مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

محاضرة بعنوان: «قراءة في كتاب الدكتور سعيد بكور «بلاغة العدول في شعر ذي الرمة من حيز السياق إلى فضاء التأويل»» قدمها بمركز ابن أبي الربيع السبتي الدكتور هشام بحيري

نظم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء محاضرة بعنوان: «قراءة في كتاب الدكتور سعيد بكور «بلاغة العدول في شعر ذي الرمة من حيز السياق إلى فضاء التأويل»»، قدمها الدكتور هشام بحيري، وذلك يوم الثلاثاء 11 شوال 1444هـ الموافق ل 02 ماي 2023م، بمقر المركز.

وقد تولى الدكتور هشام بحيري رئاسة الجلسة الافتتاحية لهذه المحاضرة حيث رحب بضيف المركز الدكتور سعيد بكور وكذلك بالحضور الكرام أساتذة وطلبة باحثين.

ثم قدَّمَ بعد ذلك قراءته للكتاب المذكور الموسومة بـ«بلاغة العدول في شعر ذي الرمة بين التنظير والتطبيق»، وقد عرض في بداية هذه القراءة وصفا مختصرا للأبواب الثلاثة لهذا الكتاب وفصوله، ثم قدم عرضا مفصلا لهذه الأبواب والفصول والمباحث.

وبين المحاضر أن المؤلف استهل كتابه بتمهيد نظري أكد فيه أن ملامح الهوية الشعرية لأي شاعر تظهر في تميزه عن غيره في طريقته وأسلوبه اللذين يظهران أساسا في خرقه للمألوف والسائد من جهة التلوين التعبيري والتشكيل الفني والظواهر الأسلوبية مركزا حديثه على الشاعر ذي الرمة الذي تميزت تجربته بالعدول تجلت في مخالفته السائد في كثير من جماليتها، وهو عدول ظهرت ملامحه بيانيا وتركيبيا وإيقاعيا.

 وأشار الدكتور هشام بحيري إلى أن المؤلف خص الباب الأول للعدول البياني واستهله بتمهيد حدد فيه مفهوم العدول البياني ووظائفه وتجلياته مقسما هذا الباب إلى ثلاثة فصول، درس في الفصل الأول العدول البياني من حيث ألفة الصورة وغرابتها، فبدأ المبحث الأول منه برصد مظاهر العدول المألوف في شعر ذي الرمة، أما المبحث الثاني من هذا الفصل فانصب فيه حديث المؤلف عن العدول المدهش، وخص المؤلف المبحث الثالث بالعدول النادر، أما الفصل الثاني من هذا الباب فاعتنى فيه المؤلف بالجانب الكمي في العدول البياني، فقسم العدول إلى العدول البسيط والعدول المركب والعدول المكثف مميزا بين كل نوع منه، مستقصيا تجلياته في شعر ذي الرمة. أما الفصل الثالث من هذا الباب فتمحورت مباحثه حول التشكيل البلاغي للعدول البياني، وقد خص المبحث الأول منه للحديث عن بلاغة الإخراج البياني في شعر ذي الرمة، أما المبحث الثاني من هذا الفصل فخصصه لتلمس خصوصيات التشكيل البياني عند هذا الشاعر، وذكر المتدخل أن المؤلفَ وقف في المبحث الثالث عند علاقة العدول البياني بالأغراض الشعرية، أما المبحث الرابع فتناول فيه قضية امتداد الصورة الشعرية وتجاوزها البيت الواحد.

ثم انتقل الدكتور هشام بحيري للحديث عن الباب الثاني من الكتاب وذكر أن المؤلف درس في هذا الباب العدول التركيبي، مبينا أنه قسم هذا الباب إلى فصلين اثنين، خصص الأول منهما لأقسام العدول التركيبي ودرجاته من حيث الكم، حيث ركز في المبحث الأول على العدول البسيط، أما المبحث الثاني فدرس فيه العدول التركيبي المكثف، ثم ختم هذا الفصل بمبحث درس فيه النوع الثالث من العدول التركيبي وهو العدول المركب. أما الفصل الثاني من هذا الباب فقد انصب فيه تركيز المؤلف على جماليات العدول التركيبي مركزا الحديث في المبحث الأول منه على القيم الجمالية لأقسام العدول التركيبي، وفي المبحث الثاني درس المؤلف إيقاع العدول التركيبي.

وخصص الباب الثالث من الكتاب لدراسة العدول الإيقاعي ممهدا له بحديث عن إيقاع الشعر بين المفهوم والتشكيل، وقسم هذا الباب إلى فصلين، وقد عرض المؤلف في المبحث الأول من الفصل الأول من هذا الباب بعض تجليات العدول في الإيقاع الخارجي، فيما عالج في المبحث الثاني من هذا الفصل مظهرا آخر من مظاهر الإيقاع الخارجي وهو القافية. وقد استعرض في الفصل الثاني صور العدول في الإيقاع الداخلي مركزا في المبحث الأول منه على مظاهر التوازن التي يتحقق بها العدول الإيقاعي في شعر ذي الرمة مثل: التوازي والتوازن وكذا التقسيم، وبين الدكتور هشام بحيري أن دراسة مظاهر العدول في الإيقاع الداخلي قادت المؤلفَ إلى الحديث عن التكرار في المبحث الثاني من هذا الفصل، وأشار إلى أنه ختم هذا الفصل بمبحث ثالث حول التشكيل الجمالي للعدول الإيقاعي.

وبعد هذه القراءة المفصلة لمضامين الكتاب سجل الدكتور هشام بحيري مجموعة من الملاحظات التي ظهرت له أثناء قراءة الكتاب، ومنها: أن كتاب «بلاغة العدول في شعر ذي الرمة» دراسة تطبيقية تشتغل على المتن الشعري مباشرة، وتغلب الجانب التطبيقي على الجانب النظري، فتصاحب النص الشعري لا تكاد تفارقه إلا في التمهيد للفصول مما أكسب الكتاب فرادته وتميزه، وأيضا اعتماد المؤلف على المقارنة كأداة منهجية ساعدته في الكشف عن خصائص التجربة الشعرية عند ذي الرمة، بالإضافة إلى لجوء المؤلف في دراسة تجليات العدول إلى المسح الإحصائي الذي ساعده في ضبط نسب اطرادها في ديوان ذي الرمة.

ومن الملاحظات التي سجلها الدكتور هشام بحيري حول الكتاب المقروء أن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب قائم على تصور منهجي واضح ودقيق، ينطلق من النصوص ولا يفرض عليها، ومن ملاحظاته المتعلقة بالمصطلحات ذكر أن عناية المؤلف بالمصطلحات الأدبية والنقدية اختلفت من مصطلح إلى آخر، وقد تحدث المحاضر عن غياب تعريف دقيق مباشر لمصطلح «العدول»، وفي المقابل فالمؤلف يعتني عناية خاصة ببعض المصطلحات كالتناسب والإيغال والتسهيم والتوقيع.

وبالنسبة للملاحظات المتعلقة بالمصادر والمراجع فقد ذكر الدكتور هشام بحيري أن قارئ الكتاب يحس أنه يقرأ كتبا متعددة في كتاب واحد خصوصا كتب النقد القديم وهذا ما تؤكده نظرة سريعة على لائحة المصادر والمراجع من خلال هيمنة المصادر على المراجع، بالإضافة إلى ملاحظة أخرى متعلقة بهذا الباب وهو غياب بعض ما كتب في الموضوع عن مسرد المراجع، وعدَّدَ الدكتور هشام بحيري بعض هذه الكتابات.

وختم المحاضر مداخلته ببعض المقترحات منها: وضع مسرد لمصطلحات الكتاب النقدية والأدبية في نهاية الكتاب.

وقد أعقبت هذه القراءة العلمية كلمة صاحب الكتاب المقروء الدكتور سعيد بكور الذي أعرب في بداية كلمته عن شكره للقائمين على المركز وكذا الحضور أساتذة وطلبة باحثين.

وقد ذكر الدكتور سعيد بكور في بداية مداخلته أن قراءة الشعر تحتاج إلى مداخل متعددة تفضي إلى مخرج واحد وهو القبض على ما هو جمالي، وأن جماليات النص الشعري منفلتة هاربة تحتاج إلى قارئ ذي ذوق ومعرفة وحدس وأدوات تمكنه من الإحاطة بالمقاصد والغايات.

كما أكد على أن داخل السياق هناك دائما بؤرة جمالية تمثل المركز، وأن مكونات النص يحكمها التلاحم والتناسب والتشاكل ولابد من النظر في العلاقات النصية التي تتجاوز التعالق النحوي إلى التعالق النصي العام الذي يدخل فيه انصهار هذه الوحدات كل المكونات والظواهر.

كما بين أن جودة النص محكومة بتحقق شرط التناسب بين سائر الصور التعبيرية التي ينبغي أن توضع في السياق الذي ينتج بعدا جماليا، وأن جميع مكونات النص ذات أهمية في بناء التعبير ولا يخدم بعضها بعضا إلا بمقدار دورها في إثارة المتلقي ودفعه إلى البحث عن الخفي المضمر.

وأشار إلى أن انصهار مكونات النص ينتج عنه تفاعل داخلي يثمر إنتاجا جماليا وفوائد يرتبط تأويلها بالسياق وهذه العناصر لا تعمل منعزلة بل يحكمها مبدأ التفاعل، ومما جاء في مداخلته أيضا أن للقارئ أفق تأويلي قد يضيق وقد يتسع وضيقه واتساعه رهين بما يتوفر في النص من شروط جمالية تحقق الجودة، وبشجاعة القارئ ومهارته وكفاءته باقتحام غمار النص وخفاياه.

وقد ذكر الدكتور سعيد بكور أيضا أن عدول ذي الرمة عن السياق لم يكن عدولا كليا بل هناك شروط وضوابط تؤطر الإبداع، مبينا أن شعر ذي الرمة يقوم على المغايرة لكنها مغايرة نسبية داخلية، كما أن هذا الشاعر امتلك فلسفة شعرية تقوم على الإخلاص للبعد الفني جعلته يفترع لنفسه طريقا شعرية أعيت غيره من الشعراء المعاصرين.

وقد أثارت هذه المحاضرة العلمية القيمة تفاعل الحاضرين الذين أثروها بمداخلاتهم وأسئلتهم التي دارت حول بعض الأمور المنهجية في الكتاب وخاصة التركيز على تأصيل بعض المصطلحات، وكذا تقسيم أبواب الكتاب، وما يتعلق أيضا بالبعد الجمالي في شعر ذي الرمة، وقد أغنت هذه المناقشة الرصيد العلمي لهذه المحاضرة وفتحت آفاقا جديدة للبحث، خاصة في قراءة الشعر العربي القديم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق