مركز الدراسات القرآنية
مرتكزات منهجية في مراجعة علوم القرآن والتفسير
نظّم مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، الحلقة الثانية (2) من أشغال «منتدى الدراسات القرآنية»، بمطارحة علمية منهجية في موضوع: «مُرْتَكَزَاتٌ مَنْهَجِيَّةٌ فِي مُرَاجَعَةِ عُلُومِ القُرْآنِ وَالتَّفْسِيرِ»، من تأطير فضيلة الدكتور محمد إقبال عروي حفظه الله، الأستاذ الباحث بمركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، وذلك يوم: الثلاثاء 9 شعبان 1434ﻫ/18 يونيو 2013م، بمقر المركز، أكدال ـ الرباط.
في مستهل هذا اللقاء العلمي المبارك، نوّه الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، بموضوع حلقة المنتدى وأشار إلى أن الكثير من الأسئلة، تثار حول أزمة تعامل الأمّة مع هذا الكتاب، منها: هل هي أزمة منهج، أم أزمة تنزيل، أم أزمة فهم، أم أزمة تفعيل، أم أزمة مراعاة للمقاصد والغايات، أم أزمة تبليغ، وبأن الإجابات عن هذه الأسئلة تعدّدت بحسب أفق ورؤية كل متدخل في هذا المجال. وفي هذا الاتجاه انصبت كلمة فضيلة الدكتور محمد إقبال عروي حفظه الله، بمطارحة علمية منهجية في موضوع: «مُرْتَكَزَاتٌ مَنْهَجِيَّةٌ فِي مُرَاجَعَةِ عُلُومِ القُرْآنِ وَالتَّفْسِيرِ»، ذكر فيها جملة إشكالات منهجية ومعرفية تحتاج في نظره إلى مراجعة، من جملتها: إن التعريفات التي قدّمت لـ «علم التفسير» كتعريف الزركشي بقوله: «هو علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبة، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات ذلك» وتعريف السيوطي بأنه: «هو علم نزول الآيات وشؤونها وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفسرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها» بأنّ أهم شيء يغيب في هذه التعريفات، هو القصد من نزول القرآن الكريم، أو القصد من الاشتغال بهذا العلم الذي هو علم التفسير. بالإضافة إلى أن هذه التعريفات رفعت من شأن أمور وقضايا، أقصى ما يقال فيها أنها آليات تساعدنا على درك التفسير، مثل: قضية النطق بألفاظ القرآن الكريم، وقضايا التركيب، وأسباب النزول، وترتيب المكّي والمدني، وغيرها...، فهي قضايا أدخلت ضمن اشتغال علم التفسير، وأنّها ليست أصالةً من مباحث علم التفسير، وإنما متصلة به بالتّبع. وأبرز بأن الهدف من مثل هذه اللقاءات العلمية، هو الوصول إلى إحساس مؤسّسي، بضرورة مراجعة الكتب التي تُقرَّر لدى الطلبة بالجامعة، لا أن تكون مجرد أحاديث نظريّة سِجاليّة فِكرية نُخبوية؛ إذ نجد ـ يضيف الأستاذ المحاضر ـ أنّ الطالب ما زال يدرس هذه النصوص وهذه التعريفات، التي تحمل في طيّاتها بذور أزمة التعامل مع القرآن الكريم. واعتبر أنّ قضية قَصص وأمثال القرآن، جُعِلت مقابل الأحكام، فالعقلية المسلمة آنذاك حصل لها وَهْمٌ أن الأحكام تؤخذ من آيات الأحكام، وبقيت القَصص التي تضمُّ كليات الأحكام، غائبة كمصدر من مصادر التشريع، ومثّل لذلك بقصة موسى وفرعون، وأنّها تُشَرِّع لكُلّيٍّ كبير، وهو العدل ونفي الظلم، وكقصة موسى مع الخضر، وأنها تُؤَسِّس للعمل التطوعي، وغيرها من القصص القرآني، بحيث قسّمنا مصادر التشريع إلى قسمين، وأغفلنا استمداد التشريعات من القصص القرآني، وركّزنا على التشريعات المأخوذة من الآيات التشريعية الواضحة التي حدّدها الفقهاء. لقد شكّل ما سبق، الأزمة الأولى التي ظهرت لدى الدكتور محمد إقبال في هذه التعريفات؛ فهي بحسبه تلغي أصل الاشتغال بالتفسير، وتُغَلِّب مباحث ليست من صلب العملية التفسيرية. أمّا الأزمة الثانية المتمثلة في مرحلة التدوين للعلوم الإسلامية، فقد تُعومل مع القرآن الكريم أنه خطاب يحتاج إلى تفسير، وجُمِعت العلوم الأخرى لكي تكون وصلة وذريعة للوصول إلى هذه الغاية، أي تفسير القرآن الكريم، وأن القرآن الكريم ليس خطابا للتفسير، وإنما جاء ليكون هو التفسير، انطلاقا من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان، آية:33]. ومن أجمل السياقات الحافّة بهذه الآية أنها وردت في سورة الفرقان، وأن كلمة «الفرقان» في أبعد دلالتها، تعني «التفسير»؛ فالفرقان هو القرآن، والقرآن بنص القرآن جاء ليكون تفسيرا، واعتبر أن الآليات التي أدخلها العلماء في مسمّى علم التفسير لم تكن لتساعدنا على ذلك. ورأى أنه عندما انفتحنا على هذا الوضع، أي أن القرآن هو مادة للتفسير، أعطينا الشرعية لمهارات العلماء، وكل عالم يُتقن فنّا، إلا ويجد فرصة لكي يبرز تلك المهارات، فصار العالم الجليل في النحو يَجِدُ في الآيات القرآنية مُناسَبةً لاستثمار مهاراته اللغوية والنحوية، والمفسر الماهر في البلاغة، والماهر في الفقه، والماهر في المنطق والكلام، وهكذا، فأصبح خاضعا لمناهج التفسير. واعتبر أنه من بين الأزمات التي نتجت في هذا السياق، قضية التفسير بالأثر والتفسير بالرأي، وأن المقرّرات والمناهج الدراسية الآن، تريد أن تُثبت لنا أن هذه القضية إشكالية معرفية، والواقع ـ حسب رأي الدكتور المحاضرـ أنّها إشكالية تاريخية وليست معرفية، فالعلماء وجدوا أنفسهم أمام تيّارٍ كبير من الأفكار والآراء، تَرِدُ عليهم من حضارات أخرى، فلكي يتم تحصين العقل المسلم من هذه الآراء، تم اللجوء إل مقولة التفسير بالأثر والتفسير بالرأي، وأُعطيت الشّرعية للتفسير بالأثر، وتم تهميش قضية التفسير بالرأي، ونُظِر إليه نظرة متوجسة، مُوَضِّحا فضيلته أن الذين مارسوا التفسير منذ البداية، لم يكن عندهم هذا الإشكال. ونبه على أنّ هذه الثنائية، ثنائية مغلوطة، وأنها إشكال تاريخي حصل في فترة من الفترات، لكنه لا ينبغي أن يُصَرَّف في اتجاه المستقبل، مُنوِّهاً بالفصل الذي عقده الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، حول هذا الإشكال، وأن جميع المرويات التي تُحذّر من التفسير بالرأي، وجّهها الشاطبي توجيها خاصا، فصارت استثناء ليست أصلا، وصارت خاصة ليست عامة، وصارت مقيّدة وليست مطلقة، ودعا فضيلته إلى مراجعة هذا الفصل، ورأى بأنه قد غُيِّبَ في ظل الاشتغال بالمقاصد، إذ انفتح الباحثون على الموافقات ككتاب مقاصدي، لكن المراد من الباحثين في الدراسات القرآنية، الانفتاح على الموافقات، ككتاب في الدراسات القرآنية وليس ككتاب في الأصول. تلت هذه الوقفة العلمية المتأنية، إضافات ومناقشات هادفة، أسهم فيها نخبة من الأساتذة الباحثين، حول جملة إشكالات أثارها الدكتور المحاضر محمد إقبال عروي، وكانت مناسبة أيضا للنقاش حول قضايا تعدّ حارقة في هذا المجال. وأكد الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، في ختام هذا اللقاء العلمي المبارك، أن إثارة هذا الموضوع، ما هي إلا محاولة للإجابة عن هذه القضايا والإشكالات، واعتبر فضيلته أن الحديث عنها ليس من باب التّرف الفكري، داعيا إلى وجوب النهوض بها، وفق منهج محدد، ووفق رؤية محددة. ثم تقدّم بالشكر لفضيلة الدكتور محمد إقبال عروي، وللسادة الأساتذة الباحثين الحاضرين.
إعداد: ذ. شوقي محسن مركز الدراسات القرآنية