مركز الدراسات القرآنية

مدارسة علمية رقم: 1 من قضايا العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية

في إطار أنشطته العلمية عقد مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء يوم الجمعة 17 رجب 1438 ه / الموافق ل 14 أبريل 2017 م بمقر المركز مدارسة علمية استكمالا للقضايا المثارة في اللقاء العلمي المخصص لقراءة في كتاب «تفسير القرآن بالقرآن» للدكتور محمد قجوي المنعقد يوم الخميس 01 ربيع الأول 1438 ه / موافق 01 دجنبر 2016 م, وقد عقدت هذه المدارسة لبحث قضيتين من قضايا العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية, وهما: «قضية الكم والقطع في التفسير النبوي», و «علاقة القرآن بالسنة في الاستدلال» اللذان خصص لهما عرضان أعدهما باحثان بمركز الدراسات القرآنية : رضوان غزالي ومصطفى اليربوعي.

وقد افتتح هذا اللقاء بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم, أعقبتها كلمة الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء, الذي نوه بأهمية البحث في قضايا العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية, ليفتح فضيلته المجال للأستاذ الباحث رضوان غزالي لإلقاء مداخلته المعنونة ب «التفسير النبوي: قضية الكم والقطعية ».

استهل الباحث عرضه بتوضيح أن البيان النبوي للقرآن الكريم يتجلى في تفسير ما كان مشكلا, وتفصيل ما كان مجملا, ثم أبرز أهمية الرجوع إلى السنة في تفسير القرآن الكريم, حيث يعد الرسول صلى الله عليه وسلم المفسر الأول, وذكر بأن مفهوم التفسير النبوي هو «ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير في بيان معاني القرآن».

واستعرض الباحث  بعد ذلك الامتداد التاريخي لعلاقة القرآن بالسنة خلال العهد النبوي، ومرحلة التدوين العام للسنة، حيث يعد العهد النبوي الأساس لغيره، سواء من حيث الفهم النظري للوحي، أو التنزيل العملي له، والتبليغ من لازم البيان، باعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للقرآن عن ربه.

وأشار الباحث إلى أن  فترة التدوين هي الأبرز من حيث تدوين ما فسر به الكتاب العزيز من السنة النبوية، موضحا أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير لا يجري على نسق واحد، وإنما يتنوع بحسب المناسبة والمقام وداعي البيان، ذاكرا نماذج من وجوه التفسير النبوي للقرآن، وهي: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير آية أو لفظة، وبيان ما أشكل على الصحابة من الآي، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الآية وتفسيرها لهم، والفصل في خلاف الصحابة في فهم الآية.

لينتقل إلى السؤال الأساس في الموضوع: هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟ موضحا أن العلماء قد اختلفوا في المقدار الذي بيَّنه النبى صلى الله عليه وسلم من القرآن لأصحابه، وقد استدل كل فريق على ما ذهب إليه بأدلة أوردها في ورقته، مع قراءة في أدلة الفريقين.

وختم الأستاذ رضوان غزالي عرضه بالحديث عن نقد مرويات التفسير، مبينا اعتناء المتقدمين من أهل الحديث بها، ونقدها كغيرها من أبواب العلم.

وقد تلا هذه المداخلة  تعقيب الأستاذ شوقي محسن الباحث بمركز الدراسات القرآنية .

من جهته قدم الأستاذ مصطفى اليربوعي الباحث بمركز الدراسات القرآنية ليقدم عرضه في موضوع «العلاقة بين القرآن والسنة في الاستدلال الفقهي».

وقد مهد الباحث مصطفى اليربوعي لهذا الموضوع بالحديث عن الجدال الحاصل في الساحة العلمية والفكرية المعاصرة حول منهج التعامل مع نصوص الشريعة بين اتجاهين في الدراسات الشرعية المعاصرة: اتجاهٍ تقليدي يرى أصحابه أن المنهجية المثلى لدراسة نصوص الشريعة الإسلامية هو اتباع منهجية المتقدمين، واتجاه آخر من العلماء ساءهم وضع مجتمعاتهم الإسلامية، فبادروا إلى الاجتهاد من أجل تجديد فهم الدين، وسنوا منهجا للتعامل مع ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولة فهمه فهما ينسجم مع نصوص القرآن ومقاصده وكلياته، فظهرت لهم اجتهادات في نقد نصوص السنة وفهمها مخالفة للآراء السائدة، ومن أبرز المقاييس الاجتهادية التي ركز عليها هذا الاتجاه في تعاملهم مع السنة النبوية «عرض السنة على القرآن»، وفهمها في ضوء نصوصه ومقاصده.

وبعد هذا التمهيد دلف الباحث إلى بيان مقياس «عرض السنة على القرآن»، الذي ينادي أصحاب الاتجاه التجديدي إلى إحيائه والتركيز عليه عند التعامل مع السنة النبوية؛ باعتباره ضابطا للعلاقة الاستدلالية بين القرآن الكريم والسنة النبوية، وكشف الجذور العلمية لهذا المقياس.

وقد بيّن الباحث مصطفى اليربوعي أن العلاقة الاستدلالية بين القرآن والسنة أثارت جدلا واختلافا بين المتقدمين؛ فأبو حنيفة رضي الله عنه قد اعتمد معيار «عرض السنة على القرآن»، وله في ذلك سلف من الصحابة رضوان الله عليهم الذين استعملوا هذا المقياس في نقد بعض الأخبار، وقد سلك علماء الأحناف بعد أبي حنيفة منهجه في «عرض السنة على القرآن»، ورتبوا عن هذا عدم الأخذ بأخبار الآحاد إذا جاءت بحكم زائد عما جاء في القرآن الكريم.

 أما المالكية فقد استدلت عن طريق الاستقراء على أن مالكا رحمه الله يقدم ظاهر القرآن على السنة، وهو بذلك قد قارب فقهاء العراق في عرضهم أخبار الآحاد على الكتاب وإن لم يسلك مسلكهم؛ لأنه إذا اعتضد الحديث بأمر آخر من قياس أو عمل أهل المدينة، فإن السنة في هذه الحالة تعتبر مخصصة لعموم القرآن، أو مقيدة لإطلاقه، وإن لم تعتضد السنة بأي أصل فإن النص يسير على ظاهره، ويرد خبر الآحاد الذي يخالف ذلك الظاهر.

 وأما الشافعية والحنابلة فقد ذهبوا إلى أن السنة مستقلة بالتشريع، مستدلين بقوله تعالى مثلا: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [سورة الحشر، الآية 7] ، وغيرها من الآيات، وبناء على هذا المنطلق رفض الإمام الشافعي توقف قبول الأحاديث على عرضها على القرآن، وموقف الإمام أحمد قريب من موقف الإمام الشافعي في العلاقة الاستدلالية بين القرآن والسنة.

وخلص الأستاذ الباحث مصطفى اليربوعي في نهاية عرضه إلى أن اعتماد مقياس «عرض السنة على القرآن» لضبط العلاقة الاستدلالية بين القرآن والسنة ليس منهجا جديدا أتى به المعاصرون، وإنما له أصل عند الفقهاء المتقدمين، وأن الفقهاء الأحناف أكثر العلماء إعمالا لهذا المقياس في نقد الأخبار.

وقد عقب على هذه الورقة  الأستاذ الحسن الوزاني، الباحث بمركز الدراسات القرآنية، وخُتم اللقاء بنقاش علمي بين المتدخلين والباحثين بالمركز.

مركز الدراسات القرآنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق