مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

محاضرة بعنوان: «من المخطوطات الغميسة للموريسكيين أو الأندلسيين المتأخرين: الكتب الرصاصية» قدمها بمركز ابن أبي الربيع السبتي فضيلة الدكتور محمد عبد الواحد العسري

تتواصل فعاليات الاحتفاء بيوم المخطوط العربي يوم 4 أبريل من كل عام –ويستمر خلال شهر كامل-، وهو الحَدَث العلميُّ الذي تشارك فيه الرابطة المحمدية للعلماء بهدف نشر الوعي التراثي العربي، والتعريف بجهود الحضارة العربية ومنجزاتها.

وفي هذا الإطار نظم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء محاضرة بعنوان: «من المخطوطات الغميسة للموريسكيين أو الأندلسيين المتأخرين: الكتب الرصاصية»، قدمها فضيلة الدكتور محمد عبد الواحد العسري، وذلك يوم الخميس 6 شوال 1444هـ الموافق ل 27 أبريل 2023م، بمقر المركز.

وقد ألقى الكلمة التقديمية لهذه المحاضرة فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع، الذي رحب بضيف المركز وكذا بالحضور أساتذة وطلبة باحثين.

ثم انتقلت الكلمة إلى الأستاذ المحاضر الذي مهد حديثه بمقدمة طويلة تحدث فيها عن المقصود بالمخطوطات الغميسة، وكذا المقصود بـ«الموريسكيين» مبينا أن إسبانيا هي من سمتهم كذلك على سبيل التصغير من شأنهم.

ثم انتقل إلى الحديث عن صلب الموضوع المتعلق بالكتب الرصاصية موضحا أنها تطلق على رَق من الرقوق التي عُثرَ عليها عند هدم صومعة أحد الجوامع في غرناطة بغية تحويله إلى كنيسة، وقد عرض المُحاضرُ على العاكس الضوئي نماذجَ من هذه الرقوق.

وقسم حديثه عن الكتب الرصاصية إلى خمسة أقسام؛ أولها: في الحديث عن صفائح الرصاص وذخائر خندق الجنة، مشيرا إلى أنه فيما بين 1595 و 1599 ظهرت بشكل مفاجئ ومتتابع وغامض في مغارات بجبل خندق الجنة رزم الكتب الرصاصية (22 كتابا) مكتوبة باللغة العربية على صفائح من معدن الرصاص، وبقايا أجساد بشرية محرقة بين رمادها. وبخصوص ردود الفعل حول ظهور هذه الكتب، فقد ذكر المحاضر أنها كانت إيجابية جدا حيث خولت أصولا عريقة ومبجلة لجميع الناس، وخاصة للنصارى فأثارت مشاعرهم الدينية وتحمسوا إليها كثيرا، وفي سياق ظهور هذه الكتب أمر شماس غرناطة ببناء دير الساكرومونتي.

أما اللغة التي كُتِبَت به هذه الكتب فقد ذكر أنها جاءت على أساليب مختلفة وملائمة لما راهنت على إنتاجه من مضامين، كما أنها توسلت بأسلوب استدلالي للبرهنة على عقائد وقواعد دينية من مثل: الحقيقة الإلهية، شعيرة المائدة، المعاد، الملائكة، وبَيَّنَ أيضا أنها جاءت بأسلوب حواري ممثلا بمريم العذراء التي تسأل الملك جبرائيل تلقينها فضائل حقيقة الإنجيل، وهو ما يذكر بالمناجاة الإسلامية، ومن هذه الكتب ما جاء في أسلوب سردي؛ حيث تسرد بعضها قصصا عن حياة المسيح وأمه وحواريه وخاصة يعقوب وتلامذته العرب: ابن العطار وابن الراضي، كما حاولت كتب أخرى محاكاة الأسلوب القرآني من حيث الجمال والسجع والنغم، فضلا عن افتتاح بعض فقراتها بالحروف المقطعة، وبين المحاضر أنها لم تتمكن هذه الكتب من التخلص من اللهجة الأندلسية ممثلا على ذلك ببعض الأمثلة.

وثاني هذه الأقسام في الحديث عن مضامين هذه الكتب ومحتوياتها في ضوء أصولها وترجماتها المتحيزة، فمن حيث أصولها بين أن هذه الكتب الآن هي عبارة تخريجات جزئية، وهي بحسب الترتيب الزمني لإنتاجها أو نشرها مثل: تخريج الحجرتي، وقد عرض في العاكس الضوئي أيضا نماذج من هذه التخريجات. أما من حيث الترجمات التي خضعت لها هذه الكتب فذكر أن التراجمة المعروفين الآن لهذه الكتب مجموعهم 19 مترجما، منهم الموريسكيون: مثل الفقيه الأكيحل الأندلسي وميخيل دو لونة والفقيه الجبس وأحمد بن قاسم الحجري، بالإضافة إلى نصارى قدماء من إسبانية وخارجها، وحتى من المشرق العربي. كما تحدث عن بعض محتوياتها في ضوء هذه الترجمات.

وفي القسم الثالث: تحدث عن الوقائع المؤطرة لظهور هذه الألواح الرصاصية، أو الشروط التاريخية والسياسية والدينية والثقافية لظهورها، ويتعلق الأمر باتفاقية استسلام غرناطة التي نصت على أنه «لن يجبر أي مسلم أو مسلمة على الدخول في النصرانية» وما تلى هذه الاتفاقية من عدم احترام بنودها؛ فتأسيس الدولة اقتضى توحيد ممالكها وتوحيد معتقدها الديني ولغتها وثقافتها، وكذا التعميد القسري للموريسكيين وسلخهم عن مقومات هويتهم الثقافية، بالإضافة إلى ثورة البشرات قرب غرناطة فيما بين: 1568م و 1571م.

أما في القسم الرابع فقد بَيَّنَ أصحاب هذه الكتب المفترضين وآفاق انتظاراتهم، مرجحا أن الموريسكيين (ألونسو ديل كاستييو/ ميغيل دي لونة … إلخ) قد وضعوا هذه المخترعات ليقنعوا بها السلطات الدينية والسياسية الإسبانية بما عجزوا عن إقناعهم به بمفاوضاتهم وثوراتهم، مبينا أن هذه الكتب الرصاصية لم تطالب تضمينا وتصريحا بأكثر من أن تترك هذه السلطات أولئك الأندلسيين المتأخرين لحالهم ببلادهم، حيث يمكنهم أن يعيشوا فيها وبين أهلها، من حيث كونهم نصارى بثقافة عربية، أو مسلمين يقدرون ويقدسون النصرانية الأصلية والصحيحة، ويدافعون عنها ضد الهراطقة والمنحرفين.

مع احتمال إسهام النصارى القدماء في هذا الاختراع لمواجهة الإصلاح الديني البروتستانتي، والدفاع عن المعتقدات الكاثوليكية في القديسين والشهداء وعقيدة مريم الطاهرة، أو لأجل المحافظة على المصالح والمنافع المادية المشتركة. وفي ختام هذا القسم ذكر أن الغاية من اختراع هذه الكتب الرصاصية لم تتحقق حيث تم إجلاء الموريسكيين عن أندلسهم.

وفي القسم الأخير تحدث عن إدانة هذه الكتب ومصيرها، مبينا أنه في 6 مارس سنة 1682م أي بعد انصرام ما يقرب من قرن على مصادرة الفاتيكان لهذه اللقى أدان البابا «إينوسينيو 11» الصفائح الرصاصية قائلا أنها «مجرد تخيلات بشرية منتحلة لتخريب الإيمان النصراني فضلا عما تضمنته من شرور محمدية»، مشيرا إلى أنها بقيت مصادرة بمكتبة الفاتيكان إلى سنة 2000م، حيث أعيدت إلى دير الساكرومنتي فتنامى الاهتمام بها بين ثلة من الباحثين.

وتلت هذه المحاضرة مناقشة قيمة أثرتها أسئلة الباحثين حول هذا الموضوع الذي قلما تطرق له الباحثون، وقد وجد الأستاذ المحاضر في هذه المناقشة فرصة سانحة لزيادة الإيضاح والتبيين، وكان الختام على أمل عقد لقاء علمي آخر يكشف اللثام عن مزيد من خبايا هذه الكتب، ويعرض ما استجد من أخبار عنها، في انتظار التحقيق العلمي لها المترقب صدوره قريبا.

تعليق واحد

  1. بارك الله في جهودكم
    حبذا لو تضعون إخبارا مسبقا في الموقع لأنشطتكم الثقافية كي نتمكن من الحضور والاستفادة معكم
    شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق