مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

محاضرة حول تحقيق كتاب «شرح الغموض من مسائل العروض» لأبي الحسن ابن بَرِّي (ت: 730هـ) قدمها بمركز ابن أبي الربيع السبتي الدكتور محمد الأمين المؤدب

 

نظم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء محاضرة علمية حول تحقيق فضيلة الدكتور محمد الأمين المؤدب لكتاب «شرح الغموض من مسائل العروض» لأبي الحسن ابن بري (ت: 730هـ)، وذلك يوم الأربعاء 24 رجب 1444هـ الموافق ل 15 فبراير 2023م، بمقر المركز.

وقد افتتحت المحاضرة بكلمة باسم مركز ابن أبي الربيع السبتي ألقاها فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع رحب فيها بضيف المركز الدكتور محمد الأمين المؤدب وبالحضور الكرام، معرفا بالمحاضِر وبموضوع المحاضرة، حيث أن الكتاب المقدَّم هو شرح لمختصر ابن السقاط في العروض، وأن محققه عالم مدقق له اطلاع واسع على الأدب العربي متونه وشروحه وأدبه وبلاغته ونقده وعروضه.

ثم انتقلت الكلمة للأستاذ المحاضر فضيلة الدكتور محمد الأمين المؤدب الذي أعرب عن شكره للقائمين على المركز، وبين أنه من الصدف أن تلقى المحاضرة في مركز ابن أبي الربيع السبتي لأن هذا العَلَمَ حاضر في السياق الثقافي والحضاري الذي تم فيه تأليف هذا الكتاب، وحاضر أيضا عند ابن بري؛ لأن هذا الأخير اختصر شرح الإيضاح لابن أبي الربيع السبتي المسمى «الكافي في الإفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح»، وهو اختصار قد أتقنه غاية الإتقان.

وأجمل المحاضر الحديث عن كتاب «شرح الغموض» في ثلاث نقط؛ الأولى: في سياق الاشتغال بهذا العمل، والثانية: في الوقوف على البنية الكبرى التي بني عليها هذا العمل، والثالثة: في سياق تأليف الكتاب أي تأليف ابن بري، وبيان أهميته وما له من قيمة علمية وأدبية.

وفي النقطة الأولى المتعلقة بصلته بالكتاب وبسياق الاشتغال به بَيَّنَ أن بداية الاشتغال به والتعرف عليه كانت سنة: 1986م، وهذا التعرف جاء نتيجة مقال مهم للدكتور عبد السلام شقور نشره في العدد الأول من مجلة كلية آداب تطوان بعنوان «من مصادر النقد الأدبي في العصر المريني»، وقد أشار إلى اللمحات النقدية والإشارات العروضية في هذا الكتاب، كما استعرض نماذج منه ولا سيما ما يتعلق بمقدمة الكتاب وحاول أن يبين أهميتها، ثم أشار هناك إلى النسخ بأرقامها المتوفرة في الإسكوريال. وذكر أن صلته الثانية بالكتاب جاءت بعد هذا التاريخ بسنوات حين تفضل عليه الدكتور محمد المعلمي بنسخة من القسم الأول من شرح الغموض وهو ما سماه ابن بري ب(صدر الكتاب)، وهو قسم نظري قَلَّ أن تجده في الكتب التي تناولت علم العروض لا عند القدماء ولا عند المحدثين، أما الصلة الثالثة فبين أنها ترجع إلى المرحلة نفسها حيث تفضل عليه الدكتور محمد مفتاح -رحمه الله- بنسخة من المخطوط حصل عليها عن طريق علي لغزيوي -رحمه الله- وهي التي فتحت له باب العمل، وبعد ذلك حصل على النسخ كلها، وأشار إلى أن بداية الاشتغال بهذا العمل كانت في التسعينات.

ثم انتقل إلى النقطة الثانية المتعلقة بالبنيات الأساسية التي قامت عليها دراسة التحقيق، فذكر أن هذه الدراسة غير مسبوقة، لأنه وقف على المجال الثقافي الذي ألف فيه الكتاب وهو العصر المريني، ووقف عند تازة وسبتة خاصة بوصفهما مركزين ثقافيين كبيرين عُنِيَا بالعلوم اللسانية وغيرها، وعُنِيَا بصفة خاصة بعلم العروض، ثم عرف بأبي الحسن ابن بري وقد تتبع صلاته بالعلماء، كما وقف عند آثاره وقفة مطولة صحح فيها بعض الأشياء، أما المبحث الثالث في الدراسة فسماه (في النصين) ويتعلق بالنص المشروح والنص الشارح.

وأشار المحاضر إلى أنه وقف عن نص الشارح (أي نص ابن بري) وقفة مطولة تحدث فيها عن منهج الكتاب وعن بنائه وعن طريقته في العرض وعن مصادره وغير ذلك، ولبيان أهمية هذه الدراسة ذكر نقطتين؛ الأولى: تتعلق بالدرس العروضي في سبتة بخاصة وفي تازة تبعا لها.

وبين فضيلة الدكتور محمد الأمين المؤدب أنه مما وقف عنده كذلك في قسم الدراسة ما يتعلق بالمصادر، وذكر أن مصادر ابن بري متعددة ومتنوعة وتتبعها يدل دلالة واضحة على أن تلك المصادر كانت بين يديه وأنه نقل منها بأنامله، مثل: العروض للأخفش والزجاج وكتاب القوافي لسيبويه.

وقد تحدث المحاضر في النقطة الثالثة والأخيرة المتعلقة بسياق تأليف ابن بري لكتابه وبيان أهميته عن المحاولات الرائدة في الاشتغال بالعروض في الغرب الإسلامي وقد وقف في هذا المبحث عند أهم الذين اشتغلوا بهذا العلم وتتبع تطوره في الأندلس ابتداء من القرن الثالث الهجري عند مجموعة من الأعلام، لينتهي إلى القرن الثامن مع القَلَلَوْسِي حين أَصَّلَ هذا العلم واكتمل مع تلميذه ابن بري.

كما وقف عند المدرسة السبتية، ووقف وقفة خاصة عند عناية علماء الغرب الإسلامي بالدوبيت، وبين في هذا السياق أن كل ما كتب في التعريف به من نماذج يرجع إلى ما عند القَلَلَوْسِي وابن بري، وقد أفاد ابن بري من أولئك جميعا وأخرج هذا الكتاب النفيس الذي يعد من أجود الشروح وأوسعها وأغناها لمكانة صاحبه، كما يعد أُمًّا من أمات العروض وأصلا من أصوله، ثم كان له الأثر الكبير في الدرس العروضي فيمن عاصره ومن جاء بعده، وفي هذا السياق أيضا أشار إلى أن أكثر نصوص «العيون الغامزة» إنما هو لابن بري، وبذلك يتأكد أن ابن بري عرفه المشارقة عن طريق الدماميني خاصة، بل هو حاضر حتى في الدراسات العروضية الحديثة.

وبين المحاضر أن ابن بري أقام كتابه على المقدمة التي أسماها «صدر الكتاب» وهي مقدمة نفيسة، بعدها انتقل إلى شرح المختصر، وقد تحدث عن منهجه بوضوح، وهو المنهج العام لبناء الكتاب، ثم تحدث عن المنهج الخاص الذي يتمثل أساسا في تفكيك النص، وقد أشار المحاضر إلى أن ابن بري اتخذ شرح مختصر ابن السقاط متكأ ينطلق منه للبحث والتعليق والاستدراك، وفي هذا السياق أشار إلى أنه استدرك على كثير من العلماء القدماء والمعاصرين له بمن فيهم شيخاه: ابن المرحل والقَلَلَوْسِي، وهي استدراكات محمودة وفي غاية الجودة.

ووضَّحَ المحاضر أن الكتاب يحتاج إلى عُدَّة منهجية ومعرفية كبيرة لتحقيقه، وقد وقف في هذا الإطار على كثير من مواطن التصحيف والتحريف التي وقع فيها التحقيق السابق للكتاب، مشيرا في ختام محاضرته إلى أن هذا الكتاب كان جديرا بالتحقيق منذ زمن ولأمر ما خاصة لصعوبته تقاعس عنه كثير من العلماء لكن اهتمام المحاضر به جعله يشتغل به خدمة للعلم.

وقد أعقبت محاضرة فضيلة الدكتور محمد الأمين المؤدب مناقشة علمية رصينة أَثْرَت هذه المحاضرة العلمية، وتخللتها أسئلة الحاضرين وتعليقاتهم، التي أجاب عنها الأستاذ المحاضِر ببيان ووضوح بما يساهم في توسيع النقاش العلمي البناء وتعميقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق