مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير حول مؤتمر: التفسير الأدبي للقرآن الكريم: قضايا البلاغة والإعجاز البياني في رسائل النور للنورسي

فضيلة العزيزي

 شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة المؤتمر الدولي الثالث في التفسير الأدبي للقرآن الكريم في موضوع: قضايا البلاغة والإعجاز البياني في كليات رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي، بتعاون مع المجلس العلمي المحلي للجديدة ومؤسسة استانبول للثقافة والعلوم، وذلك يومي الثلاثاء والأربعاء 17/16جمادى الثانية 1433هـ الموافق ل 9/8 ماي 2012م.
وتمثلت الندوة في مدارسة لمأدبة القرآن الكريم من خلال زوايا متعددة بلاغية نظمية، ضمّت ثلة من الأساتذة والباحثين من المغرب وتركيا والجزائر والسعودية والهند، تطرّقوا من خلالها إلى مزايا القضايا العلمية والمعرفية التي وظّفها الأستاذ النورسي في تقريب المعاني القرآنية من خلال قوالب أدبية وبيانية مشوقة.
وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم والترحيب بالحضور، عرف المؤتمر مشاركة مجموعة من المتدخلين الذين أجادوا وأفادوا في الحديث عن إعجاز القرآن الكريم من الناحية البلاغية، يقول الدكتور حميد سمير أستاذ التعليم العالي بجامعة أم القرى في محاضرته القيمة تحت عنوان: “المعاني والمباني في النظم القرآني”، يقول: إن النورسي دأب على نفس نهج علماء التفسير وعلماء البلاغة وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني من قاعدة النظم لفهم معاني القرآن الكريم، وإذا كان الخطاب القرآني نظما متجانسا ونصا محكما قائما على النظام والإتقان والتناسب، فلا بد من ربط أول الكلام بآخره ومراعاة أحوال وأسباب نزوله لبيان معانيه ومقاصده، كما أن معرفة أساليبه لا تدرك إلا من خلال الإحاطة بالمدخل النظمي التركيبي المرتبط بالسياق. فالنظم والسياق هما مدار دراسة المعنى في الخطاب القرآني للوقوف على وجه الإعجاز البلاغي، وفي هذا السياق تأتي قراءة الأستاذ بديع الزمان النورسي لكتاب الله تعالى فقد قدّم النورسي في كتابه “إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز” قراءة علمية لمعاني القرآن الكريم من خلال تفسيره لسورة الفاتحة وثلاث وثلاثين آية من سورة البقرة، وهذا التفسير وحده كاف ليعطينا صورة عن المنهج الذي اتّبعه بديع الزمان النورسي في قراءته للوحي، فقد أعطى في عمله هذا معنى أوسع للنّظم حيث يبدأ من الجملة ثم يتوسع ليشمل سياق الآية فسياق النص عامة ثم يتعداه إلى سياق الحال ليشمل عالم المخاطبين الذين توجّه إليهم القرآن بالخطاب وهم الجمهور الخاص الذين نزل القرآن بلسانهم والجمهور الكوني العام باعتبار القرآن الكريم خطابا للناس دون اعتبار قيد الحال والزمان والمكان.
أما الدكتور محمد خليل جيجك عميد كلية الإلهيات بأنقرة فقد أكد أن العلماء لم يتركوا كبيرة ولا صغيرة في القرآن الكريم إلا وبحثوا فيها: من تاريخ القرآن، إلى قراءته، إلى تفسيره، إلى بيانه، إلى إيجازه وإعجازه، إلى بلاغته وبيانه. والشيخ النورسي من أولئك الأعلام الذين يحق أن يشار إليهم بالبنان مما قدمه من أعمال جليلة لكتاب الله تعالى من نواحي كثيرة. والشيخ النورسي لم يكتف بمنقولات  العلماء، ولم يقلد طريقة علماء علوم القرآن السابقين في سرد وجوه إعجاز القرآن، بل يتخذ من ذلك أساسا كي يبني عليها من البلاغة قصرا جديدا وبرجا مشيدا، ويأتي بجديد تستلذه القلوب البصيرة، وينهج نفس النهج حينما يطبق التنظير على الواقع الإعجازي لآيات القرآن الحكيم وكل ما سلف موجود في كتيبه صيقل الإسلام، وكذلك إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، والنورسي عندما يتناول الجانب النظري للبلاغة، فهو يهتم بجوانب أغفلها الأقدمون، منها:
1. التصوير الفني: الاعتناء بجانب البيان في الكلام من مجاز واستعارة وتشبيه… موظفا قوة خياله الواسع في فهم المعاني.
2. الأسلوب: فالأسلوب إذن هو قالب الكلام، كما هو معدن جماله ومصنع حلله الفاخرة.
3. إمداد قيود الكلام لمقصد الكلام الأساسي: وهنا نجد النورسي يهتم اهتماما بالغا بالقيود الكلامية من شرط، أو صفة أو ظرف أو مفعول أو غيره، وتجدر الإشارة إلى أن هذه القيود الكلامية اهتم بها البلاغيون سلفا وخلفا، لكن الذي تفرد به النورسي هو التركيز على حتمية تجاوب هذه القيود مع ما لكل واحد منها على حدته من الفوائد البيانية والنكات البلاغية للهيكل الرئيسي للجملة في الدلالة على المقصد الرئيس وتقويته وإعزاز شأنه في الكلام.
فالإمام النورسي رحمه الله اتخد من قراءته الجديدة لعلم البلاغة انفتاحا حقيقيا بالملاحظة وحقق توسيعا أصوليا له، وأوشك أن يكون بذلك واضعا لبعض أسس جديدة في البلاغة حيث جعل من -جواهر الكلمات- و-وجوه كيفيات الجمل ونظم الكلمات- و-وجوه المعاني الثانوية ومستتبعات التراكيب- … جعل من جميع ذلك بنية تحتية أنبتت سنابل في اللغة العربية في كل سنبلة منها قواعد رصينة وأصول دقيقة ربما لم ينتبه لها السابقون.
أما الدكتور عاشور مزيلخ من الجزائر فكانت محاضرته تحت عنوان –مفهوم القراءة والتواصل الأدبي عند النورسي-  وكانت محاور المداخلة كالآتي:
1. المتلقي وجمالية النظم بين المعاني والألفاظ.
2. طبيعة الخطاب تركيبا ودلالة.
3. المتلقي الأساس التداولي.
فأهمية القراءة والتواصل الأدبي عند النورسي هو موضوع يتناول الظاهرة الأدبية في جانبها التواصلي، وذلك لأهمية الخطاب ودور المتلقي في عملية الإبداع أي أثناء إنتاج الخطاب ولحظة تلقيه، ولحظة التواصل، وهذا ما تجسده رسائل النور للأستاذ النورسي في بيان مركزية التواصل الأدبي. واهتمام النورسي بنظرية النظم اقتنع بأسبقية المعاني على اللغة، حيث يؤكد أن اللغة ما هي إلا وسيلة للتعبير عن المعاني الباطنية للمتكلم، ولهذا كان اشتغاله بالخطاب في اتجاهين: الخطاب بالنظر إليه كبنية منسجمة ومتسقة، والخطاب من وجهة نظر القارئ وهو ما يمكن أن يعبر عن أكثر من معنى…
أما البناء الدلالي بين الألفاظ التي تحمل معنى أولا وبين الألفاظ التي تحمل معنى ثانيا، حيث ننتقل من مستوى التواصل العادي إلى مستوى التواصل المعقد واللجوء إلى السياق الخارجي دون الاكتفاء بالسياق الداخلي للخطاب فهذه كلها عناصر يبنى عليها الخطاب عند الأستاذ النورسي.
ويقول الدكتور أبو بكر العزاوي من كلية الآداب ببني ملال في محاضرته بعنوان –أسلوب الحوار والاقناع، نمادج من رسائل النور-: إن الحوار فعالية خطابية، وهو الأصل في الكلام، ويرى المنطقي السويسري (J.B.Grize) أن كل خطاب هو حوار سواء كان الحوار مباشرا أم غير مباشر صريحا أم مضمرا.
والإنسان بطبعه كائن حواري، والدليل على أهمية الحوار أن القرآن الكريم كله ذو طبيعة حوارية، ومن ذلك حوار الله عز وجل مع الملائكة، حواره تعالى مع إبراهيم الخليل، حوار نوح عليه السلام مع قومه، قصة صاحب الجنتين، قصة النمرود…
وإذا كان النورسي رجلا قرآنيا منهجه هو منهج القرآن، فكيف لا يكون رجل حوار وإقناع وحجاج وكيف لا تكون رسائل النور ذات منهج حواري إقناعي، وهو ما نجده حاضرا بقوة في كل قول أو شرح أو تفسير في رسائله. والدارس لرسائل النور يجدها ذات بنية حوارية، مرة مباشرة ومرة مضمرة، ومرة ذات طابع توجيهي إرشادي مع طلابه، ومرة في شكل مناقشة، ومرة في شكل مناظرة… هذا وتحدث الدكتور محمد خروبات عن معايير الأخلاق عند النورسي، حيث قال بأن رسائل النور تفردت عن سائر الكتابات الموجودة في موضوع القيم والأخلاق بالجدية والرصانة مع الدقة والغيرة والأصالة، ونحن الآن في حاجة إلى الكشف عن هذه المعايير، وهي كثيرة ومتنوعة، منها:
1. بيان سؤال الأخلاق عن النورسي: يتجه سؤال الأخلاق عند النورسي إلى ناحيتين: أولها-العيش على صواب- وثانيها –تحقيق التطور وتفعيل النمو-.
2. بيان سلبيات الفعل الغربي في الأخلاق الإسلامية: ويُرجع النورسي ذلك كله إلى أمرين: الأول تفشي روح الاستبداد، والثاني انتشار الأخلاق الذميمة النابعة من مجافاة الشريعة الإسلامية ومخالفتها.
3. بيان الأصناف البشرية من معيار الأقسام الخلقية: صنف ذو خلق حسن، صنف ذو خلق سيئ، صنف ثالث يمتزج فيه النوعان معا.
4. بيان معيار الإصلاح والتدافع: وهذا يتطلب إصلاح النفس أولا، ثم الدفع بالنفس الصالحة في مجريات الحياة العامة بمقتضى قوله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً). سورة البقرة، الآية 249.
5.  بيان معيار الخير والشر.
6. بيان جذور شجرة الأخلاق عند النورسي: تقوم شجرة الأخلاق عند النورسي على ثلاثة جذور:
• بيان جذر الزمان: فيرى النورسي أن رأس مال حياة الإنسان هي هذه الأربع والعشرين ساعة، فساعة واحدة كافية لأداء الصلوات المفروضة بينما يصرف الباقي في كسب الحاجيات من أمور الدنيا.
• بيان جذر المكان: فالمكان أيضا نعمة من الله لم يخلقه له بل للعمارة، والاستخلاف، ولا فرق عند النورسي بين  المسجد والسجن، فالسجن قد تنعدم فيه الحرية إلا حرية العبادة.
• بيان جذر الإنسان: وهو أهم جذر، فكل شيء يبدأ من الإنسان وينتهي إليه.
هذا ولم تخل المداخلات من إثارة لبعض القضايا التي تدخل في صميم الموضوع فكانت فرصة للمحاضرين لمزيد من التوضيح والبيان.

نشر بتاريخ 21/05/2012

تعليق واحد

  1. كتبت ورقة عنوانها:بديع الزمان النورسي و اكمال نظرية النظم و حظيت بالقبول عند المؤتمر و لكن مع الاسف لم استطع ان اشارك في المؤتمر و لا أدري هل طبعت مجموعة المقالات أم لا؟
    كيف استطيع ان احصل على خبر؟

اترك رداً على هادي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق