مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير حول الندوة الدولية: تدريس اللغة العربية: الحصيلة والآفاق

الجلسة الأولى من اليوم الأول:

نظمت كلية الآداب  والعلوم الإنسانية بتطوان بتعاون مع فرقة البحث الأدبي والسيميائي، ندوة دولية حول تدريس اللغة العربية: الحصيلة والآفاق.

وذلك يومي الأربعاء والخميس 25 و 26 نوفبر بكلية الآداب بتطوان، وقد افتتحت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم. ثم أعطيت الكلمة للدكتور عبد الرحمن بودرع الذي ترأس الجلسة مرحبا بالضيوف والمشاركين،

ومعرفا بأهمية موضوع الندوة الذي يتجلى في تدريس اللغة العربية. بعدها أعطيت الكلمة للدكتور عبد الهادي أمحرف الذي أشار إلى أن هذه الندوة تأتي في سياقات متعددة، وذكر أن أهمية الندوة تأتي في الوقت الذي يتم فيه تكوين المجلس الوطني للغات والثقافة بالمغرب، ومن بين مهام المجلس النظر في مسألة تدبير التعدد اللغوي في المغرب ومنها اللغة العربية، وإعطاء تخطيط بديل على جميع المستويات لهذه اللغة وأساسا على مستوى التعليم.

بعدها تطرق الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي، إلى أن طرق تدريس اللغة العربية كلها محتاج إلى مراجعة وتأمل وإعادة نظر إذا أريد لهذه اللغة أن يكون لها جمهور، حيث تطورت أدوات التلقي في هذه السنوات الأخيرة، وعجز كثير من شيوخ العلم عن استعمال الأساليب الحديثة للتواصل.

وفي كلمة للدكتورة سعاد الناصر ذكرت أن أهم علامة لرقي الأمة هي اللغة، واللغة العربية تمتلك من مقومات الصحة والقوة والجمال على خلاف ما يشاع عنها ويراد لها، فهي تظل قيمة أساسية في حياة أمتنا، وفي سياق حديثها ذكرت أنه من هذا المنطلق كان اختيار شعبة اللغة العربية في إقامة هذه الندوة الدولية، حيث يشارك فيها مجموعة من المشاركين من دول شتى.

وقد استهلت الجلسة الأولى بمداخلة الأستاذ الدكتور منير البسكري بعنوان: مقررات اللغة العربية في التعليم الجامعي بين تواصل العلوم والإفادة من إنجازات العصر. حيث ركز فيها على أسس كثيرة منها الأساس الأخلاقي لوضع برامج التعليم، ومقرراته ومواكبة العصر، وفي الإعلام والوسائل والتقنيات، ولفت النظر إلى ضعف برامج التعليم في البرامج والمقررات التي تتعلق باللغة العربية، كما تطرق إلى أهمية التعليم الجامعي، ووظيفة الجامعة في تغيير قاعدة التلقين إلى قاعدة الاستيعاب والتحليل والنقد، ثم أشار إلى وظيفة الجامعة في تخريج الفرد الصالح لوطنه، وضرورة هذه المقررات التي تؤهل الطالب وتهيئه لخدمة أمته.

وتلتْ هذه المداخلة مداخلة الدكتورة الحسنية علوي إسماعيلي، حيث تعرضت فيها لتنوع مناهج التدريس، واضطرابها وأثرها في تعدد اللهجات، وتداخلها ولتعدد المواد الدراسية، وقلة حصص اللغة العربية، وكذلك صعوبات وعوائق ذاتية وموضوعية أدّت على تعذّر مهمة تلقين اللغة العربية في ظروف مناسبة وتحقيق الغايات المرجوة، ثم إعطاء بعض الأمثلة  لبعض الأعمال الأدبية والروائية وبعض المقررات التي لا يتحقق فيها التجانس والانسجام في إعطاء رؤية منهجية تربوية للطلاب، ثم قدمت كذلك آفاقا لتدريس العربية، منها: العناية المركزة في المعجم، وتداول المعاجم، ثم الابتعاد عن الخلط بين العربية واللهجات المجاورة، ثم ضرورة مراجعة المنهاج وتوفير الفضاء للقراءة وتنمية مدارك القراءة، وخلصت إلى استنتاجات منها ، أنه لا بد أن يُنَمَّى حس اللغة العربية عند الطلاب وبهذه الطرق المتعلقة بالنظر في المنهاج.

وفي مداخلة للدكتور باسم يونس البديرات بعنوان: الكفايات اللازمة لمعالجة اللغة العربية وأثرها في تطوير تدريس اللغة العربية، وقد تطرق إلى نقاط كثيرة منها: مشكل عدم وجود كفايات لازمة بمعدل اللغة العربية، وعرف الكفايات تعريفا عاما وخاصا، وعمق البحث في ضرورة تقوية هذه الكفايات بالعربية، وذلك بالوصول إلى تقارير باللغة العربية من الطلاب وتنميتها، وكذلك يستلزم العناية من أنفسهم بالكفايات وإعدادهم الإعداد الحسن للقيام بهذه المهمة.

وبعدها أعطيت الكلمة للدكتور صالح النصيرات في مداخلة بعنوان: تدريب معلمي اللغة العربية في ظل معايير التعلم. وقد عالج فيها  قضية نقد طرق التفاعل مع قضية العربية ورثائها ونعيها، كما هو سائد الآن، ثم تعرض للحديث عن تدريب معلمي اللغة العربية والذي يتجلى في كسب مهارات وقدرات عملية، وذلك بتوصيل اللغة العربية وتلقينها، وأشار كذلك إلى التطوير المهني لمعلمي العربية الذي ينبغي أن يكون وفق مجموعة من المعايير، معايير التعلم منها ضرورة انسجام القراءة مع الوظائف التي سيؤديها المتعلم، ومنها تحديد احتياج المتعلمين، وتدريبهم على إدارة صف أو قسم، وعلى النطق بالعربية مباشرة قبل تعلم القاعدة وهو إطار تلقين مباشر بإزالة هذا الحاجز.

وختمت هذه الجلسة بمداخلة للدكتور صالح القموني بعنوان: ظاهرة الضعف اللغوي في البحوث العلمية المشاكل والحلول، وقد ذكر نقاطا عديدة تشخص الضعف وهذا الهبوط في المستوى اللغوي للبحوث الجامعية والبحوث العلمية عموما، وفي عرضه حاول أن يلفت النظر للاهتمام بالضعف في البحوث العلمية، وبين بعضا من مظاهرها أهمها كثرة الأخطاء التي تعصف بأهمية المضمون في البحوث العلمية ؛ فالمضمون قد يكون علميا ذا قيمة عالية، ولكن الصياغة اللغوية تحط من شأنه، بالإضافة إلى نظرة غير المتخصصين السلبية إلى اللغة العربية، وكذلك ضعف إعداد مناهج التعلم في العربية، وضعف أداء الطلاب وأيضا وسائل الإعلام وما تمتلئ به من أخطاء، وإسهامها في ترسيخ هذه الأخطاء في نفوس المتلقين،  ثم البعد عن كتب التراث العربي والانصراف عنه بسبب متغيرات ومستجدات، وكذا تأثير اللهجات في العربية الفصحى خاصة في مواطن التعدد اللغوي، ثم عدم تمكن المترجمين من اللغتين العربية والأجنبية، ثم أكد أن اللغة ليست حروفا وأصواتا فقط، بل هي فكر وحضارة وتاريخ، ولذلك لا بد من تقوية المهارات اللغوية، وتحسيس الطلاب بهذا التكامل وبهذه الكلية. ومن مظاهر الأخطاء في البحوث العلمية أخطاء في الإملاء والصرف والنحو وضبط الكلمات والقراءة السليمة، وهي مهمة جدا تعوز كثيرا من الطلاب والمتعلمين. وقد ذكر مجموعة من الحلول منها إصلاح تعليم العربية بالمعنى الشامل، ثم إقامة دورات تكوينية تدريبية ثم مراعاة العربية والالتزام بها، ثم القراءة وإعادة التقويم الشخصي لمستوى الطلاب، ثم توسيع فضاء التعامل مع اللغات، وهي حلول  مقترحة ينبغي أخذها والعناية بها.

الجلسة الأولى من اليوم الثاني:

ترأست الجلسة الأولى من اليوم الثاني للندوة الدولية الدكتورة الجليلة جميلة رزقي، وأعلنت في البداية افتتاح الجلسة ثم أعطت الكلمة للدكتور عبد الرحمن بودرع ليتفضل بإلقاء مداخلته.  

تطرق الدكتور عبد الرحمن بودرع في مداخلته هذه  إلى حال اللغة العربية في الجامعات المغربية خصوصا والجامعة العربية عموما، والمنافسة الشرسة التي تلْقاها اللغة العربية إلى جانب اللغات الأخرى، وفسرها بمعنى معاناة اللغة العربية، وذلك أنها ليست من اللغات الأساسية في مناهج التعليم ، وأن الخطر يحدق بها من كل جانب. إن الأستاذ يشخص لنا الداء ويقترح لنا الدواء، ويبين دور الإعلام في إقصاء اللغة وتهميشها، كما أشار إلى البحوث العلمية التي تنجز في عجل وتركن في رفوف المكتبات، حيث إن بعضها لا يرقى إلى مستوى البحث العلمي بل الغرض الأساس هو نيل الشهادة. كذلك أشار إلى الأخطاء اللغوية التي تكون في هذه الأطاريح الشيء الذي يخل بالمعنى المنشود، ويلح الدكتور عبد الرحمن بودرع على ضرورة تعليم الطلبة النصوص وتدريبهم على قراءتها ، ونبه إلى معاناة اللغة  العربية في الأسلاك الثانوية والدراسات العليا، والتي لا تفضي إلى النتائج المحمودة والمنشودة ، كذلك تكلم على شيء سماه أعز ما يطلب، وهو مناهج البحث في الجامعات المغربية، لأن المنهج السديد في التفكير يكاد يكون منعدما، وتحسَّر على ما أصاب البحث العلمي من ضعف وترد في النتائج ، وأشار إلى أهمية إحياء التراث اللغوي.

و في مايلي أعطيت الكلمة للدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش، الذي تحدث في مداخلته هذه عن مفهوم الكفاية المعجمية في اللغة العربية، وهو مصطلح تتقاسمه مجموعة من الحقول المعرفية، حيث اشتغل عليه تشومسكي في اللسانيات واعتبره بمثابة المعرفة اللسانية الضمنية، كذلك تحدث عن المعجم الذي يقوم على نظام معرفي وهو منتظم تنظيما محكما، ثم انتقل إلى الحديث عن المعرفة السوسيولوجية  ثم تنظيم الكفاية المعجمية ، ثم تطرق إلى الخصائص الملقية، الصورة والصواتية والخصائص الصرفية، ثم بعد ذلك الخصائص المقامية والبلاغية ثم تطرق إلى الكفاية الموسوعية التي هي جزء من الكفاية المعجمية، ثم تحدث عن الانفكاك الفردي القائم على مستويين تجريديين، ثم تحدث عن الجذر والمدخل المعجمي ، الجذر الذي يتمثل في الخلية البيولوجية التي يساق منها المعجم اللغوي، ثم تحدث عن المدخل المعجمي الذي هو عبارة عن قدرة موسوعية وختم بتحديد الخصائص المعجمية.

     في حين تطرق الدكتور عدنان أجانة إلى الحديث عن النحو باعتباره ركنا أساسيا من أركان  اللسان العربي ، كما قام باستحضار النحاة الذين قاموا بتجديد النحو وتيسيره ، وبين أن النحو العربي تعتريه صعوبات من جهتين: الأولى من جهة مادته والثانية من جهة منهجه. وتحدث عن مؤلفات نحوية ونظرية أصحابها، ثم عن صناعة النحو الذي كثر الخلاف بين أصحابه ، كما أن التضخم أدى إلى صعوبة في النحو بالإضافة إلى الكم الهائل من المؤلفات النحوية وتنويع المناهج عند النحويين، وأشار إلى آفة تدريس النحو وهي مزج النحو مع غيره من العلوم حيث ارتبطت صناعة النحو قديما بالكتب، ومن الآفات المنهجية فصل النحو عن القرآن الكريم لأنه ارتباط شرعي بالأصل. وذكر أن من أهم المناهج التي كان يدرس بها النحو الملازَمَة، وأتى لنا بمثال ابن جني في ملازمته لأستاذه الشيخ أبي علي الفارسي، ثم تطرق إلى التفرغ وأتى لنا بنموذج نحوي أندلسي هو أبو الحجاج البلنسي، الذي أفنى عمره في تدريس النحو ثم أتانا بالمناظرة وهي اختبار المخاطب بالنحو ومدى معرفته بهذه المادة، ثم أخيرا الطريقة الحديثة في تدريس النحو وإدراج مناهج التدريس الحديثة في دراسته ثم الانفتاح و التجديد في الأمثلة . 

    ومن جهة أخرى  تطرق الدكتور عبد الاله المرابطي في مداخلته إلى موضوع: تدبير التعددية اللغوية في الوسط المدرسي – الانتقال من الطابع التجريدي إلى الطابع التطبيقي- والنظر في الثنائية اللغوية للطفل التي تتمثل في الذهن، وذكر أن المعرفة اللسانية تنتظم في إطار واحد يتوزعه فيما بعدُ نظامان لإدماج اللغة، بعدها أشار إلى المشاكل التي يتخبط فيها التعليم في المغرب،و الاعتراف بأن المدرسة أضحت تنتج لنا تلاميذ معوقين لا يقدرون على الكتابة ولا على القراءة، وقد ذكر أن اللسانيات التطبيقية تسمح بتقديم الإطار المناسب لهذا المشكل، كما أبرز مظاهر توظيف اللسانيات مشيدا في ذلك بالتعليم المتعدد اللغات ، واصفا بذلك العولمة بالشبح الذي يتربص بنا وبلغتنا وبهويتنا.

 بعد ذلك قدم نبذة عن السياسة التعليمية وفصَّل القول فيها باقتراح حلول لها، ونبه على أن الشروع في تعليم اللغة الأجنبية ليس عيبا ولكن يجب أن يكون في السن المثالي وهو عشر سنوات، وأشار إلى ما يعيشه الواقع اللغوي بالمغرب والذي يتسم بالاضطراب.

الجلسة الثانية من اليوم الثاني:

وقد ترأس الجلسة الثانية من اليوم الثاني للندوة الدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش، وفي البداية شكر رئيسُ الجلسة المحاضرين والمحاضرات القادمين من مناطق بعيدة للمشاركة في هذه الندوة العلمية، وبَيَّن أن هذه الجلسة ستحاول أن تناقش إشكالية أساسية، وهي إشكالية معايير الجودة في التدريس والتحصيل. بعد ذلك تقدم بالشكر الجزيل للدكتور محمد العلوي العبدلاوي الذي قدم المداخلة الأولى من الجلسة الثانية، معبرا عن اعتزازه بمشاركة الدكتور العبدلاوي في هذه الندوة الفكرية، وهو أستاذ بكلية الآداب سايس فاس، له مداخلات  ومقالات وكتب قيمة من أهمها كتاب الرؤية النقدية عند ابن الأثير.

  وقد تطرق الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي في مداخلته الموسومة بتجليات الضعف اللغوي عند طلبة شعبة اللغة العربية وأسبابه، إلى الحديث بداية عن اللغة باعتبارها ضمير الأمة وأبرز مظهر في سلوكها، وعن ضرورة الحفاظ عليها نقية سليمة، وأشار إلى وجوب الاهتمام بطلبة العلم الوافدين على الجامعة المتخصصين في اللغة وآدابها، مُرَكزا حديثه على اللغة العربية التي شرفها الله سبحانه وتعالى فجعلها وعاءً حفظ فيه الذكر الحكيم وأعز بها العرب جميعا .

 وأكد فضيلة الدكتور العبدلاوي أنَّ مسؤولية اللغة العربية لا تقع على الطالب الجامعي وحده، وإنما تتقاسمها مجموعة من الأطراف من مفكرين وأدباء وسياسيين، وفي هذا السياق تعرض الدكتور إلى إبداعات الأدباء الكبار الغيورين على اللغة العربية منذ مطلع القرن الماضي وأبرزهم عباس محمود العقاد صاحب كتاب «اللغة الشاعرة»، وشاعر النيل حافظ إبراهيم الذي أبدع قصيدة على لسان اللغة العربية تتحدث فيها عن نفسها وتشكو إهمال قومها لها، كما ذَكَّر الحاضرين ببعض أبياتها نظرا لأهميتها، وتحسّرعلى خلو الكتب المدرسية في عهدنا هذا منها، وهي التي كانت من قبل تتصدر الكتاب المدرسي خاصة في سنوات التعليم الابتدائي.

     ونبه الدكتور أيضا إلى وضعية الطالب اليوم، الذي أصبح يشكو من ضعف الملكة اللغوية التي تنعكس على الأخطاء التي يقع فيها على مجموعة من المستويات، كما نبه إلى شيوع هذه الظاهرة ووجوب رصدها من قبل الجهات المعنية، وتقديم الحلول الكفيلة بعلاجها والتصدي لها، وقد أرجع الدكتور العبدلاوي أغلب الأسباب التي أدت إلى ضعف الملكة اللغوية عند طالب شعبة اللغة العربية، إلى مخلفات المراحل التعليمية لما قبل المرحلة الجامعية وصنف هذه الأسباب إلى نوعين: 

– النوع الأول عبارة عن أسباب تتعلق بالمنهج المتبع في تدريس اللغة العربية وفي اختيار الكتاب المدرسي وبتطوير المهارات واكتساب اللغة العربية، وقد أدرج تحت هذا النوع ثلاثة عشر سببا فرعيا. 

– والنوع الثاني عبارة عن أسباب تتعلق بمؤثرات خارج المؤسسة التعليمية، وأدرج تحت هذا النوع أيضا ثمانية أسباب تضافرت فيما بينها، وأدت إلى ضعف التحصيل اللغوي لدى طالب شعبة اللغة العربية في الجامعة المغربية.

ووقف عند نقطة أساس تتعلق بمدى نجاعة الكتاب المدرسي المعتمد لدى وزارة التربية الوطنية في مراحل التعليم الابتدائي، لما لهذا الكتاب من تأثير خطير ومباشر يمتد أثره حتى يصل إلى المرحلة الجامعية، وفي خضم الحديث عن هذه النقطة الأساس- كما وصفها – تتبع الدكتور المراحل التاريخية التي قطعها إنجاز هذا الكتاب، موضحا الأخطاء البيداغوجية والتنظيمية التي سقطت فيها الوزارة، أو غضت الطرف عنها على حد تعبيره ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، محددا العوامل التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة، والتي كانت منتظرة من هذا الكتاب مبينا خلوه من أبرز سمات الكتاب المدرسي، الكفيل بتطوير الملكة اللغوية وبتحقيق الكفاية التعليمية.

       وقد أنهى مداخلته هذه بتفهمه لمعاناة الجيل الجديد من طلبة شعبة اللغة العربية مع هذه اللغة، هذا الجيل الذي تربى في نظره على لغته العربية في كتب مغلوطة، مع إسهام مجموعة من العوامل الأخرى التي شكلت عائقا أمام تحصيله اللغوي. وختم أيضا بسؤال عبر فيه عن استنكاره للمستوى اللغوي الذي ينتظر من هذا الجيل المظلوم على حد تعبيره.

وفي ختام هذه المداخلة جدد رئيس الجلسة شكره للدكتور العبدلاوي على هذه المداخلة القيمة، ثم أعطى الكلمة إلى الأستاذة الفاضلة ختام سعيد سلمان وهي باحثة فلسطينية لها مجموعة من الأبحاث، ومعروفة بعديد من المداخلات في ندوات دولية، وقد عبرت الدكتورة في البداية عن شكرها للجنة المنظمة وعن سعادتها بوجودها في المغرب على الرغم من طول المسافة التي قطعتها حتى تشارك في هذه الندوة الدولية.

       عالجت الدكتورة ختام في مداخلتها هذه قضيةَ أساسية من القضايا التي كانت ولا زالت تطرح نفسها بشكل مستمر وهي قضية اللغة العربية وسوق الشغل، وبدأت مداخلتها ببيانها أن جميع الدساتير العربية تنص على أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية، كما أنها رمز للسيادة الوطنية والانتماء والحرية وبناءً على ذلك يجب على جميع المؤسسات التعامل بها.

     وأشارت الدكتورة إلى الهجمة الشرسة التي شهدتها اللغة العربية في ظل الثورة التكنولوجية وسياسة التغيير الثقافي، والتي كان من أبرز نتائجها عزوف أبنائها عن دراستها والاستخفاف بها، واعتبارها لغة عاجزة عن مسايرة العصر ومواكبة الركب الحضاري، كما أشارت إلى الصراع القائم بين اللغة العربية واللغات الأخرى خاصة اللغة الإنجليزية والفرنسية، والذي ترتب عنه إقصاء اللغة العربية عن سوق العمل.

ونبهت الدكتورة إلى وجود فجوة واسعة بين التعليم وبين متطلبات سوق العمل، الناتج عن عدم وجود تنسيق بين الجامعات وسوق العمل، مما أدى إلى انتشار البطالة بين خريجي الجامعات ، وكذلك وجود فجوة بين ما يتعلمه الطلاب في الجامعات من دروس نظرية وبين سوق العمل، نظرا لعدم تركيز الجامعات على الجانب التطبيقي والعملي، إلى جانب سيادة الطرق التقليدية في التدريس مما يشكل عائقا أمام اندماج هؤلاء الخريجين في سوق العمل. ولحل هذه المشكلات اقترحت الدكتورة مجموعة من الحلول أبرزها وجوب مراجعة الجامعات لخططها المدرسية وإعادة هيكلتها بما يتناسب وسوق العمل، وكذلك عقد شراكات بين الجامعات وسوق العمل الممثل في مؤسسات القطاع العام والخاص بغية سد هذه الفجوة العميقة.

      وأكدت الدكتورة في نهاية مداخلتها على أن سوق العمل العربي لا يقيم وزنا للشهادات الجامعية، نظرا لانتشار البطالة بين صفوف الإناث – في مجتمع عربي محافظ – أكثر منها بين صفوف الذكور، مع العلم أن هناك تفوقا عدديا ملموسا بين عدد الدارسات، الذي يفوق بكثير عدد الدارسين وذلك أبرز التحديات التي يعرفها عالمنا العربي، وفي مقابل ذلك أشارت الباحثة إلى اهتمام الطلاب من خارج نطاق الوطن العربي باللغة العربية، وانكبابهم على دراستها خاصة في ماليزيا وأمريكا أيضا.

بعدها أعطيت الكلمة للدكتورة مسعودة خلاف شكور، وهي أستاذة محاضرة بجامعة محمد الصديق بن يحيى بالجزائر، والتي تقدمت بدايةً بشكرها لرئيس الجلسة واللجنة المنظمة لهذه الندوة العلمية، وذكرت أن مداخلتها ستمد فيها جسرا بين مداخلة الأستاذ عبد الإله المرابطي في الجلسة السابقة، كما أنها ستستعين بالنتائج التي سردتها الدكتورة ختام في مداخلتها لتؤكد النتائج التي كانت قد توصلت إليها من قبل.

       وأثناء  مداخلتها هذه تحدثت عن موضوع تعليمية اللغة العربية بين الاستمرارية والانقطاع، وهي عبارة عن معاينة لواقع أبحاث اللغة العربية في الجامعات الجزائرية، في سياق الحديث عن تعليمية اللغات هذا العلم الناشئ وما يمكن أن يقدمه للغات خاصة للغة العربية، من خلال الاطلاع على الأبحاث التي تبحث في مشكلات هذه اللغة وقضاياها معاينةً من جهة الاستمرارية والانقطاع.

وفي خضم  مداخلتها عرضت  الجهود المركّزة  على مشاكل اللغة العربية، وذلك من خلال معاينة أبحاث رسائل الماجستير والدكتوراه منذ مطلع هذا القرن، والتي كانت منصبة حول موضوع تعليمية اللغات ، محاولة إعطاء الحلول والبدائل سواء في مواضيع المقررات أو في المقاربات التعليمية، وأشارت إلى أن هذه البحوث كانت مسبوقة بخبرة أطرتها الجامعات الجزائرية، بفتح تخصصات لطلبة الماجستير خصيصى في موضوع تعليمية اللغات وعيا منهم بأهمية هذا التخصص المعرفي.

لكن في مقابل هذا الكم الهائل من الأبحاث التي أُنجزت، وهذه الجهود والرسائل التي تطرح حلولا وبدائل حين نأتي إلى الجانب التطبيقي، لا ترى هذه البحوث طريقها إلى النور وعلى حد تعبيرها فإن كل هذه الرسائل تبقى في رفوف المكتبات، وعلى الرغم من كثرة هذه الأبحاث والمقاربات الموجودة لتعليم اللغات، خاصة المقاربات الموسومة بالتعليم المبكر للغات والتي أثبتت نجاعتها بعد عملية التطبيق، فإن الجهات الوصية لا تلجأ إلى هذه الأبحاث والمقاربات على مستوى الهيكلة المؤسساتية، على الرغم من كثرة مختبرات البحث العلمي.

وقد مثلت الدكتورة لمقاربة تعليم اللغات بمقاربة الدكتور عبد الله مصطفى الدنان،  وهي مقاربة رائدة طبقها في مجموعة من الدول العربية، إلا أننا لا نجد لها وجودا في مدارسنا ولا تَبَنّياً من قبل الجهات المسؤولة، علما بأنها أثبتت حقيقة علمية مفادها أن دماغ الطفل مبرمج آليا ويستطيع أن يأخذ من صفر إلى ثلاث سنوات ما مجموعه ثلاث لغات في الآن نفسه.وختمت الدكتورة مداخلتها ببيان أهمية مثل هذه المقاربات العلمية التي لو طبقت لأنتجت طالبا متحصنا باللغة العربية، وباحثا مكونا يتقن لغته ولغة غيره أيضا، وحتى يكون انتسابه إلى شعبة اللغة العربية انتساب قوة وليس انتساب ضعف.

بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى الدكتورة مليكة ناعيم، وهي أستاذة بكلية اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، وهي باحثة في الإشكاليات الاصطلاحية وقضايا المعجم القرآني وفي اللغات والتفاسير، استهلت مداخلتها بتعبيرها عن شكرها للجنة المنظمة على إتاحة الفرصة لإلقاء موضوعها الموسوم بالتحديات التي تواجه دراسة اللغة العربية، كما يراها طلبة تخصص الدراسات العليا بجامعة القاضي عياض.

وكانت هذه المداخلة عبارة عن دراسة ميدانية أجرتها الدكتورة مليكة ناعم بشراكة مع الأستاذ الفلسطيني إدريس جرادات، وقد انبثقت هذه الدراسة من مفارقتين مرتبطتين باللغة العربية وبالضبط مكانتها العالمية والدينية والتاريخية والوطنية، باعتبارها أقرب اللغات إلى اللغة السامية، وأنها أعرق اللغات الحية تاريخا وأطولها عمرا وأنها ضمن اللغات التي تنبأ لها الخبراء بالخلود.

ومن ناحية ثانية فهي اللغة الرسمية للمغرب منذ أن دخلت إليه، والأولى بعد إقرار الأمازيغية لغة رسمية ثانية، وأن تأثيثها واستعمالها في مختلف مجالات الحياة والعلم من آكد الطموحات الوطنية، أمام ما تعيشه من استخفاف أبنائها بها وعزوفهم عنها وإقصائها من مكانها الطبيعي، وأمام الزحف الإعلامي الشرس الذي يروج أنها تعرقل مسيرة  التطور وأن هذا الأخير رهين بلغة أخرى غيرها.

وذكرت المحاضرة أن هذه الدراسةأجريت على ثلاثين طالبا وهو عدد طلبة ماستر الدرس اللغوي والخطاب القرآني، الفصل الأول من السنة الجامعية 2013 /2014 وبالنسبة للمنهج المتبع فقد تم الاستناد على مجموعة من الآليات، بدءا بإعداد استبانة وتوزيعها على الطلاب مرورا بإعطاء الاستبانة لمحلل إحصائي، وانتهاءً بتحليل النتائج لاستخلاص التوصيات الممكنة.

كما تم تقسيم الاستبانة على خمسة عناصر؛ الأولى تتعلق بالطالب والثانية تتعلق بالمدرس بينما تتعلق الثالثة بطرق التدريس والرابعة بالبيداغوجية والخيرة بالمجتمع المحلي، وبالنسبة لمتغيرات الدراسة فقد تكونت من الجنس والعمر وتخصص الباكلوريا، ومدى تمكن الطالب من اللغات بالاضافة إلى سكن الطالب، أما بالنسبة للمعايير فهي مختلفة بحسب الفقرات حيث تنوعت ما بين«محفز  / تحدي قوي  / ضعيف ».

وبناءً على هذه المعايير، خلصت الأستاذة إلى إحصائيات دقيقة ضمنتها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تواجه طلبة شعبة اللغة العربية، كما ضمنتها مجموعة من المقترحات التي كانت في نظرها كفيلة برفع الحرج عن التحديات التي تواجه طلاب الجامعات المتخصصين في اللغة العربية.

وقد ختمت هذه الجلسة بمحاضرة للأستاذ عبد العزيز آيت أحمد، وهو باحث يشتغل على أدب الأطفال في المغرب وفرنسا ، وعبر في البداية عن سعادته بوجوده في هذه الندوة الفكرية وعن شكره للأساتذة الأجلاء والطلبة الأكفاء الذي يحملون في نظره همّ اللغة العربية.

وبدأ الأستاذ المحاضر مداخلته الموسومة بتدريس اللغة العربية بالنسبة لفئة هامة وهي فئة أطفال الجالية المغربية المقيمة بالخارج بصفة خاصة، والجالية العربية بصفة عامة، وقد عالج الباحث هذا الموضوع من ثلاث وجهات نظر ، الأولى وجهة النظر التاريخية ثم النظرية وأخيرا الميدانية.

فمن الوجهة التاريخية أشار المحاضر إلى الجدل الذي احتدم منذ عدة سنوات من قبل الجهات السياسية حول موضوع تدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية، على اعتبار أن هذا التعليم يشكل إغناءً معرفيا للطفل الفرنسي من أصول عربية، وأشار في هذا السياق إلى القرار الذي تبناه المجلس الأعلى للاندماج في فرنسا والذي يدعو إلى حذف هذا النوع من التعليم، على الرغم من أن الدراسات العلمية أكدت على ضرورة الحفاظ على اللغة والثقافة الأصليين، ودورهما في تنشئة الطفل ذي الأصل والهوية العربية، خاصة بعد قرار اللجنة الأوروبية القاضي بإقرار تعليم اللغة والثقافة، كحق من حقوق أبناء العاملين والمهاجرين العرب في البلدان المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي استجابة للطلب المتزايد لهؤلاء.

ومن الوجهة النظرية أكد المحاضر على أن السلطات الفرنسية بعد هذا القرار أصبحت بين توجهين،  يتمثل التوجه الأول في الحفاظ على اللغة والثقافة الأصل لأطفال المهاجرين الراغبين في العودة إلى وطنهم الأصل، أما التوجه الثاني فيتمثل في إدماج المهاجرين الراغبين في الاستقرار نهائيا في فرنسا.فمنذ بدء تطبيق سياسة التجمع العائلي للمهاجرين، بدأ التفكير في سياسة النظام المدرسي والأخذ بعين الاعتبار خصوصية أطفال هؤلاء المهاجرين، وعلى حد تعبيره فكل طفل يحمل هوية ثقافية ولغوية استمدها من داخل أسرته، ثقافة تختلف ثقافة البلد المضيف، وعن الثقافة المروجة في المدرسة الأوروبية أو الفرنسية على وجه الخصوص.

ثم انتقل المحاضر بعد ذلك إلى الحديث عن وجهة النظر الميدانية، التي قام بها داخل قسم لتدريس اللغة العربية والتي خَلُص على إثرها إلى أن نظرة الأساتذة الفرنسيين إلينا – نحن العرب – تبقى نظرة سلبية، مترتبة عن نظرتهم إلى النظام التعليمي في البلدان العربية، من خلال التقارير الدولية وهي نظرة سلبية أيضا، وأن تدريس اللغة العربية يعرقل بناءهم في تلقين اللغة الفرنسية للأطفال، خاصة على مستوى الكتابة.

وانتهى الباحث إلى خلاصة مفادها أن اللغة العربية مستبعدة عن قصد من النظام التربوي الفرنسي، نظرا لارتباط اللغة العربية بالدين الاسلامي مما يشكل عائقا للفرنسيين، وختم مداخلته بعرض بعض المؤشرات التي يمكن للغة العربية من خلالها أن تفرض نفسها وهي كالتالي: المؤشر الديمغرافي والجيوسياسي والاقتصادي.كما شكر الحاضرين على سعة صدرهم وحسن إصغائهم، وتقدم رئيس الجلسة أيضا بشكر المحاضر على مداخلته القيمة التي تناولت بالبحث إشكالا خطيرا متمثلا في تدريس اللغة العربية بالنسبة لأطفال الجالية العربية في فرنسا.

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة اللع
    سعدنا بزيارة بلدنا الثاني المملكة المغربية الشقية وكان حسن الضيافة والصحبة الطيبة واللقاء العلمي المثمر علامات على أن البلد العربي الشقيق يمتلك كل ما يريد ويحب العربي المسلم
    بارك الله بجهودكم ووفقك إلى كل خير وتحية للمغرب وأهله الكرام

  2. معكم عبدالسلام الزويدار طالب بكلية الآداب بتطوان سلك الإجازة، هل يمكنني استعارة البحوث التي قدمها الأساتذة الأكارم في هذا اللقاء؟

اترك رداً على صالح نصيرات إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق