مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

مركز أبي الحسن الأشعري يكرم الأستاذ يوسف احنانة احتفاء باليوم العربي للمخطوط

 

ترسيخا لتقليد علمي
سنوي بمناسبة يوم المخطوط العربي (الموافق لليوم الرابع من شهر أبريل في
كل سنة)، وتحت شعار “القيمة العلمية للمخطوط الأشعري المغربي”، نظّم
مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (التابع
للرابطة المحمدية للعلماء) ـ بالشراكة مع مؤسسة محمد داود للتاريخ
والثقافة ومكتبة التواصل والمكتبة العامة والمحفوظات ـ لقاء علميا
تكريميا للأستاذ يوسف احنانة ـ المتخصص في الدرس الأشعري تحقيقا ودراسة
ـ احتفاء بمساره الفكري ومُدارسة لنتاجه العلمي.
بعد تلاوة آيات بينات
افتتح الأمسية العلمية مسيرُ أشغالها رئيس مركز أبي الحسن الأشعري،
مُركزا كلمته في تأطير اللقاء ضمن سلسلة التكريمات التي اضطلع بتنظيمها
المركز سنوياً، ومذكّرا بأعمالهـا التي تم طبعها ونشْرها بين الناس، كما
وضّح المسوغات التي تدعو إلى عقد مثل هذه التكريمات، مبيّنا مدى أهميتها
في ترسيخ ثقافة الاعتراف بالجهود العلمية تقديرا وتشجيعا، وتحفيزاً
للمُكرَّمين على المزيد من العطاء والإنتاج، بعد ذلك قدم ورقة قام من
خلالها بصياغة أدبية لسيرة المُكرّم، متتبعـا أطوار حياته ومساره
المهني، ومُشيداً بفضائله العلمية والقيم التي تمثلها في مراحل عمره،
منتهيا بسرد تآليفه وتحقيقاته وأبحاثه. بعدها عرض برنامج الندوة المتمثل
في ثلاث ورقات علمية، وثلاث شهادات في حق المُكرم.
في المداخلة الأولى
قدّم الدكتور محمد الشريف (أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-تطوان)
قراءة في كتاب «نزهة الإخوان في أخبار تطوان» من
تأليف عبد السلام السكيرج (ت.1850م)، وتحقيق المُكرَّم، وهو من أول
المصادر التي وصلتنا حول مدينة تطوان، وعليه استند أحمد الرهوني (ت.
1953م) في كتابه «عمدة الراوين»، ومحمد داود (ت.
1984 م) في «تاريخ تطوان»، كما يُعد لبنة في تاريخ
تطوان والمغرب بحسب المتدخل، مبرزا بعد ذلك أهمية الدراسة التي قُدّمت
للعمل، عارضا أقسام الكتاب ودوافع تأليفه واختلاف المؤرخين في مدى
مصداقية مضمونه، ما بين ثناء يأخذ بالكتاب ويعتبر ما ورد فيه ممـا لم
يُسبق إليه وهو رأي الرهوني، وبين تحفظ يأخذ بالكتاب مع الاحتراز من
أساطيره وخرافاته كما ذهب إلى ذلك المؤرخ محمد داود، وعن هذا الاختلاف
قدم المتدخل رأي المحقق بوصفه نقدا حاكما، لا ينفي عن الكتاب أساطيره،
إلا أنه يعيد تأويلها باعتبارها متخيّلاً يعبر عن عقلية أهل تطاون في
ذلك الزمـان، متتبعا الدلالات الأنثروبولوجية ومستوحيا علاقة التاريخ
بالأسطورة.
وعن إشكالية النظر في
الكلام الأشعري، تطرّق الدكتور أحمد مونة (أستاذ بكلية أصول
الدين-تطوان) في مداخلته لمفهوم النظر باعتباره من المفاهيم الرحالة
التي تتنقل بين حقول معرفية متعددة، مبيّنـا أهمية الدراسة الاصطلاحية
للمفاهيم، ومدى نجاعتها في الكشف عن مضامين النصوص وبنياتها
الاستدلالية، متتبعا لمفهوم النظر في كتاب «تطور المذهب
الأشعري في الغرب الإسلامي»، وهو متن اعتبره المتدخل تأريخا
حدد المؤلف من خلاله مراحل تطور المذهب الأشعري من خلال نص لابن خلدون
أورد فيه التقسيم العام لهذه المراحل، وهو تقسيم أخذ بمرحلتين،
«مرحلة المتقدمين» التي كانت من سماتها عدم خلطها
لمباحث الكلام الأشعري بمسائل المنطق والفلسفة،  ورفض التقليد
في العقائد، واعتقادهـا بأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول، ما يعني
أن المواد العقلية المستخدمة في الاستدلالات العقدية في مستوى العقائد
الإيمانية في وجوب الاعتقاد، ثم المرحلة الثانية، وكانت سمتها المركزية
خلط قضايا علم الكلام بمسائل المنطق والفلسفة، إلا أن أهم ما ركز عليه
المتدخل هو القراءة المنطقية لمفهوم النظر انطلاقا من سمة
«رفض التقليد في العقائد».
وعن تحقيق الكتابين
اللذين اشتغل عليهما المُكرّم، وهمـا «الأربعون مسألة في أصول
الدين» و«شرح المرشدة» للسكوني، ناقش
الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي (أستاذ بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية-تطوان) قضية تحقيق الموروث الأشعري في المغرب، متتبعا مراحله
وأطواره، بعد بيانه لجودة تحقيق الكتابين وقيمتهما العلمية والعقدية
بالرغم من صغر حجمهمـا، مُفسّراً بعد ذلك أسباب عزوف المُحقّقين في
البداية عن المخطوط الأشعري خصوصا، وعن المخطوط عمومـا، مُرجعاً هذا
الأمر إلى سببين: أولا إلى تأخر ظهور الجامعة المغربية والتقاليد
الأكاديمية، ثم خلو الفضاء المغربي عن التحديات العقدية الأجنبية
والظواهر المتمشرقة، مُشـبّها الاعتقاد الأشعري بالنسبة للمغـاربة
بـ”الأوكسجين”، لكن هذا لا يعني أن التحقيق لم يعرفه علماء المغرب بحسب
المتدخل، مبيّنا بعد ذلك حيثيات علم التحقيق وتاريخه الذي رد بدايته
بالنسبة للغرب الإسلامي إلى كتاب «الإلمـاع» للقاضي
عياض، وما خلفه من تراث تحقيقي ورثه علماء المغرب، وعلماء فاس خصوصا،
عارضا نماذج كثيرة طبقت هذا الجهاز النقدي الدقيق في الاشتغال على
النصوص قبل ظهور المطبعة.
وتمثل صَدْر هذا اللقاء
في كلمة علمية حاضر بها الأستاذ المحتفى به في موضوع “القيمة العلمية
للمخطوط الأشعري المغربي”، أعرب في بدايتها عن جزيل شكره لمركز أبي
الحسن الأشعري والقائمين عليه وللمؤسسات المتعاونة والأساتذة المتدخلين
على مبادرتهم إلى تنظيم هذه الندوة العلمية والمشاركة في قراءة أعماله
وبحوثه والشهادة على مساره المهني والفكري،  ثم شرع الأستاذ
احنانة في موضوع مداخلته مركزا على ثنائية التراث والهوية وطبيعة
العلاقة التلازمية بين المفهومين، مبينا أن الأمة التي تمتلك تراثا
تمتلك تاريخا، وهما معا يحفظان لها هويتها وخصوصياتها؛ فبفضل التراث
انحفظت للأمة المغربية:
الهوية اللغوية؛ إذ بفعل
إنتاجات العلماء بمختلف مشاربهم وفي جميع المجالات الدينية والدنيوية
ترسخ اللسان العربي هوية لغوية صانها التراث قرنا بعد قرن، وبقيت متجذرة
داخل المجتمع المغربي وممتدة في حاضر المغاربة.
الهوية الثقافية؛ إذ حافظ
التراث المخطوط في العوائد والأعراف والتقاليد المتعلقة بالمعيش والملبس
والمآكل والمساكن على الهوية الثقافية للمغاربة بما تنطوي عليه من قيم
إنسانية واختيارات حضارية.
الهوية الدينية؛ ولها أركان
خمسة، هي: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف الجنيدي، وإمارة
المؤمنين، وقراءة نافع من طريق الأزرق، ولولا التراث المخطوط محفوفا
بدور السلطان ـ يقول الأستاذ المكرَّم ـ لاندرست معالم هذه الهوية
الدينية التي ترسخت بعد القضاء على نحل دينية مبتدعة عرفها المغرب قبل
استتباب المذهبين المالكي والأشعري، من قبيل نحلة المتنبئ حامّيم بن منّ
الله بن أزروال بشمال المغرب، والديانة البرغواطية بساحله الأطلسي،
وغيرهما من الملل والنحل المنافرة لروح الإسلام
وشرائعه. 
وبخصوص الإنتاج العقدي
الأشعري الذي حافظ عليه التراث، ذكّر الأستاذ احنانة بمجموعة من الأعمال
التي ساهمت في التمكين للمعتقد الأشعري مثل “منظومة التنبيه والإرشاد”
لأبي الحجاج الضرير (ت.520هـ) والعقيدة البرهانية للسلالجي (ت.574هـ) ـ
وقد كانتا محل شروح كثيرة مدةَ قرون ـ ومؤلفات القاضي ابن العربي
المعافري (ت.543هـ)، وغيرها من الأعمال الجليلة التي مكّنت للمذهب
الأشعري. وختم المحتفى به مداخلته بالتنويه بوسطية المذهب الأشعري
واعتداله ومنافرته للتكفير وحضّه على طلب العلم بالله والنظر في آلائه
ومصنوعاته.. وهي قيم تجعله خليقا بحفظه والاستمساك به.
وفي القسم
الثاني من هذا اللقاء والمتعلق بالشهادات، استهلته الأستاذة حسناء داود
(محافظة الخزانة الداودية) بشهادة أشادت فيها بمبادرة تكريم واحد من
رجالات مدينة تطوان وعلمائها، معتبرة هذا التقليد العلمي شهادة للتاريخ
تحفظ الذمم وترعى العهود. ثم عرجت المتدخلة على أطوار معرفتها بالأستاذ
المكرم، من خلال الوقوف على محطات أساسية ثلاثة؛ أولاها تعرفها على
شخصيته العلمية بقراءتها تحقيقَه لكتاب “نزهة الإخوان في أخبار تطوان”
لعبد السلام بن أحمد السكيرج المذكور آنفا، واعتبرته، بحكم تخصصها في
تاريخ المدينة، عملا جليلا يستحق التنويه. والثانية مرحلة التعرف على
نفَس “المحاضر” في شخصية الأستاذ احنانة؛ حيث جمعهما نشاط علمي بثانوية
القاضي ابن العربي يهتم بشؤون الأسرة، فتلمست ما يمتلكه من كفايات
منهجية في العرض وقدرات عقلية في التوعية والإقناع. أما المحطة الثالثة،
والأهم، فابتدأت يوم أن التحق الأستاذ المكرم بالمجلس العلمي المحلي
لمدينة تطوان، حيث عرفتْه عن كثب وقربٍ مفكرا عالما ومحللا نبيها.. له
مشاركات فعالة ومواقف رزينة وأجوبة رصينة مع التجمل بالأخلاق العالية
والوجه الطلق، وجميع هذه الخصال والخلال تجعله ـ في نظر الأستاذة حسناء
ـ خليقا بكل احتفاء وأهلا للتكريم والوفاء. 
وفي شهادة
أخرى، عرض الدكتور محمد المرابط (الكاتب والناقد الأستاذ بالسلك الثانوي
التأهيلي) لستة مداخل تعريفية بالأستاذ المكرم؛ أولها سلط الضوء فيه على
الأستاذ احنانة؛ الشاعر المسـرحي، والكاتب الصحفي، ومؤرخ الأفكار،
والمهتم بالأنتروبولوجيا الثقافية لمجتمع الشمال المغربي. والثاني جمعه
بين التعليم الأصيل والعلوم الفلسفية في الدراسة الجامعية على ما كان
يكتنف هذه الدراسة من مخاطر ومكاره زمن السبعينات والثمانينيات. والثالث
خوضه في طابوهات ومواضيع حساسة من قبيل الإلحاد والمسألة الجنسية وتعذيب
المعتقلين.. والمشهد الرابع يتمثل في نشاطه العلمي الواسع في المنابر
الصحفية والمجلات الفكرية والمتخصصة؛ فكتب عن الذات والهوية والتاريخ
والمذهبية في “منبر الشمال” وجرائد “الإتحاد الاشتراكي” و”الأحداث
المغربية” ومجلات محكمة عدة منها مجلة الإبانة لسان مركز أبي الحسن
الأشعري. أما المشهد الخامس فيتجلى في مؤلفه التأسيسي “تطور المذهب
الأشعري في الغرب الإسلامي”، وفي هذا الصدد، دعا الدكتور المرابط
الأستاذَ المكرم إلى استئناف اشتغاله على هذا المشروع بملاحقة مسار علم
الكلام الأشعريفي حقبة ما بعد مرحلة السنوسي (ت.895هـ). وأما المشهد
الأخير، فقد أطل به المتدخل على الشخصية السياسية المستقلة للأستاذ
احنانة والتي تنتمي إلى ما سماه بـ”الأفق الديمقراطي”، منوّها في ختام
شهادته بشخصيته المتوازنة الآخذة بشروط البحث الأكاديمي والمؤمنة بالقيم
الإنسانية والمحافظة على الثوابت الرسمية
للبلاد.  
ومن باب الإعلاء بثقافة
الاعتراف، تقدم الدكتور رشيد المصطفى (المنتسب لإدارة المجلس العلمي
المحلي بتطوان) بشهادة في حق المكرم اعتبر فيها الأستاذ احنانة رجلَ
المرحلة في الدفاع عن الثوابت الوطنية واصفا إياه بالبحاثة النحرير
والمثقف البشوش. ثم عدّد مجموعة من الخصال والأوصاف جعلت منه أهلا
للاحتفاء، أهمها؛ جمعه بين الأصالة والمعاصرة والتقليد والتجديد،
وعصاميته في تعلم اللغات الأجنبية الفرنسية والإسبانية والإنجليزية،
وشغفه بالكتب والمخطوطات وحرصه على اقتنائها، وتأهيله لقدراته التربوية
والتدريسية في علوم التربية، ومواكبته للمستجدات في مجال المناهج
العلمية والتربوية. ثم جعل المتدخل على رأس هذه الخصال الموسوعية في
التكوين والتعددية في الإنتاج، ما جعل مكرمنا شخصية منتجة فاعلة على
أصعدة متعددة.
وبعد الانتهاء من قسم
الشهادات الاحتفائية فتح مسير اللقاء الباب للحاضرين لطرح تساؤلاتهم
والإدلاء بملاحظاتهم، وفسح المجال للأساتذة المتدخلين للتفاعل معها
وتسليط مزيد من الضوء عليها.
وتكللت هذه الأمسية
العلمية بتقديم درع تذكاري للأستاذ المكرم يوسف احنانة قدمه رئيس المركز
والأستاذة حسناء داود محافظة الخزانة الداودية.

ترسيخا لتقليد علمي سنوي بمناسبة يوم
المخطوط العربي (الموافق لليوم الرابع من شهر أبريل في كل سنة)، وتحت
شعار “القيمة العلمية للمخطوط الأشعري المغربي”، نظّم مركز أبي الحسن
الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان (التابع للرابطة المحمدية
للعلماء) ـ بالشراكة مع مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة ومكتبة
التواصل والمكتبة العامة والمحفوظات ـ لقاء علميا تكريميا للأستاذ يوسف
احنانة ـ المتخصص في الدرس الأشعري تحقيقا ودراسة ـ احتفاء بمساره
الفكري ومُدارسة لنتاجه العلمي.

بعد تلاوة آيات بينات افتتح الأمسية
العلمية مسيرُ أشغالها رئيس مركز أبي الحسن الأشعري، مُركزا كلمته في
تأطير اللقاء ضمن سلسلة التكريمات التي اضطلع بتنظيمها المركز سنوياً،
ومذكّرا بأعمالهـا التي تم طبعها ونشْرها بين الناس، كما وضّح المسوغات
التي تدعو إلى عقد مثل هذه التكريمات، مبيّنا مدى أهميتها في ترسيخ
ثقافة الاعتراف بالجهود العلمية تقديرا وتشجيعا، وتحفيزاً للمُكرَّمين
على المزيد من العطاء والإنتاج، بعد ذلك قدم ورقة قام من خلالها بصياغة
أدبية لسيرة المُكرّم، متتبعـا أطوار حياته ومساره المهني، ومُشيداً
بفضائله العلمية والقيم التي تمثلها في مراحل عمره، منتهيا بسرد تآليفه
وتحقيقاته وأبحاثه. بعدها عرض برنامج الندوة المتمثل في ثلاث ورقات
علمية، وثلاث شهادات في حق المُكرم.

في المداخلة الأولى قدّم الدكتور محمد
الشريف (أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-تطوان) قراءة في كتاب
«نزهة الإخوان في أخبار تطوان» من تأليف عبد السلام
السكيرج (ت.1850م)، وتحقيق المُكرَّم، وهو من المصادر الأولى التي
وصلتنا حول مدينة تطوان، وعليه استند أحمد الرهوني (ت. 1953م) في كتابه
«عمدة الراوين»، ومحمد داود (ت. 1984 م) في
«تاريخ تطوان»، كما يُعد لبنة في تاريخ تطوان
والمغرب بحسب المتدخل، مبرزا بعد ذلك أهمية الدراسة التي قُدّمت للعمل،
عارضا أقسام الكتاب ودوافع تأليفه واختلاف المؤرخين في مدى مصداقية
مضمونه، ما بين ثناء يأخذ بالكتاب ويعتبر ما ورد فيه ممـا لم يُسبق إليه
وهو رأي الرهوني، وبين تحفظ يأخذ بالكتاب مع الاحتراز من أساطيره
وخرافاته كما ذهب إلى ذلك المؤرخ محمد داود، وعن هذا الاختلاف قدم
المتدخل رأي المحقق بوصفه نقدا حاكما، لا ينفي عن الكتاب أساطيره، إلا
أنه يعيد تأويلها باعتبارها متخيّلاً يعبر عن عقلية أهل تطاون في ذلك
الزمـان، متتبعا الدلالات الأنثروبولوجية ومستوحيا علاقة التاريخ
بالأسطورة.

وعن إشكالية النظر في الكلام الأشعري،
تطرّق الدكتور أحمد مونة (أستاذ بكلية أصول الدين-تطوان) في مداخلته
لمفهوم النظر باعتباره من المفاهيم الرحالة التي تتنقل بين حقول معرفية
متعددة، مبيّنـا أهمية الدراسة الاصطلاحية للمفاهيم، ومدى نجاعتها في
الكشف عن مضامين النصوص وبنياتها الاستدلالية، متتبعا لمفهوم النظر في
كتاب «تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي»، وهو
متن اعتبره المتدخل تأريخا حدد المؤلف من خلاله مراحل تطور المذهب
الأشعري انطلاقا من نص لابن خلدون أورد فيه التقسيم العام لهذه المراحل،
وهو تقسيم أخذ بمرحلتين، «مرحلة المتقدمين» التي
كان من سماتها عدم خلطها لمباحث الكلام الأشعري بمسائل المنطق
والفلسفة،  ورفض التقليد في العقائد، واعتقادهـا بأن بطلان
الدليل يؤذن ببطلان المدلول، ما يعني أن المواد العقلية المستخدمة في
الاستدلالات العقدية هي في مستوى العقائد الإيمانية في وجوب الاعتقاد،
ثم المرحلة الثانية، وكانت سمتها المركزية خلط قضايا علم الكلام بمسائل
المنطق والفلسفة، إلا أن أهم ما ركز عليه المتدخل هو القراءة المنطقية
لمفهوم النظر انطلاقا من سمة «رفض التقليد في
العقائد».

وعن تحقيق الكتابين اللذين اشتغل
عليهما المُكرّم، وهمـا «الأربعون مسألة في أصول
الدين» و«شرح المرشدة» للسكوني، ناقش
الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي (أستاذ بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية-تطوان) قضية تحقيق الموروث الأشعري في المغرب، متتبعا مراحله
وأطواره، بعد بيانه لجودة تحقيق الكتابين وقيمتهما العلمية والعقدية
بالرغم من صغر حجمهمـا، مُفسّراً بعد ذلك أسباب عزوف المُحقّقين في
البداية عن المخطوط الأشعري خصوصا، وعن المخطوط عمومـا، مُرجعاً هذا
الأمر إلى سببين: أولا إلى تأخر ظهور الجامعة المغربية والتقاليد
الأكاديمية، ثم خلو الفضاء المغربي عن التحديات العقدية الأجنبية
والظواهر المتمشرقة، مُشـبّها الاعتقاد الأشعري بالنسبة للمغـاربة
بـ”الأوكسجين”، لكن هذا لا يعني أن التحقيق لم يعرفه علماء المغرب بحسب
المتدخل، مبيّنا بعد ذلك حيثيات علم التحقيق وتاريخه الذي رد بدايته
بالنسبة للغرب الإسلامي إلى كتاب «الإلمـاع» للقاضي
عياض، وما خلفه من تراث تحقيقي ورثه علماء المغرب، وعلماء فاس خصوصا،
عارضا نماذج كثيرة طبقت هذا الجهاز النقدي الدقيق في الاشتغال على
النصوص قبل ظهور المطبعة.

وتمثل صَدْر هذا اللقاء في كلمة علمية
حاضر بها الأستاذ المحتفى به في موضوع “القيمة العلمية للمخطوط الأشعري
المغربي”، أعرب في بدايتها عن جزيل شكره لمركز أبي الحسن الأشعري
والقائمين عليه وللمؤسسات المتعاونة والأساتذة المتدخلين على مبادرتهم
إلى تنظيم هذه الندوة العلمية والمشاركة في قراءة أعماله وبحوثه
والشهادة على مساره المهني والفكري،  ثم شرع الأستاذ احنانة في
موضوع مداخلته مركزا على ثنائية التراث والهوية وطبيعة العلاقة
التلازمية بين المفهومين، مبينا أن الأمة التي تمتلك تراثا تمتلك
تاريخا، وهما معا يحفظان لها هويتها وخصوصياتها؛ فبفضل التراث انحفظت
للأمة المغربية:

الهوية اللغوية؛ إذ بفعل إنتاجات العلماء بمختلف
مشاربهم وفي جميع المجالات الدينية والدنيوية ترسخ اللسان العربي هوية
لغوية صانها التراث قرنا بعد قرن، وبقيت متجذرة داخل المجتمع المغربي
وممتدة في حاضر المغاربة.

الهوية الثقافية؛ إذ حافظ التراث المخطوط في
العوائد والأعراف والتقاليد المتعلقة بالمعيش والملبس والمآكل والمساكن
على الهوية الثقافية للمغاربة بما تنطوي عليه من قيم إنسانية واختيارات
حضارية.

الهوية الدينية؛ ولها أركان خمسة، هي: العقيدة
الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف الجنيدي، وإمارة المؤمنين، وقراءة
نافع من طريق الأزرق، ولولا التراث المخطوط محفوفا بدور السلطان ـ يقول
الأستاذ المكرَّم ـ لاندرست معالم هذه الهوية الدينية التي ترسخت بعد
القضاء على نحل دينية مبتدعة عرفها المغرب قبل استتباب المذهبين المالكي
والأشعري، من قبيل نحلة المتنبئ حامّيم بن منّ الله بن أزروال بشمال
المغرب، والديانة البرغواطية بساحله الأطلسي، وغيرهما من الملل والنحل
المنافرة لروح الإسلام وشرائعه. 

وبخصوص الإنتاج العقدي الأشعري الذي
حافظ عليه التراث، ذكّر الأستاذ احنانة بمجموعة من الأعمال التي ساهمت
في التمكين للمعتقد الأشعري مثل “منظومة التنبيه والإرشاد” لأبي الحجاج
الضرير (ت.520هـ) والعقيدة البرهانية للسلالجي (ت.574هـ) ـ وقد كانتا
محل شروح كثيرة مدةَ قرون ـ ومؤلفات القاضي ابن العربي المعافري
(ت.543هـ)، وغيرها من الأعمال الجليلة التي مكّنت للمذهب الأشعري. وختم
المحتفى به مداخلته بالتنويه بوسطية المذهب الأشعري واعتداله ومنافرته
للتكفير وحضّه على طلب العلم بالله والنظر في آلائه ومصنوعاته.. وهي قيم
تجعله خليقا بحفظه والاستمساك به.

وفي القسم الثاني من هذا اللقاء
والمتعلق بالشهادات، استهلته الأستاذة حسناء داود (محافظة الخزانة
الداودية) بشهادة أشادت فيها بمبادرة تكريم واحد من رجالات مدينة تطوان
وعلمائها، معتبرة هذا التقليد العلمي شهادة للتاريخ تحفظ الذمم وترعى
العهود. ثم عرجت المتدخلة على أطوار معرفتها بالأستاذ المكرم، من خلال
الوقوف على محطات أساسية ثلاثة؛ أولاها تعرفها على شخصيته العلمية
بقراءتها تحقيقَه لكتاب “نزهة الإخوان في أخبار تطوان” لعبد السلام بن
أحمد السكيرج المذكور آنفا، واعتبرته، بحكم تخصصها في تاريخ المدينة،
عملا جليلا يستحق التنويه. والثانية مرحلة التعرف على نفَس “المحاضر” في
شخصية الأستاذ احنانة؛ حيث جمعهما نشاط علمي بثانوية القاضي ابن العربي
يهتم بشؤون الأسرة، فتلمست ما يمتلكه من كفايات منهجية في العرض وقدرات
عقلية في التوعية والإقناع. أما المحطة الثالثة، والأهم، فابتدأت يوم أن
التحق الأستاذ المكرم بالمجلس العلمي المحلي لمدينة تطوان، حيث عرفتْه
عن كثب وقربٍ مفكرا عالما ومحللا نبيها.. له مشاركات فعالة ومواقف رزينة
وأجوبة رصينة مع التجمل بالأخلاق العالية والوجه الطلق، وجميع هذه
الخصال والخلال تجعله ـ في نظر الأستاذة حسناء ـ خليقا بكل احتفاء وأهلا
للتكريم والوفاء. 

وفي شهادة أخرى، عرض الدكتور محمد
المرابط (الباحث في التصوف والفكر الأشعري والصحفي) لستة مداخل تعريفية
بالأستاذ المكرم؛ أولها سلط الضوء فيه على الأستاذ احنانة؛ الشاعر
المسـرحي، والكاتب الصحفي، ومؤرخ الأفكار، والمهتم بالأنتروبولوجيا
الثقافية لمجتمع الشمال المغربي. والثاني جمعه بين التعليم الأصيل
والعلوم الفلسفية في الدراسة الجامعية على ما كان يكتنف هذه الدراسة من
مخاطر ومكاره زمن السبعينات والثمانينيات. والثالث خوضه في طابوهات
ومواضيع حساسة من قبيل الإلحاد والمسألة الجنسية وتعذيب المعتقلين..
والمشهد الرابع يتمثل في نشاطه العلمي الواسع في المنابر الصحفية
والمجلات الفكرية والمتخصصة؛ فكتب عن الذات والهوية والتاريخ والمذهبية
في “منبر الشمال” وجرائد “الإتحاد الاشتراكي” و”الأحداث المغربية”
ومجلات محكمة عدة منها مجلة الإبانة لسان مركز أبي الحسن الأشعري. أما
المشهد الخامس فيتجلى في مؤلفه التأسيسي “تطور المذهب الأشعري في الغرب
الإسلامي”، وفي هذا الصدد، دعا الدكتور المرابط الأستاذَ المكرم إلى
استئناف اشتغاله على هذا المشروع بملاحقة مسار علم الكلام الأشعري في
حقبة ما بعد مرحلة السنوسي (ت.895هـ). وأما المشهد الأخير، فقد أطل به
المتدخل على الشخصية السياسية المستقلة للأستاذ احنانة والتي تنتمي إلى
ما سماه بـ”الأفق الديمقراطي”، منوّها في ختام شهادته بشخصيته المتوازنة
الآخذة بشروط البحث الأكاديمي والمؤمنة بالقيم الإنسانية والمحافظة على
الثوابت الرسمية للبلاد.  

ومن باب الإعلاء بثقافة الاعتراف،
تقدم الدكتور رشيد المصطفى (المنتسب لإدارة المجلس العلمي المحلي
بتطوان) بشهادة في حق المكرم اعتبر فيها الأستاذ احنانة رجلَ المرحلة في
الدفاع عن الثوابت الوطنية واصفا إياه بالبحاثة النحرير والمثقف البشوش.
ثم عدّد مجموعة من الخصال والأوصاف جعلت منه أهلا للاحتفاء، أهمها؛ جمعه
بين الأصالة والمعاصرة والتقليد والتجديد، وعصاميته في تعلم اللغات
الأجنبية الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، وشغفه بالكتب والمخطوطات
وحرصه على اقتنائها، وتأهيله لقدراته التربوية والتدريسية في علوم
التربية، ومواكبته للمستجدات في مجال المناهج العلمية والتربوية. ثم جعل
المتدخل على رأس هذه الخصال الموسوعية في التكوين والتعددية في الإنتاج،
ما جعل مكرمنا شخصية منتجة فاعلة على أصعدة متعددة.

وبعد الانتهاء من قسم الشهادات
الاحتفائية فتح مسير اللقاء الباب للحاضرين لطرح تساؤلاتهم والإدلاء
بملاحظاتهم، وفسح المجال للأساتذة المتدخلين للتفاعل معها وتسليط مزيد
من الضوء عليها.

وتكللت هذه الأمسية العلمية بتقديم
درع تذكاري للأستاذ المكرم يوسف احنانة قدمه رئيس المركز والأستاذة
حسناء داود محافظة الخزانة الداودية.

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق