في ثلاثة أجزاء، وكتاب البعثة العلمية الفرنسية عن الرباط وضواحيها Rabat et sa Région في أربعة أجزاء وتقرير الملازم الفرنسي روزيط Lieutenant Rozet عن شالة، وكتاب ليفي بروفنصال، وهنري باسيه حول شالة الذي نشرته مجلة الهسبريس تحت عنوان Chella une Nécropole Mérinide  وهو أهم ما كتب عن شالة قبل أبحاثنا. وهناك كتاب هنري تيراس H.Terrasse Rabat à travers à Rabat وكتاب جاك كابيه وجاك اينو حول مسجد حسان La Mosquée de Hassan à Rabat وأخيرا بعض المقالات القصيرة بالصحف والمجلات المغربية لجول بوريلي J.Borely حول أثار شالة والرباط.

كذلك توجد دراسات غير مباشرة ولابد من الرجوع إليها، مثل كتاب هنري تيراس المعروف L’Art Hispano – Mauresque ثم كتاب هنري تيراس وهنري باسيه حول مساجد وحصون Sanctuaires et Forteresses Almohades لموحدين ويأتي بعده كتاب جورج مارسيه G.Marçais  عن العمارة الاسلامية الغربية L’Architecture Musulmane d’Occident كما وضعت مؤلفات عربية مغربية مباشرة على الخصوص في الموضوع نشرها مؤلفان مغربيان من المنطقة بالذات. فقد ألف محمد بوجندار كتاب مقدمة الفتح في تاريخ رباط الفتح، وكتاب شالة وآثارها، وكتاب عن قصبة الرباط الآثرية. كما ألف السيد محمد بن علي الدكالي كتبا لا زال معظمها مخطوطا وهي الدرة اليتيمة ولا نحاف الوجيز وأدواح البستان، وكثيرا ما نقل عنها معاصره بوجندار. وبعد دراستها المباشرة وأبحاثنا الميدانية بالمنطقة تمكنا من وضع ثلاثة كتب حول تاريخ شالة وأثار وفنون المنطقة وهي : تاريخ شالة الإسلامية من الفتح حتى نهاية عصر المرينيين، وكتاب حفائر شالة الإسلامية 1959-1960م ودراسات جديدة في الفنون الإسلامية والنقوش العربية بالمغرب الأقصى.

محاولات تحقيق أقدم مسجد بالمنطقة :

وننتقل الآن إلى عرض ومناقشة محاولات تحقيق أقدم مسجد عتيق بالمنطقة. ويرى كاييه الذي تخصص في دراسة تاريخ وآثار المنطقة أن أقدم مسجد عتيق بمنطقة الرباط هو مسجد قصبة المهدية الذي أسسه عبد المؤمن بن علي سنة 540 للهجرة. ولكن كاييه الذي تحول أخيرا إلى الاهتمام بدراسة التاريخ والآثار المغربية لم يكن يعرف من العربية غير آسمها، فيرجع إلى المصادر المترجمة وحدها واستعان على قراءة النصوص العربية ببعض القراء محدودي الثقافة، الأمر الذي أوقعه في أخطاء تاريخية خطيرة أدت إلى أخطاء في دراسة الآثار جسيمة، ففضلا عن أنه لم يحاول مطلقا تحقيق أي مشكلة تاريخية تتعلق بأثار شالة ذات الوزن الخطير على طول تاريخ الاسلام بالمنطقة، فهو يصرح بوضوح في كتابه عن مدينة الرباط بقوله (سوف لا نتعرض لشالة لأنها كانت موضوع دراسة رئيسية لهنري باسيه وليفي بروفنسال وأن أي بحث بعدهما سوف لا يأتي أبدا بجديد) وهكذا نرى أن كاييه يغلق باب البحث أمام المتخصصين مكتفيا بدراسة باسيه و بروفنسال التي عنينا بنقد ما اكتنفها من نقص وتقويم ما جاء بها من أخطاء.

والحقيقة أن هنري باسيه وليفي بروفنسال قاما بوضع أول بحث كبير مباشر في منطقة شالة الأثرية تعرضا فيه لتاريخ المنطقة ومبانيها الآثرية وما تبقى بها من فنون زخرفية ونقوش عربية. وقد توصل الباحثان الكبيران إلى أن آثار شالة الاسلامية تشتمل على مسجدين، مسجد أعلى حديث نسباه إلى أبي الحسن المريني، ثم مسجد آخر في ركن الخلوة أسماه بالمسجد العتيق ونسباه إلى أبي يوسف يعقوب المريني المؤسس الحقيقي للدولة المرينية. وعلى الرغم مما تتميز به منهجية العالمين وما توفرا عليه من إمكانيات في ذلك العصر فقد صرحا بكل أمانة أنهما (نظرا للصفة المقدسة التي تتمتع بها هذه المنطقة وآثارها الدينية فإنه لم يسمح لهما بعمل أي حفائز بل أنهما لم يستطيعا مجرد عمل مجسمات في الأرض). ولا شك أن تحقيق مواقع الآثار وتاريخها ودراستها دراسة صحيحة لا يستوي دون عمل تنقيبات تؤدي على كشوف أقرب ما تكون إلى اليقين، خاصة عند فقر النصوص واختلاف الروايات.

وقد رأى بوجندار المؤرخ الرباطي أن المسجد الأعلى من بناء أبي الحسن المريني الذي قام كذلك ببناء صومعة في مسجد جده يعقوب. فهناك إذن مسجدان في نظر بوجندار صومعة مسجد يعقوب لا ترجع إلى عصر ملك واحد. وعلى الرغم من أن بوجندار كان مؤرخا من قلب المنطقة غير أن دراسة الآثار ومنهجيتها لم تكن توفرت بعد للمسلمين في ذلك التاريخ.

وعندما بدأنا دراسة آثار المنطقة قمنا بجمع كل إشارة ورواية ونص جاء به المؤرخون قصدا أو عرضا كما حصرنا جميع انطباعات الرحالة والجغرافيين العرب والأجانب منذ بداية الفتح الإسلامي وحتى تاريخ تصدينا للبحث، كما تبادلنا اللقاءات والكتابات مع عدد كبير من المتخصصين العرب والأجانب الذين يهمهم تاريخ وآثار المنطقة. وقد أوصلنا هذا كله إلى وضع ترتيب تاريخي لجميع النصوص والآراء ثم نقدها ومقابلتها الأمر الذي أدى إلى الوقوف على مدى التضارب الكبير في أقوال المؤرخين والرحالة والجغرافيين من حيث تاريخ المباني وترتيبها ترتيبا زمنيا.

وهذا هو جورج مارسيه يعتذر لنا (بخطاب خطر أرسله من الجزائر) عن عدم استطاعته وضع ترتيب تاريخي لمنشئات خلوه شالة التاريخية وأنه لازال من الصعب وضع ترتيب تاريخي لمجموع تلك الآثار.

ولقد كان هذا دافعا كافيا لمبادرتنا بعمل حفائر أثرية علمية منظمة في عين المكان لوضع حد للخلاف بين الآراء ولتحقيق وضع ترتيب تاريخي للآثار، وهو ما أدى بنا إلى كشف عدد كبير من الآثار الإسلامية المتنوعة داخل حرمة شالة وعلى رأسها اكتشاف أول مسجد عتيق بالمنطقة.

حقائق تاريخية لابد منها :

وبحسن بنا أولا الإلمام ببعض الحقائق التاريخية وتحقيق نتائجها حتى يتيسر لنا إلقاء نظرة جديدة على مفهوم تلك الآثار. وسوف نبدأ بإيجاز بالنظر في عصر الأدارسة وهو العصر الذي بدأ فيه حقيقة صوغ العمارة الإسلامية المغربية بعد استقرار الإسلام الحقيقي في هذه الديار. ويذكر صاحب روض القرطاس بأن المولى إدريس الأكبر رضي الله عنه بعد مبايعته بزرهون قام في سنة 172 هجرية بفتح شالة، ثم تأتي قصة تقسيم ملك الأدارسة بعد وفاة المولى إدريس الأصغر، وفي حياة الإمام محمد بمشورة جدته كنزة سنة 213 هجرية. وقد حققنا سابقا هذا الموضوع وناقشنا أخبار ذلك التقسيم ومواطن الإمارات الإدريسية المنظوية تحت سلطان الإمام الأكبر محمد بن إدريس الثاني المتمركز في فاس. وتذكر الروايات التاريخية أن عيسى بن إدريس الثاني صاحب شالة قام بثورة على أخيه الأكبر صاحب فاس وسلطان المغرب كله. وعندما طلب الإمام محمد من أخيه القاسم صاحب طنجة النهوض إلى شالة اعتدر القاسم، فطلب الإمام محمد من أخيه عمر أن يتوجه إلى عيسى الثائر بشالة فطلب عمر المدد وأمده الإمام أكبر، وبهذا استولى عمر بن إدريس الثاني على شالة حتى وفاته عام 220 هجرية. ويتبين لنا مت تلك اللمحة قوة شالة الإسلامية وخطورتها خلال نصف قرن على الأقل حتى الآن، بالنسبة للمغرب كله.

ونتساءل الآن هل يستقيم وضع شالة على هذا النحو من القوة والأهمية بدون مسجد جامع للمسلمين ؟ وليس ذلك فحسب بل أن النصوص التاريخية تفيدنا أن موسى بن أبي العافية أجلى الأدارسة من مراكزهم بشالة وأصيلا سنة 317 ه ويتبين لنا من ذلك أن شالة ظلت بعد الأدارسة قرنا آخر بعد وفاة الإمام عمر بن إدريس الثاني، فهل كانت شالة خلال ذلك التاريخ أيضا بدون مسجد جامع للمسلمين ؟

وننتقل الآن إلى العصر الزناتي الممتد بين عصري الأدارسة والمرابطين والذي دار حول محاوره الثلاثة المعروفة : أبناء أبي العافية المكناسي، والمغراويين، وبني يفرن. وقد تمركز بنو يفرن أثناء نزاعهم مع المغراويين منذ سنة 381 هجرية في شالة. ثم عرفت شالة عصرها الذهبي في حياة أبي الكمال تميم اليفراني أمير شالة وصاحب مملكتها الذي غزا فاس نفسها سنة 424 وسيطر على المغرب كله مدة خمس سنوات أو سبع حسب روايات المؤرخين. وبعد عودة حمامة بن المعز المغراوي إلى فاس رجع أبو الكمال إلى قاعدة مملكته بشالة حيث توفى عام 446 هجرية ودفن بها، كما دفن إلى جوار قبره بشالة ولده الأمير محمد عام 462 هجرية وهو نفس العام الذي تم فيه للمرابطين الفتح النهائي لفاس والقضاء على مقاومة فروع زناتة لثلاثة التي جمعت بينها وحدة المصير وصراع المنافس المشترك من صنهاجة الملثمين.

ونتساءل الآن مرة أخرى، هل كانت مملكة شالة دون مسجد جامع للمسلمين في عصرها الذهبي هلال فترة الزناتية التي استمرت ما يقرب من قرن من الزمان وخصوصا على عهد أبي الكمال تميم أمير شالة وصاحب مملكتها ؟

وبعد التقديم التاريخي  السابق، نستعرض الآن آثار الموقع ونتائج الحفائر والتنقيبات، التي قمنا بها عامي 1959 و1963م. ويتضح كما رأينا من اللوحة رقم (2) بالمقال السابق تخطيط أسوار شالة الإسلامية، التي تضم مساحة مخمسة الأضلاع، تحدد معالم شالة في عصر أبي الحسن المريني فقط، لقد سبق أن بحث أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق عن بقعة يخصصها لدفن الملوك والمجاهدين من دولة بني مرين ورجالاتها، ذلك أنه اختار المساحة الحادثة للمدينة، حيث كانت شالة تمتد في الحقيقة أسفل الأسوار المرينية الظاهرة إلى ساحل البحر المحيط، منذ أيام الفينيقيين.

ويحمل مدخل شالة الكبير نقشا تأسيسيا بالخط الكوفي المضفر من عصر أبي الحسن المريني، نقرأ فيه بوضوح عام التأسيس 739 هجرية، ويتضح من اللوحة رقم (1) تخطيط المسجد، الذي نسبوه خطأ إلى أبي الحسن المريني وأرخوه بالقرن الثامن الهجري، وهو يشتمل حاليا على ثلاثة أساكيب وخمسة بلاطات، وخلف قبلته بقايا بعض الأضرحة، من أبرزها قبة السلطان أبي الحسن باني الأسوار.

ويمتد في مجموع الركن الشمالي الشرقي للخلوة، زاوية يتوسطها صحن حوله بيوت الطلبة ومصلى ومحراب وصومعة، ظنوها سابقا مسجدا ونسبوه إلى أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق.

وتوضح اللوحة رقم (4) بالمقال السابق، اكتشافنا لقبر الأمير أبي الكمال تميم أمير مملكة شالة اليفرني، وتوضح اللوحة رقم (2) حفائرنا بالقبة التي نسبناها إلى السلطان أبي سعيد عثمان، الذي اختلف العلماء المؤرخون والأثريون في موقع دفنه.

وقد واصلنا التنقيب بالقبة التي نسبناها إلى الوزير المريني أبي زيان عريف السويدي، الذي وزر لثلاثة من ملوك المرينيين، وبقاعة الدفن العامة، وكشفنا موقع قبور شهداء موقعة طريف، التي محص الله فيها المسلمين، وكانت آخر سلسلة الجهاد المقدس قبيل نهاية النصف الأول من القرن الثامن أيام أبي الحسن، وقد سماها الأثريون سابقا بقبة أي العباس أحمد.

ودرسنا شاهد قبر منشوري الشكل من الرخام نسبه العلماء عربا وأجانب إلى السلطان أبي العباس أحمد، وقد صححنا خطأهم في القراءة، وحققنا التاريخ، وكشفنا عن شخصية الأمير صاحب المقبرة، وهو موضوع دراسة مفصلة بكتابينا: حفائر شالة، والفنون الإسلامية، والنقوش العربية بالمغرب الأقصى.

وقمنا بتخصيص دراسة موسعة لنقش التأسيس المنقوش بالزليج، وكان قد عثر عليه جول بوريلي، وقام المرحوم المعلم مصطفى فيلال (كما أفادني شخصيا) بإكماله وتركيبه على جدار الزاوية المذكورة خلوة شالة، أن هذا النقش ينسب الزاوية في صراحة إلى عصر أبي سعيد عثمان المريني المتوفى عام 731 هجرية، وقد نشرنا دراسة حول الموضوع، وصححنا الخطأ أو التزييف الذي أصاب النقش.

وتوضح اللوحة رقم (3) حقيقة البناء ووظيفته، فصحن الزاوية (المدرسة في نفس الوقت)، حوله بيوت الطلبة من طابقين لازالت آثار دروجها باقية، أما صومعة الزاوية التي نسب بوجندار بناءها إلى أبي الحسن فوق قاعدة قديمة من عصر يعقوب، فإنها خلافا لما توهموا، وبعد دراستنا وأبحاثنا الميدانية، تبدو متجانسة البناء غير منجورة، كانت داخلة أصلا في مجموع البناء محجوبة بالملحقات، وقد كشفت أبحاثنا عن الحقيقة، بأن بناء الصومعة متجانس من القاع إلى القمة، ومن عصر بناء الزاوية أيام السلطان أي سعيد والد أبي الحسن المريني.

كما واصلنا الحفر والتنقيب داخل محراب الزاوية، لتمام الكشف عن تصميمه وتخطيطه، والتأكد من بطلان الروايات، التي زعمت بأن السلطان يعقوب المريني كان قد دفن بداخله، ومن اللوحة رقم (4) يظهر اكتشافنا لأثر إسلامي قديم يرجع إلى عصر الموحدين، كشفنا عنه داخل مصلى الزاوية المذكورة، وعلى عمق أربعة أمتار من الأرض الحالية، وعندما واصلنا الحفر أسفل الأثر المكتشف، وصلنا إلى أرضية رومانية مفروشة بالموزاييك، وتأكدنا من اكتمال اكتشاف الأرضيات الإسلامية.

وهكذا، فإن المسجد الذي ظنوه عتيقا ونسبوه إلى السلطان أبي يوسف يعقوب المريني، كان في الحقيقة زاوية أسسها أبو سعيد عثمان المتوفى عام 731 هجرية.

أما المسجد الأعلى الذي نسبوه إلى أبي الحسن، فيتضح تخطيطه العلوي (اللوحة 5) من ثلاثة أساكيب، الشمالي منها متراجع عن التخطيط شرقا وغربا، وأمكننا التنقيب والكشف من الوصول إلى أرضية المسجد العتيق، الذي أرجعناه إلى عصر الأدارسة فيما بين 213 – 220 هجرية، أي قبل بناء جامع القرويين نفسه، الذي أرست فاطمة الفهرية أم البنين قواعده عام 245 هجرية بفاس كما هو معلوم، وقد اعتمدنا في هذا التاريخ على نظام التخطيط وعناصر العمارة ومواد البناء، وكشف التنقيب أسفل أرضية المسجد العتيق عن طبقة العصر الروماني بعمارتها وفخارها ومخلفاتها، وتوضح اللوحة (1) التخطيط الجديد الذي وضعناه للمسجد العتيق الأول، الذي كان مشتملا على أسكوبين اثنين فقط، ثم الأسكوب الثالث المتراجع من الجانبين، والمضاف في عصر الدولة المرينية أيام السلطان يعقوب بالذات، كما أن الحفر داخل الأسكوبين الأولين من جهة القبلة، أسفر عن كشف أرضية المسجد الإدريسي العتيق، ثم أرضية مسجد آخر فوق المسجد الإدريسي، أرجعناه هو وصومعته إلى العصر الزناتي، ينما تتمشى الأرضية الأخيرة المرينية مع الأرضية الوحيدة بالأسكوب الثالث، المضاف على عصر السلطان أبي يوسف يعقوب المريني، ومن اللوحة (6) تتضح لنا واجهة بيت الصلاة الأصلية بالمسجد العتيق المكتشفة بحجارتها الرومانية الكبيرة، وقد قطعت هذه الواجهة بمستوى أرضية الإضافة المرينية لبناء أرضية متجانسة لمجموع مساحة المسجد على عصر السلطان أبي يوسف المريني، وقد رجعنا إلى تفصيل عمارة وزخرفة الصومعة التي نسبناها إلى العصر الزناتي على أساس عمارتها وهندستها ومواد البناء والزخرفة وتحليلها، فأضفنا بذلك أختا ثالثة إلى الصومعتين الزناتيتين المعروفتين بالمغرب، وهما صومعة جامع القرويين، التي تحمل نقشا باسم أحمد بن أبي بكر الزناتي وإلى فاس، من قبل بن الخير المفراوي سنة 344 للهجرة، وأختها صومعة مسجد الأندلسيين بفاس.

وإيمانا منا بمهام وظيفة الأثري الإنشائية، قمنا بوضع تصميم لسقوف المسجد المتلاشية حاليا لوحة (7)، كما أعدنا تصميم بناء المسجد إلى حالته الأولى، مع وضع تخطيطات ورسوم وهياكل توضح عناصر بنيانه من الداخل والخارج.

على أن ظاهرة تراجع الأسكوب الثالث المكتشف، التي سبق أن حيرت تيراس وباسيه وجورج مارسيه، فقالوا بأن بمسجد ابن صالح بمراكش تراجع في أسكوبه الأخير يذكر بمسجد أبي الحسن بشالة لازال محيرا للآن، لقد دفعنا ذلك إلى استقراء الآثار الإسلامية الدينية والمدنية بالمملكة المغربية، وحصر التخطيطات والرسوم التي تبدو فيها تلك الظاهرة، وتوصلنا بذلك إلى وضع نظرية جديدة في العمارة الأثرية المغربية، تقول أن ظاهرة الفص المتماثل في العمائر الدينية والمدنية المغربية ظاهرة مرينية، وأن البناء المريني استمد من عناصر البنيان والتخطيط توقيعا لا سبيل إلى تبديله وتزييفه.

كما نشرنا دراسة حول جميع الأمثلة، التي تعكس هذه الظاهرة حسبما يتضح على سبيل المثال من تخطيط مجموعة ابن صالح بمراكش، وتفصيل تخطيط مدرسة الصهريج بفاس البالي، وهي المدرسة التي أسسها أبو الحسن في حياة والده السلطان أبي سعيد عثمان فيما بين عامي 721 و773 للهجرة، وأخيرا تخطيط الجامع الكبير بالرباط، الذي يرجع وجود هذه الظاهرة فيه إرجاعه إلى عصر الدولة المرينية، بناء على أدلة عديدة سقناها في بحث سابق، ومن بينها مواجهة المجموعة العزيزية المقابلة له، وهكذا أدت تنقيباتها التي ناقشتها مؤتمرات رجال الآثار، وعرضت تفاصيلها وخطواتها ونتائجها على أثريين متخصصين من الأجانب، أقروها جميعا، ونذكر منهم على سبيل المثال بوريس ماسلوف، وجورج مارسيه، وجاستون، وفروان، واسكندر، ولبي، والأستاذ تاراديل، والدكتور أحمد فكري، أشهر علماء الآثار الإسلامية من العرب.

نقول: لقد أدت هذه التنقيبات إلى وضع ترتيب تاريخي لمباني شالة الأثرية، بعد أن قال مارسيه إنه من الصعب تحقيق ذلك، كما أدت حفائرنا وأبحاثنا إلى تفسير ظاهرة الفص المتماثل في تخطيط العمائر الأثرية المغربية، التي حيرت تراس ومارسيه وغيرهما، وقد مكنتنا تلك الحفائر أيضا من الكشف عن عدد من قبور الملوك والأمراء والأميرات والوزراء ورجال الدولة، وإلى إثبات حقيقة هامة وهي أن المسجد الوحيد بشالة أقدم من زاوية أبي سعيد عثمان، التي ظنوها مسجدا عتيقا، وأن المسجد العتيق الذي اكتشفناه بشالة، يرجع تاريخه الأول وتخطيطه القديم إلى عصر الأدارسة ثم الزناتيين قبل أن يخضع للتوسيع والإضافة على عصر المرينيين، وبهذا نستطيع القول بان مسجد شالة العتيق، الذي أرجعناه إلى عصر الأدارسة فيما بين 213- 220 هجرية، هو أقدم مسجد عتيق معروف إلى اليوم بمنطقة الرباط، طالما لم يثبت البحث والكشف ما يبطل ذلك إلى الآن.

دعوة الحق:
العدد 241 محرم 1405 – أكنوبر 1984
العدد 242 ربيع1- نونبر 1984

دعوة الحق:العدد 241 محرم 1405 – أكنوبر 1984 والعدد 242 ربيع1- نونبر 1984,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق