مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

فهرسة المخطوطات العربية

نظم مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء ـ الرباط، بقاعة الشيخ العلامة عبد الله كنون من 27 جمادى الثانية إلى غاية 4 رجب 1431هـ، الموافق 17-24 يونيو دورة علمية تدريبية في موضوع: «فهرسة المخطوطات العربية»، أطرها خبير علم الاكتناه الأستاذ الدكتور قاسم السامرائي، استفاد منها ما يزيد عن أربعين أستاذا مهتما وباحثا متخصصا، من مختلف الجامعات المغربية، ومن الخزانة الحسنية والمكتبة الوطنية بالرباط، كما استفاد من أعمالها ثلة من الأساتذة والباحثين من دول شقيقة.

وقد توزعت أشغال هذه الدورة على المحاور الآتية:

1.    الخط العربي وأنماطه وتطوره خلال العصور التاريخية.
2.    علم الاكتناه وشروطه.
3.    صناعة الرَّق وورق البردي والكاغد والحبر والمداد.
4.    فهرسة المخطوطات ومشكلاتها وتباينها عن فهرسة المطبوعات ومصادرها المساعدة.
5.    أساليب تحقيق المخطوطات والمصادر المساعدة.
6.    التقييدات في المخطوطات وفوائدها للمفهرس والمحقق.  
7.    الكراسات والترقيم والمقابلة وغيرها في المخطوطات.
8.    الإجازة والقراءة والسماع والطباق وغيرها.  
9.    التزوير وأساليبه في المخطوطات والوثائق.
10.    تدريبات عملية على فن الفهرسة.

وقد خصَّ الأستاذ الدكتور قاسم السامرائي كل يوم من أيام الدورة بمحورين اثنين في حصتين زمنيتين لا تقلان عن أربع ساعات من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا.

اليوم الأول: الخط العربي وأنماطه وتطوره خلال العصور التاريخية وما علم الاكتناه؟ وما شرطه؟
مهّد الأستاذ لموضوعه بمقدمة أوضح فيها أهمية علم المخطوطات وفائدة الاشتغال به، وبيّن الصفات التي يلزم توفرها في المشتغل فيه، وهي حسب اعتقاده يمكن إجمالها في صفتين هما: الحب العميق للمخطوطات وللتراث بصفة عامة، والصبر، وأكد أن المسلمين كانوا سباقين إلى العناية بالتراث قبل أن يتوجه إليه المستشرقون، وألمح الأستاذ السّامرائي إلى مقصد المستشرقين من العناية بالتراث العربي الإسلامي، وهو محاولة كشف أسراره وأسرار الدين الذي جاء بهذا التراث. بعد هذا أخذ في تفصيل القول في الخط العربي ومراحله، وأفاد بأن العلماء متفقون على أن جلّ الخطوط أصلها من الخط الآرامي؛ وهو في أصله خط عربي حملته الهجرات العربية إلى الهلال الخصيب، ومنه تفرعت باقي الخطوط الثلاثة الرئيسة: الخط السرياني، والخط العبري، والخط النبطي. ثم ناقش الدكتور السامرائي عدة قضايا تمسّ تاريخ الخط العربي وصحّح مجموعة من المفاهيم والأفكار المتداولة بين الباحثين، بل بين كثير من كبار المهتمين، من ذلك ما وضّحه وأكده بالدليل الملموس من أن تنقيط الشكل كان معروفا منذ زمن النبوة؛ أي قبل أبي الأسود الدؤلي الذي ينسب إليه وضع هذا النوع من التنقيط واختراعه. وأشار الأستاذ إلى أن الخط العربي استمر بطريقين: طريق النساخ الكتبة المهرة كابن مقلة وابن البواب، وهما اللذان طوّراه إلى ما نعرفه الآن، وطريق النّساخ العادين الذين ينسخون الوثائق والكتب، وقد نبّه الأستاذ إلى أن لخط كل إنسان خصائص تميزه عن خط إنسان آخر، وأغنى الأستاذ حديثه عن موضوع الخط بتقديم نماذج تطبيقية ومصورات من الخطوط العربية، وأنماطها المتعددة عبر المراحل التاريخية المختلفة.

وأما الموضوع الثاني فتحدث فيه الأستاذ الدكتور قاسم السامرائي عن مصطلح علم الاكتناه وعن شرطه، وقبل أن يعرف بالمصطلح أشار إلى أن كثيرا من الباحثين في علم المخطوطات ينساقون مع المصطلحات الغربية الغريبة عن الثقافة العربية دون البحث في هذه الثقافة الواسعة عن المفاهيم الصحيحة والمعبرة عن المضامين حقيقة، فمثلا مصطلح الكوديكولوجيا ومصطلح باليوغرافيا الغربيين هما مصطلحان مبهمان لا يدلان دلالة واضحة على علم المخطوطات، وهذا ما دفع به إلى التنقيب عن مصطلح دالٍّ ومعبر، فوفِّق بعد عناء طويل إلى مصطلح علم الاكتناه، والذي يعرفه بقوله: علم شامل، يشمل عمل كل مَن يشتغل بالمخطوطات، مفهرسا كان أو محققا، أو بائعا للمخطوطات أو مشتريا لها. وهو بهذا يشمل كل ما قاله السابقون في علم المخطوطات. ثم تحدث الأستاذ السامرائي عن بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها المفهرس باعتباره المفتاح الذي تفتح به مغاليق المخطوطات، فبدونه لن يستطيع المحقق فعل شيء، ومن تلك الصفات: العلم، فإن كان المفهرس جاهلا فقد يأخذ مخطوطا يجد عليه عنوانا واسم مؤلف، فينسبه إلى ذلك المؤلف دون فحص وتثبت، وهنا يسطّر الأستاذ قاعدة للمفهرس هي: الشك أولا، ثم التوثيق ثانيا، فعلى المفهرس الحاذق أن يكون جادا صبورا يوثق ما يقرأ، بعد أن يتتبع المخطوط ورقة ورقة، ولم يُفوت الأستاذ الفرصة على الباحثين دون أن يعرض عليهم على مجموعة من التجارب التي خاضها في هذا الشأن، وهي تجارب تزكي بالملموس وبوضوح تام ما ذهب إليه.

اليوم الثاني: صناعة الرَّق وورق البردي والكاغد والحبر والمداد. وفهرسة المخطوطات ومشكلاتها وتباينها عن فهرسة المطبوعات ومصادرها المساعدة

تحدث الأستاذ قاسم السامرائي، كما في اليوم الأول، عن موضوعين آخرين متعلقين بالمخطوط، الأول يمكن اعتباره حديثا عن مكونات المخطوط من حيث هو مخطوط، والثاني يدخل في عمل المشتغل في ميدان المخطوط وبالضبط المفهرس. وقبل أن يشرع في الحديث عن الموضوعين بدأ الأستاذ بمقدمة تحدث فيها مرة أخرى عن عزوف العرب والمسلمين عن تراثهم، وتعلق الغرب به، لاحبّا فيه وإنما لكشف أسراره وأسرار الدين الحنيف الذي جاء به. ولم يترك الفرصة تمر دون أن يتوجه بوصية، نابعة من حبّه العميق للتراث، إلى المتدربين أمامه ومنهم إلى أمثالهم من المعتنين بالتراث، فقال: عضوا على التراث بالنواجذ، فمَن لا ماضي له لا حاضر له، كما ناشد المسؤولين في الوطن العربي والإسلامي بتيسير التراث للباحثين، وفتح الأبواب أمامهم، وألا يعتبروا التراث ملكا لهم، فهو ملكٌ للأمة، وليس للقائمين عليه إلا حفظه وصيانته من الضياع وتمكين الباحثين منه.

وأما الموضوع الأول فكان حول : صناعة الرَّق وورق البردي والكاغد والحبر والمداد، ومكونات هذا العنوان موضوعات، عريضة وكبيرة كما أكد ذلك الأستاذ السامرائي، وقد كتبت فيها مؤلفات وخطت فيها مقالات باللغة العربية وباللغات الأجنبية.

ومن الأسئلة التي طرحها الأستاذ بداية: كيف يصنع الورق؟ ومن أي مواد؟ وقد أجاب عن سؤاله هذا بأن تاريخ الورق صناعة حديثة مقارنة بصناعة الرقوق وورق البردي. وتساءل أيضا عن ماهية ورق البردي، فقال: إنه يصنع من سيقان نبتة تنمو عادة في مصر في مستنقعات دلتا النيل وفي صقلية والعراق، لكن أجودها وأحسنها تلك التي تنمو في مصر، وعلى ما سطر في كتابه علم الاكتناه، فإن «هذه السيقان التي توجد تحت الماء قد يصل عرض بعضها أحيانا إلى عرض يد الإنسان، فتقسّم هذه السيقان إلى شرائح طويلة قد تمتد إلى متر أو أكثر أو أقل، ثم توضع هذه الشرائح متلاصقة بجانب بعضها ثم توضع  شرائح أخرى فوق هذه بصورة متعامدة ثم يجري طرقها بمطرقة خشبية مسطحة لتسوية أجزائها فتلتصق الشرائح على بعضها بواسطة اللزوجة الموجودة فيها، ثم تجفف في الشمس ثم تصقل بعد ذلك وتسوى أطرافها وعندها تكون الصحيفة جاهزة للتصدير أو الكتابة» [علم الاكتناه العربي الإسلامي ص224، الطبعة الثانية 1429هـ].

وكانت البرديات شائعة في الإمبراطورية البزنطية، أما سمرقند فكان يصنع بها الكاغد من ورقة شجرة التوت، ويعد ّ الورق السمرقندي من أجود الأنواع، وهكذا فإن كل قطر يتميز بخاصية نباتية تتحكم في نوعية الكاغد المصنوع فيه، فكانت صناعة الورق من الكتان مشهورة في العراق والأندلس، ولم تكن زراعة الكتان معروفة في أوروبا إلا في العصور المتأخرة، وتميز المغرب بخاصية غربية في صناعة الكاغد، إذ كان يصنع أيضا من الحلفاء، ولون هذا الكاغد المغربي يميل إلى الدكنة، وعليه طبعت الطبعات الحجرية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل تفنن المسلمون في صناعة الكواغد الملونة، بإضافة المواد الملونة إلى عجينة الكاغد، وقد اكتشفت أكوام من أنواع الورق الملون بألوان مختلفة في مزابل الأشمونيين والفيوم والفسطاط بمصر، وقد تطلى الورقة البيضاء بمحلول ملون وهذا شائع في الكواغد الأندلسية.

وبيّن الأستاذ السامرائي كيف انتقلت صناعة الورق من بعض بلدان العالم الإسلامي إلى بعض، ومنها إلى أوروبا عبر المسارب  المتعددة، وكيف أضحى الورق الأوروبي في نهاية القرن الثامن للهجرة مزاحما للكاغد الإسلامي، لا لجودته وإنما لرخصه، ولم يصل القرن العاشر إلى نهايته إلا وقد غلب الكاغد الأوروبي على الأسواق العربية، وبخاصة الإيطالي.

وتحدث الأستاذ عن العلامة المائية التي كانت تظهر في الكاغد، فأكد أن هذه العلامة المائية كانت معروفة في المشرق قبل أن يعرفها الغرب، فقد كانت معروفة بصورتها البدائية المتقاربة في كواغد مصنوعة في دمشق، وهي المشهورة بجودة كاغدها الذي كان يصدر أوروبا ، ويعتبر أهل شاطبة أول من استعمل الخطوط المائية المتباعدة في أوائل القرن الخامس للهجرة، ومن ثَمّ عرف الأوروبيون العلامة المائية تلك فقلدوها وأضافوا إليها علامة مصانعهم التجارية.

وأما الموضوع الثاني فتحدث الأستاذ فيه عن “فهرسة المخطوطات ومشكلاتها وتباينها عن فهرسة المطبوعات ومصادرها المساعدة” وهنا أكد الأستاذ ما سبق أن نبّه إليه من ضرورة تحلي المفهرس بصفتين مهمتين: الحب العميق للمخطوطات وللتراث بصفة عامة، والصبر، خاصة في فهرسة المجاميع؛ إذ على المفهرس قراءة المجموع من أوله إلى آخره، ورقة ورقة، وكلمة كلمة، هذا إضافة إلى سعة إطلاع المفهرس وعلمه، ويضع الأستاذُ أمامَ المفهرس قاعدة لا ينبغي له أن يحيد عنها وهي: أن يشك أولا ويوثق ثانيا، فيتأكد من اسم المؤلف وعنوان الكتاب، وعصر تأليفه، فإذا كانت المخطوطة ناقصة أو مخرومة الأول والآخر، فعليه استحضار علم معرفة الورق وتاريخه وأقطاره وأوصافه وأنواعه، والأحبار وأنواعها وما إلى ذلك، ويجب عليه أن يكون حريصا وألا يتعجل في عمله.

وتحدّث عن أنظمة فهرسة المخطوطات، وهي تنحصر في ثلاثة:

1-    نظام فهرسة القوائم.
2-    نظام الفهرسة الوصفية تعتمد إثبات عنوان الكتاب واسم المؤلف ووفاته وتاريخ النسخ وعدد الأوراق ومقاس الورقة الداخلي والخارجي،  والوصف المادي الكامل للمخطوطة.
3-    نظام الفهرسة التحليلية التفصيلية.

ويحسن التذكير هنا بأن الأستاذ السامرائي يختار الطريقة الثانية في عمله الفهرسي، وهي التي اعتمدها مثلا في الفهرس الوصفي لمخطوطات السيرة النبوية ومتعلقاتها الذي صدر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية …..

 أما المصادر المساعدة فهي تلك الكتب التي تعين المفهرس في عمله، ويحتاج الرجوع إليها في أحوال مختلفة، كأن تتعدد العناوين لكتاب واحد في المصادر أو تتشابه، أو تشابه أسماء المؤلفين، فيستعين بها للتأكد من العنوان المشهور واسم المؤلف الكامل وسنة وفاته والمصادر التي ترجمته،  ويدخل في هذه الكتب المساعدة كتب التراجم وفهارس المخطوطات وكتب بروكلمان وحاجي خليفة وذيوله وسزكين والزركلي وكحالة والبغدادي وغيرها.

وختم الأستاذ بالحديث عن بعض الآلات المساعدة التي ينبغي أن تكون مع المفهرس، والتي بها يستطيع تحديد نوعية الورق وتاريخ صنعه والمداد والحبر وما إلى ذلك، ورغبة منه في تَعَرُف المتدربين على هذه الآلات فقد أحضر الأستاذ نماذج منها ومكّن الباحثين من تفحصها.

اليوم الثالث: أساليب تحقيق المخطوطات والمصادر المساعدة والتقييدات في المخطوطات وفوائدها للمفهرس والمحقق  

بدأ الأستاذ قاسم السامرائي حديثه عن أساليب تحقيق المخطوطات بوضع تعريف موجز لمصطلح التحقيق، فقال: هوأن يخرج المحقق النص على ما تركته يد المؤلف أو في الأقل قريبا منه. ومن هنا انطلق لبيان أساليب التحقيق والتي عدّد منها ما يلي:

–    تجميع النسخ المعروفة للنص المراد تحقيقه وإخراجه.
–    مقارنة النسخ مع بعضها البعض للوصول إلى النص الذي أراد إخراجه المؤلف، وهذا في حقيقة الحال ليس تحقيقا وإنما هو نسخ.

ويضاف إلى كل هذا توفر شروط جمة فيمن يريد تحقيق أي نص، وهذا على عكس ما يراه كثير من الناس، وبخاصة الذين ليس لهم معرفة بالتراث ولا تعلق به، من أن التحقيق عملية تقنية سهلة يمكن أن يقوم به من لم يؤت حظا من العلم والدراية والدربة، وجزم السامرائي بأن هذا الرأي بعيد عن الصواب.

ولعلّ من أهم الشروط التي يجب توافرها في المحقق:
–    الثقافة الواسعة بالتراث الإسلامي بشتى فروعه وصنوفه.
–    أن يكون المحقق على دراية واسعة بلغة المؤلف، فإن لكل مؤلف خزانة محدودة من الألفاظ تختلف عن خزانة مؤلف آخر.
–    أن يكون مُلِما إلماما تاماً بلغة عصر المؤلف، لأن بعض المصطلحات قد تشيع في عصر من العصور ثم تختفي في عصر آخر.
–    أن يكون ذا دراية واسعة بالتصحيف والتحريف اللذين قد يعتوران بعض النصوص في هذه المخطوطة أوتلك.

فإذا توفرت في المحقق هذه المقومات فإنه يستطيع أن يبدأ في مقارنة المخطوطات التي بين يديه، ويخرج نصا قريبا من النص الذي تركه المؤلف، لكن قد يحدث ألا تكون للنص المراد إخراجه إلا نسخة فريدة أو مخرومة أو ضاع أولها وآخرها أو أثرت عليها عوادي الزمن التي عادة ما تصيب المخطوطات، فمـاذا يفعل المحقق في هذه الحالة؟

أشار الأستاذ إلى أن بعض المثقفين ثقافة غربية، ممن تعلموا على يد المستشرقين، يرون أن لا فائدة من تحقيق هذا النوع من المخطوطات، لأن هؤلاء يريدون أن تخرج النصوص كاملة، وهذا الرأي مجانب للصواب، بل الأجدر إخراج هذه النصوص وإن كانت ذات نسخ فريدة أو مخرومة أو ناقصة، حتى لا تضيع بالكامل، ومتى عُثر لها على نسخ أخرى أعيد أخراجها.

بعد هذا أشار الأستاذ السامرائي إلى الآراء المتعددة والمدارس المتباينة في طريقة إخراج النصوص، فقال: إن هذه الآراء والمدارس كثيرة جدا، ثم حصرها في رأيين:

–    الأول يرى إخراج النص كمـا تركه المؤلف عاريا من أي تعليق أو شرح أو استدراك أو أي إشارات تتعلق بالنص تفسيرا وتوضيحا.
–    والثاني  يرى أن يقتصر عمل المحقق على إخراج النص سليما معافى، مع محاولة المحقق تفسير ما اعتور النص من ألفاظ غريبة أو أماكن غير مشهورة أو أعلام مبهمة حتى يُيسر للباحث غير الملم بعض المعلومات التي تعينه على فهم النص.

وأما حديث الأستاذ السامرائي عن التقييدات في المخطوطات وفوائدها للمفهرس والمحقق، فاستهله ببيان أنواع هذه التقييدات فذكر منها:

1.    تقييد الشراء.
2.     تقييد الإعارة.
3.    تقييد المناولة.
4.    تقييد الإجازة، وهذا أهمها.

وأما  الفوائد العلمية لهذه التقييدات في توثيق ما يتعلق بالمخطوط فكثيرة جدا، منها:
1.    معرفة زمن المخطوط وعنوانه إن لم يكن معروفا.
2.     التحقق من نسبة النص إلى مؤلفه وعصر هذا المؤلف.
3.     الكشف عن تنقلات المخطوط.
4.     الاحتفاظ بتراجم لا يجدها المفهرس أو المحقق في الكتب الخاصة، فكثيرا ما يعثر فيها على ترجمة المؤلف نفسه أو المتملك أو الواقف أو المشتري.
5.    معرفة خطوط كبار العلمـاء كابن بشكوال ابن حجر والمقريزي.
6.    معرفة العلماء المهتمين بهذا الفن من العلوم أو ذلك،  ومعرفة بلدانهم، ومن أين جاؤوا، ومن ثم معرفة مجالس ومراكز العلم التي تعقد في البلاد الإسلامية، وأسماء المدارس العلمية، والحركة العلمية  في مختلف العصور والأقطار. وغير هذا كثير.

وقد أحال الأستاذ الكريم في هذا الموضوع إلى دراسة للأستاذ الدكتور عبد اللطيف الجيلاني، حفظه الله، في تحقيقه لكتاب “استدعاءات الإجازة” للإمام الحافظ الناقد أبي عبد الله ابن رشيد الفهري السبتي(721هـ)، من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المملكة المغربية، الطبعة الأولى 2007م.

اليوم الرابع: الكراسات والترقيم والمقابلة وغيرها في المخطوطات والإجازة والقراءة والسماع والطباق وغيرها
انطلق الأستاذ السامرائي في حديثه عن نظام الكراسات ببيان أصل تسميتها، وأوضح أنها كانت تسمى ملزمة أو مخزمة، وأن عدد أوراقها لا يتجاوز في الغالب عشر ورقات، وتعتمد الكراسة عادة على سعة الورقة أو سعة الطابق من الورقة، وسعة الورقة تعتمد على حجم القالب، فكلما كان القالب كبيرا كانت الورقة كبيرة، والعكس بالعكس، وترقم الكراسات في الغالب بالحروف. وتحدث الأستاذ عن فوائد  نظام الكراسات، إذ يعين المفهرس والمحقق على معرفة اسم المؤلف  وعدد مجلدات الكتاب إذا كان الكتاب يتكون من أكثر من مجلد أو إذا كانت النسخة ناقصة الأول والآخر، أو إذا كان عنوان النسخة مزورا، كما يساعد المجلِّد والمفهرس على ترتيب المخطوطة إذا ما تفككت أطرافها. وقد بيّن الأستاذ في كتابه “علم الاكتناه” «أن نظام الكراسات الرقيّة كان معروفا عند اليونان والرومان فتبعهم في ذلك السريان بعد أن شاعت النصرانية وعمّ استعمال الرَّق بدلا من ورق البردي، وتمَّ نقل النصوص من اللفائف البردية إلى الكراريس الرقيّة، ولهذا لم يكن غريبا أن يستعمل المسلمون وبخاصة أهل الحديث هذا النظام في مصنفاتهم في الأمصار المفتوحة» [علم الاكتناه العربي والإسلامي ص200].

وأما حديث الأستاذ عن الترقيم فقد أكد في غير ما محاضرة أن الأرقام المستعملة اليوم في الغرب (أوروبا) وفي بعض البلاد المشرقية وفي الأقطار العربية في شمال إفريقيا ليست عربية، وإنما هي هندية سنسكريتية آرية هندية جوبارية الأصل، والتي جاءت إلى الغرب من الترجمات العربية لكتب الحساب الهندي، ومن ثم ظنها الأوروبيون أرقاما عربية فسموها: Arabic Numerals، وقد انتقلت من الحساب الهندي إلى العربية فحافظ عليها الحسابون واستعملوها ثم انتقلت إلى المغرب والأندلس. أما الأرقام الشائعة في المشرق العربي فهي فنيقية ـ آرامنية ـ نبطية ـ تدمرية.

وأما المقابلة والتصحيح والقراءة والسماع… فإنها مصطلحات حديثية اختراعها اخترعها علماء الحديث النبوي، ثم قلدهم في ذلك من جاء بعدهم، وقد تحدث الأستاذ السامرائي باقتضاب شديد عن بعض فوائدها بالنسبة للمفهرس والمحقق.

وعاد الأستاذ للحديث عن الإجازات التي يجدها المفهرس ملحقة بأوائل أو أثناء أو أواخر المخطوطات، والتي قد يغفل المحقق أو المفهرس عن إيرادها أو حتى عن ذكرها، وهي تتضمن معلومات نافعة تخص المخطوطة، وتقدم قبل هذا كلام الأستاذ عن أهمية تقييد الإجازات بما يغني إعادته هنا.

وبعد انتهاء هذه المحاضرة قام الأستاذ رفقة فوج من المتدربين بزيارة ميدانية إلى المكتبة الملكية.
اليوم الخامس: التزوير وأساليبه في المخطوطات والوثائق وتدريبات عملية على فن الفهرسة

أوضح الأستاذ الدكتور السامرائي أن الحديث عن التزوير يحتاج إلى دربة ومِران وخبرة، وأنه ليس ظاهرة حديثة في عالم البشرية، وقد عرفته كل الأمم؛ إذ أن البشر دائما يود أن يحقّ حقّاً بناء على باطل، وهذا باطل، ثم سرد مجموعة من الأمثلة الحية على وقوع التزوير في عالم البشر عبر المراحل التاريخية وفي مختلف المجالات، ومن الأمثلة التي ساقها عن العصر الحديث محاولة إسرائيل إثبات  تاريخ لها في فلسطين، فعمل علماء الآثار بها جهدهم لإيجاد أدلة عن طريق الحفريات لصالح إسرائيل، ولما لم يجدوا شيئا زوروا بعض الآثار التاريخية، لكن وقف لهم الخبراء بالمرصاد وكشفوا عن تزويراتهم. ومن أكبر عمليات التزوير التي وقعت في التاريخ النصراني تلك التي حدثت عند انقسام الإمبراطورية البزنطية إلى شقين حوالي القرن الرابع الميلادي، وانتقال القسطنطين الكبير من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي (إستانبول)، حيث تمّ الإتفاق على نسخة موحدة للأناجيل المتعددة فرضتها الأمبراطورية بالقوة، وأدخلت فيها عقيدة التثليث، وبانتقال الأمبراطور إلى  الجانب الشرقي ادعى بابا روما سلفستر الأول أن قسطنطين الكبير ترك له الوثيقة المسماة: “هبة قسطنطين” منحه بموجبها السلطة الروحية العليا على النصرانية والسلطة الروحية والدنيوية على إيطاليا، وهذه الوثيقة التي ظل البابوات يستشهدون بها لتدعيم حقوقهم الواسعة في الغرب المسيحي إنما هي مزورة بل مزيفة كما برهن على ذلك لورنزو فالا في سنة 1440م.

وبالنسبة لوقوع التزوير في العهد الإسلامي كشف الأستاذ السامرائي عن عدد من النماذج التي تشهد بذلك وبخاصة ما يتعلق بالرسائل النبوية الشريفة، التي عمد المزورون إلى تزوير نسخ منها بشى الطرق وذلك رغبة منهم في بيعها وجلب الأموال الطائلة من وراء ذلك وقد تأتى لهم ما أرادوا حين استغفلوا بعض الأثرياء المهتمين بجمع النوادر، مع أنا زيفها لا يخفى على من له أدنى خبرة في معرفة أساليب التزوير وطرق كشفه.

وأما الشق الثاني المخصص للتدريبات العملية على فن الفهرسة فتمّ بفضاء المكتبة الوطنية، حيث تمرن الباحثون على طريقة الفهرسة بإجراء اختبار عملي في فهرسة إحدى المخطوطات التي لم تفهرس بالمكتبة، وقد اعتُمِد هذا الاختبار في منح الشهادات للباحثين المتدربين.

اليوم السادس: لقاء مفتوح للمشاركين في الدورة مع المحاضر  وزيارة للمكتبة الوطنية بالرباط
إضافة إلى المناقشات العلمية التي ميزت مختلف أيام الدورة رأى الدكتور السامرائي أن يخصص هذا اليوم لسؤالات الباحثين وطرح إشكالاتهم حول ما سبق عرضه أو تلك التي تتعلق بمجال بحثهم واهتمامهم، وقد أفاد الأستاذ الباحثين وكشف من التبس عليهم برحابة صدر وهمة عالية. وبعد هذا توجه المتدربون في زيارة ميدانية إلى المكتبة الوطنية، حيث تم التعرف عن كَتَب على كل المرافق التي تضمها، وعن كافة المراحل التي يمر بها المخطوط من دخوله إلى المكتبة إلى آخر مرحله إعداده ووضعه بين يد الباحثين والمهتمين، ولم يألُ المسؤولون جهدا في شرح وتوضيح تلك المراحل وتعريف الزوار بمختلف الآليات والتجهيزات التي تضمها المكتبة، وقد خرجوا من هذه الزيارة وأنفسهم منشرحة لكل ما قدم لهم  شاكرين لطاقم المكتبة سعة صدرهم وترحيبهم الدائم والمستمر بهم.

اليوم الأخير: تقديم الشهادات للمشاركين وزيارة ثانية للمكتبة الوطنية
وكان مسك الختام توزيع الشهادات على المشاركين الذين أتموا الشروط المطلوبة منهم من حضور كافة أيام الدورة وإعداد تقرير كامل عن أعمالها في حدود عشر صفحات وإعداد فهرسة تطبيقية والتي تم إطلاع الدكتور السامرائي عليها، فصححها وقومها، وقد تفضل شخصيا بتسليم تلك الشهادات.

وفي الختام أعرب المشاركون في الدورة عن شكرهم لمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، الذي بادر على تنظيم هذه الدورة التدريبية المفيدة وطالبوا بتنظيم دورات وأنشطة مماثلة تساعدهم على استكمال التكوين في الدراسات والأبحاث التراثية، والله الموفق والهادي.

——————–

إنجاز: د.مصطفى عكلي.

تعليق واحد

اترك رداً على مراد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق