مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس النحو «5»

انعقد يوم الخميس 16 صفر 1440هـ الموافق لـ 25 أكتوبر 2018م، المجلس الخامس من مجالس النحو التي يؤطرها الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية.

استأنف المحاضر في هذا المجلس حديثه عن أقسام التغيير انطلاقا من أبيات الناظم: 

يَكُونُ فِي الصَّحِيحِ مَلْفُوظًا كَمَا*** قُدِّرَ إِنْ لِذِي اعْتِلَالٍ انْتَمَى

كَجَاءَنِي سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ*** صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الصَّمَدُ

وَمَعَهُ سَيِّدُنَا مُوسَى الكَلِيمْ*** وَبَشَّرَا سَيِّدَنَا عِيسَى الحَكِيمْ

وفي تعليقه على هذه الأبيات ذكر الدكتور أن الناظم يريد أن التغيير الذي يلحق أواخر الكلم المعربة يكون ملفوظا في الصحيح، وقد ذُكِرَ مثاله، ويكون مقدرا في المعتل الآخر، كما في قوله تعالى: (له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، قل إن هدى الله هو الهدى).

فكلمة الهدى الأولى مخفوضة بـ «إلا»، والثانية منصوبة بـ «إن»، والثالثة مرفوعة على أنها خبرها، ولكن التغيير مقدر لا يظهر لاعتلال آخرها، وهو قول الناظم: «كَمَا قُدِّرَ إِنْ لِذِي اعْتِلَالٍ انْتَمَى».

ووضح الدكتور أن الناظم قد مَثَّلَ للصحيح بأمثلة منها، محمد والصمد والكليم والحكيم، ومَثَّل للمعتل بموسى وعيسى، وكلاهما مقصور تقدر فيه الحركة للتعذر. والمقصور هو ما كان آخره ألف لازمة مفتوحٌ ما قبلَها، مستشهدا بأبيات «الألفية» حيث يقول الناظم:

وَسَمِّ مُعْتَلًّا مِنَ الأَسْمَاءِ مَا *** كَالمُصْطَفَى وَالمُرْتَقِي مَكَارِمَا

فَالأَوَّلُ الإِعْرَابُ فِيهِ قُدِّرَا *** جَمِيعُهُ وَهوَ الَّذِي قَدْ قُصِرَا

وَالثَّانِ مَنْقُوصٌ وَنَصْبُهُ ظَهَرْ*** وَرَفْعُهُ يُنْوَى كَذَا أَيْضًا يُجَرّْ

وبين الدكتور أنه تقدر في الاسم المنقوص – وهو ما كان آخره ياء لازمة مكسور ما قبلَها – حركة الضمة والكسرة، وتظهر عليه الفتحة لخفتها. وما كان مضافا إلى ياء المتكلم تقدر فيه الحركات كلها للمناسبة، فحصل من هذا أن الحركات كلها تقدر في المعتل الآخر إلا المنقوص فإنه تظهر عليه الفتحة فقط. وكذلك الفعل المضارع الذي آخره واو فإنه لا تظهر عليه حركة الرفع وهي الضمة للثقل، وتظهر عليه حركة النصب وهي الفتحة، وأما جزمه فيكون بحذف حرف العلة أصلا، ولك أن تقول إن حروف العلة ثلاثة هي: الألف والواو والياء.

وفي هذا السياق وقف المحاضر عند أبيات «الألفية» حيث يقول الناظم:

وَأَيُّ فِعْلٍ آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ *** أَوْ وَاوٌ اَوْ يَاء فَمُعْتَلًّا عُرِفْ

فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ*** وَأَبْدِ نَصْبَ مَا كَيَدْعُو يَرْمِي

وَالرَّفْعَ فِيهِمَا انْوِ وَاحْذِفْ جَازِمَا*** ثَلَاثَهُنَّ تَقْضِ حُكْمًا لَازِمَا

وفي شرحه لهذه الأبيات بين أن الألف تقدر فيها جميع الحركات، ونقول: منع من ظهورها التعذر. وأما الواو والياء فلا تظهر عليهما الضمة والكسرة، ونقول: منع من ظهورهما الثقل وتظهر عليهما الفتحة لخفتها.

ثم انتقل إلى أقسام الإعراب انطلاقا من الأبيات الآتية: 

أَقْسَامُهُ رَفْعٌ وَنَصْبٌ عُمِّمَا*** جَزْمٌ وَخَفْضٌ خُصِّصَا لِتَفْهَمَا

فَالأَوَّلَانِ فِي السُّمَى وَالفِعْلِ*** قَدْ وَقَعَا عَلَى اتِّفَاقِ الكُلِّ

كَاللهُ يَرْحَمُ وَيُكْرِمُ المُطِيعْ*** فَلَنْ أَزَالَ قَافِيًا نَهْجَ الشَّفِيعْ

وَالجَزْمُ لِلْفِعْلِ كَلَمْ أَقْصِدْ فِرَى*** وَالخَفْضُ لِلاسْمِ كَلِلَّهِ وَالوَرَى

وفي تعليقه على هذه الأبيات بين أن للإعراب أربعة أقسام: اثنان يشملان الاسم والفعل وهما الرفع والنصب وهو قوله: «أَقْسَامُهُ رَفْعٌ وَنَصْبٌ عُمِّمَا»، أي أن الرفع والنصب يعمان الاسم والفعل معا. وأشار إلى أن المقصود بالفعل هنا الفعل المضارع المجرد من نوني التوكيد ونون النسوة، لأن الفعل الماضي وفعل الأمر مبنيان، وكذلك المضارع المتصل بنوني التوكيد ونون النسوة فهو مبني أيضا. 

وأضاف أن اثنين من أقسام الإعراب يختص أحدهما بالاسم وهو الخفض، ويختص ثانيهما بالفعل وهو الجزم. وهو قوله: «جَزْمٌ وَخَفْضٌ خُصِّصَا». 

ثم انتقل إلى قول الناظم « فَالأَوَّلَانِ فِي السُّمَى وَالفِعْلِ قَدْ وَقَعَا» وبين الدكتور محمد الحافظ الروسي أن الرفع والنصب يقعان في الأسماء والأفعال ومَثَّلَ لذلك بقوله: «اللهُ يَرْحَمُ وَيُكْرِمُ المُطِيعْ»، فـ«الله» مبتدأ مرفوع وهو اسم. و«يرحم» فعل مضارع وهو أيضا مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره، وفيه ضمير مستتر فاعل والجملة الفعلية خبر المبتدأ، والواو عاطفة، و«يكرم» فعل مضارع وفيه ضمير مستتر تقديره هو، و«المطيع» مفعول به منصوب، وجملة يكرم معطوفة على جملة يرحم، والمطيع اسم وقد جاء منصوبا والنصب علامة مشتركة بين الفعل والاسم مثلها في ذلك مثل الضم، ومَثَّلَ لذلك بـ «لَنْ أَزَالَ قَافِيًا نَهْجَ الشَّفِيع» أي مقتفيا.

وهنا بين الدكتور أن «أزال» تدل بذاتها وصيغتها على النفي، وعدم وجود الشيء؛ فإذا وُجِدَ قبلها نفي أو شبهه (وهو النهي والدعاء) انقلب معناها للإثبات لأن نفي النفي إثبات، مستشهدا بما جاء في الألفية: 

تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا وَالخَبَرْ *** تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ

كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبَحَا *** أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا

فَتِئَ، وَانْفَكَّ وَهَذِي الأَرْبَعَهْ *** لِشِبْهِ نَفْيٍ أَوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ

جاء في «المغني»: أما قوله تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِين) فقيل: ليس منه لأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب أو الغائب نحو: «يارب لَا عَذَّبْتَ فلانا» ونحو: «لَا عَذَّبَ الله عَمْرًا» [ص: 375]، ويرده قول الأعشى:

ثُمَّ لَا زِلْتُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الجِبَالِ

 ثم انتقل إلى إعراب الشاهد في بيت الناظم  فـ «لن» حرف نفي ونصب واستقبال، و«أزال» فعل مضارع ناقص وفيه ضمير مستتر تقديره أنا، وهواسمه، و«قافيا» خبره منصوب، و«نهج» مفعول به منصوب لاسم فاعل قافيا، وهو مضاف و«الشفيع» مضاف إليه، فورد النصب في آخر الفعل وفي آخر الاسم قافيا ونهج.

ثم بين أن الجزم خاص بالأفعال في قوله: « وَالجَزْمُ لِلْفِعْلِ»، ومثل له بقوله «لَمْ أَقْصِدْ فِرَى»، والفرى جمع فرية وهي الكذب، وفعلها افترى، ومنه قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاه): أي اختلقه. وفي الحديث «مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا»، وذكر الدكتور أن الفرى جمع فرية وهي الكذبة وأفرى أفعل تفضيل منه، أي أكذب الكذبات أن يقول رأيت في النوم كذا كذا ولم يكن رأى شيئا لأنه كذب على الله تعالى فإنه هو الذي يرسل ملك الرؤيا ليريه المنام. 

ثم رجع إلى بيان القسم الرابع من أقسام الإعراب وهو الجزم الخاص بالأفعال قال: «فإن قال قائل عندي اسم مجزوم قرأناه في كتاب الله، قال تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ)» فقد وضح أن «من» اسم، ومجزوم لأن آخره السكون؛ نقول: هذا ليس بجزم ولكن هذا بناء، وذكر أن المبني ليس له دخل في الإعراب إطلاقا، ولهذا تعرب «من» فاعلا في قولنا: «جاء من نحبه» ومفعولا في قولنا «أَكرِمْ من تحبه» واسما مجرورا في قولنا: «انظر إلى من تحبه» فلا تتغير لأنها مبنية.

وفي هذا الصدد أشار إلى أن المبنيات من الأسماء هي: الضمائر وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة وأسماء الأفعال والأسماء الموصولة والأعلام المختومة بويه وبعض الظروف نحو «الآن». 

وفي ختام شرحه لأبيات الناظم – رحمه الله تعالى – وقف عند مثاله في البيت الأخير وهو قوله « لَمْ أَقْصِدْ فِرَى» وذكر أن «لم» حرف نفي وجزم وقلب، و«أقصد» فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وفيه ضمير مستتر تقديره أنا، وهو الفاعل، «فِرَى» مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.

 وبين أن الخفض خاص بالأسماء في قوله: « وَالخَفْضُ لِلاسْمِ» ومثاله قول الناظم: «لِلَّهِ الوَرَى». وذكر أن «لله» جار ومجرور، متعلق بمحذوف خبر مقدم، و«الورى» مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على  الألف منع من ظهورها التعذر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق