مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

ورقة تفصيلة عن الملتقى العالمي الثامن للتصوف: التصوف وبناء الإنسان: نحو إصلاح متوازن

شارك نخبة من الباحثين الجامعيين والعلماء المتخصصين من المغرب وخارجه في فعاليات الدورة الثامنة للملتقى العالمي للتصوف، المنعقد بمداغ بإقليم بركان أيام: 10-11-12 من ربيع الأول 1435هـ الموافق لـ 12-13-14 يناير 2014م، والمنظم من طرف الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع المركز الأورو متوسطي لدراسة الإسلام اليوم (فرنسا) تحت عنوان: “التصوف وبناء الإنسان: نحو إصلاح متوازن”. وقد حاول المشاركون في أشغال هذا الملتقى تسليط الضوء على بعض العوالم البنائية الكبرى التي يتأسس عليها البناء الإنساني، في ضوء المكون الصوفي باعتباره معلما دينيا وثقافيا وحضاريا، كما تركز النقاش حول مختلف الجوانب البنائية الخارجية التي تأتي كثمرة ومحصلة من محصلات السلوك الصوفي، والتي منها ما يرتبط بالجانب الثقافي والاقتصادي والبيئي والاجتماعي. وتطرقوا خلال هذه التظاهرة العلمية إلى المركبات الإنسانية التي يقع عليها فعل البناء والمناهج الممكنة لتحصيله، فضلا عن الخصوصية التي يتميز بها النظر البنائي الصوفي عن غيره من البناءات الأخرى، وقد توزعت أشغال هذا الملتقى على عشر جلسات متنوعة المواضيع والقضايا.

 استهلت فعاليات هذه الدورة بكلمة افتتاحية لمدير الملتقى فضيلة الدكتور مولاي منير القادري بودشيش، والتي رحب من خلالها بالمشاركين في الملتقى، مشيرا إلى السياق العام الذي يأتي فيه تنظيم فعاليات هذا الملتقى العالمي الثامن، مبرزا أهمية موضوع البناء الصوفي للإنسان وخصوصية الإصلاح فيه، وما يُمكن استشرافه استنادا إلى هذا الأساس المشيِّد لقيم التخليق.

ـ الجلسة الأولى: كانت بعنوان “الإصلاح والبناء الإنساني، مداخل ومقومات”، عالج فيها المتدخلون المسألة الأخلاقية ودورها في بناء الإنسان والمجتمع، وكذا دورها في الحفاظ على البيئة والأرض مادام الإنسان مستخلفا فيها ومُؤمّنا عليها وعلى ما فيها، داعين إلى تحقيق توازن دائم ومتماه مستمر مع إنسانية هذا الإنسان، من خلال ممارسة صوفية كفيلة ببنائه وبناء مجتمعه في مختلف مجالات الحياة، معتبرين الطريقة القادرية البودشيشية نموذجا في هذا السياق.

ـ الجلسة الثانية: اختير لها كعنوان “التربية الصوفية وبناء الإنسان”، أجمع المتدخلون فيها على أن ملء الفراغ الروحي الذي أصبح يعاني منه الإنسان المعاصر، وضبط نفسه وتزكيتها، والارتقاء بروحه والسفر بها في مدارج الكمال، وتحقيق الوجود الإنساني المتوازن، لن يتحقق إلا من خلال تبني منهج رباني يستهدف بناء الفرد من الداخل أولا.

ـ الجلسة الثالثة: تناولت موضوع “القيم الروحية والبناء الحضاري”، وركزت جل مداخلاتها على إبراز هذه القيم في الحضارة الإسلامية؛ فقيمة السلام في هذه الحضارة مناقضة للعنف، رافضة له داعية للرفق والسلم حتى في أوقات العنف المُشرْعَن من قبيل الدفاع عن الوطن والدين.

أما قيمة المحبة فقد ظهر للمتدخلين فقدانها في عالم اليوم، الذي أصبح يضج بالصراعات والحروب، مما يفيد أنه أحوج ما يكون إلى هذه القيمة، لتحقيق سعادة الإنسان المعاصر وإعادة التوازن إلى حياته من منظور صوفي. وهذا يستدعي اعتماد المنهج الإصلاحي الصوفي نموذجا للمنهج المثمر للقيم الروحية البانية لرجالات الصلاح والإصلاح ولنماذج التخلق، والمشيدة للحضارة الأخلاقية.

ـ الجلسة الرابعة: تمحورت مداخلاتها حول “الإصلاح الصوفي من المنظور الشرعي”، حيث تم التركيز فيها على التأصيل الشرعي والمقصدي لهذا الإصلاح، فضلا عن إثارة مجموعة من القضايا المستثمرة لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمثمرة لها، وحمل المكلفين على الامتثال التام للمشرع الحكيم في كل التصرفات التعبدية والاعتيادية، وفق منهج صوفي أساسه الصحبة والاقتداء بنموذج المربي الحي قولا وعملا وحالا، اقتداء حيا يربط تصرفات المكلف بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأحواله، وقد ارتبط الشق العملي في جل مداخلات هذه الجلسة بالمنهج التربوي للشيخ سيدي حمزة رضي الله عنه الذي يثمر صناعة الإنسان الأخلاقي، المتوجه إلى الله الصادق في إقامة العبودية لله، المحب والخالق للناس على الأخلاق الحسنى.

ـ الجلسة الخامسة: قاربت موضوع “مظاهر البناء الروحي للإنسان”، مركزة على تبيان دور التصوف في تحقيق التوازن بين المادة والروح، وتجليات مظاهر الوسطية والاعتدال سلوكيا وعمليا، استنادا إلى التجليات الأخلاقية المنبعثة من اتباع أوامر الحق سبحانه وتعالى.

ـ الجلسة السادسة: حاولت مداخلات هذه الجلسة بيان “دور التصوف في البناء الأسري والمجتمعي”، من ذلك دور التصوف في التنمية الذاتية، وبناء الإنسان منذ طفولته بناء متوازنا مفيدا في بناء الأسرة المتماسكة والمجتمع المتناغم، مما يسهم في التشييد الحضاري على أساس القيم الصوفية والروحية، وهذا بناء متصل اتصالا وثيقا بالإذن الوراثي التربوي، الذي شرّف الحق سبحانه وتعالى به أوليائه العارفين المربين الدالين عليه دلالة الوصل والوصال. فيما دعت بعض المداخلات إلى إعادة التوازن إلى العلاقة بين الدليل والمدلول من خلال الاهتمام بالمدلول المقصود من الاشتغال بالدليل.

ـ الجلسة السابعة: ركزت مداخلاتها على الجانب الجمالي في الكتابة الصوفية، ودورها الفعال في التأثير على النفوس، وتنمية الذوق والسمو بالحس الجمالي عند المتلقي، سواء كانت هذه الكتابة شعرا أو نثرا، حِكَمًا أو صلوات على سيد الوجود عليه الصلاة والسلام.

ـ أما الجلسة الثامنة فتعلق موضوعها بـ”التصوف وقيم الحوار الإنساني”، وتناولت دور القيم الروحية في الحوار بين الأديان والحضارات، وصناعة حياة تهدف إلى التوافق دون إقصاء لأحد، الصوفي لا يكره أحدا لأنه تحقق بالتوافق مع ذاته؛ لذلك ارتقى إلى الاندماج مع الآخر والتواصل معه. كما بينت المداخلات قيمة التربية والأخلاق الصوفية حيث إنها تشكل روح الأعمال وجوهرها، والدعوة الصوفية تسير وفق خارطة روحية صالحة لكل البشر وقادرة على تخليص الإنسان من تعلقاته؛ لأنها تصدر عن قيم الرحمة والجود والعطاء والوجود ينفعل بالجود.

ـ أما الجلسة التاسعة الموسومة “ببناء الإنسان في المنظومات القيمية المعاصرة”، فقد دارت فعالياتها حول الخصوصية الإسهامية للنظر البنائي الصوفي للإنسان في ضوء الأنظار البنائية العامة، وهذه الخصوصية تتركز أساسا في المنهج البنائي العملي والواقعي الذي يتميز به التصوف والذي يظهر في التزكية بجميع محصلاتها بما في ذلك العلاقة مع الشيخ المربي.

ـ في حين تركزت أشغال الجلسة العاشرة التي وسمت ب “القيم الروحية وقضايا الاقتصاد والمجتمع” حول الجوانب العملية والتطبيقية للقيم الروحية في المجال الاقتصادي والتي يمكن للبنوك الإسلامية في صيغتها التشاركية أن تكون مجالا تطبيقيا لها، وهذا لا يتحقق إلا بالتركيز على المقوم الروحي؛ المقوم الرئيس في الإنسان الذي منه يتم الانتقال من الفردي إلى الجماعي، مع التنبيه على الآثار السلبية التي يمكن أن يتسبب فيها إغفال هذا المقوم، والتي تظهر في عدد من السلوكات الخطيرة المؤثرة في المجال المالي والمجتمعي إجمالا، وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن المتدخلين في هذه الجلسة أجمعوا على دور التربية الروحية في نقل الإنسان من مستهلك فوضوي سلبي إلى مستهلك نوعي إيجابي.

واقترح الباحثون المشاركون في هذا الملتقى الرؤية البنائية الصوفية لأجل إعادة الإنسان إلى بنائه الأول، الذي يتميز خلافا لغيره من الأنظار البنائية الأخرى بكونه نظرا شموليا يلامس الكون الإنساني بجميع متعلقاته الفكرية والاجتماعية والنفسية والروحية.

   

وعرف هذا الملتقى مشاركة فعلية لمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة التابع للرابطة المحمدية للعلماء، بأربع مداخلات: كانت الأولى لرئيس المركز الدكتور إسماعيل راضي، متناولا بالتحليل والنقاش قضية: البناء الروحي في المشهد الإسلامي المعاصر بين أشكال الاشتغال بالدليل وإشكال الغفلة عن المدلول.

في حين قاربت الدكتورة ربيعة سحنون موضوع: رجالات التربية الصوفية وبناء الإنسان: أية علاقة؟، وتمحورت مداخلة الدكتور محمد الهاطي حول: مستقبل التربية على القيم.. نحو رؤية إنسانية منفتحة. أما الأستاذ طارق العلمي فتطرق لموضوع الشخصية المعيارية لرجالات التصوف.

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق