مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس البلاغة «4»

انعقد يوم الثلاثاء 22 محرم 1440 هـ الموافق لـ 2 أكتوبر 2018م، المجلس الرابع من مجالس البلاغة التي يشرف عليها الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية.

وكان محور هذا المجلس هو «الفصاحة عند ابن سنان الخفاجي» انطلاقا من كتابه «سر الفصاحة»، واقتصر في هذا المجلس على الحديث عن فصاحة اللفظة المفردة.

وفي مستهل حديثه ذكر أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني، و لا يقال في كلمة واحدة بليغة وإن قيل فيها فصيحة، وكل كلام بليغ فصيح، وليس كل فصيح بليغا.

وقد بين الدكتور في هذا السياق أنه لكي تكون اللفظة الواحدة فصيحة، ينبغي أن تتوفر فيها بعض الشروط، وتلك الشروط تنقسم إلى قسمين: فالأول منها  يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شيء من الألفاظ وتؤلف معه، والقسم الثاني يوجد في الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض. فأما الذي يوجد في اللفظة الواحدة فثمانية أشياء، وقد اقتصر الدكتور في هذا المجلس على ذكر أربعة منها تمثلت فيما يلي: 

أولها: أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج، وعلة هذا واضحة وهي أن الحروف التي هي أصوات تجري من السمع مجرى الألوان من البصر، ولا شك في أن الألوان المتباينة إذا جُمِعت كانت في المنظر أحسن من الألوان المتقاربة، ولهذا كان البياض مع السواد أحسن منه مع الصفرة لقرب ما بينه وبين الأصفر وبعد ما بينه وبين الأسود. ومثَّلَ لتأليف الحروف المتقاربة بكلمة «الهعخع»، وأضاف أن لحروف الحلق مزية في القبح إذا كان التأليف منها فقط، وبَيَّنَ أن الإنسان يدرك هذا ويستقبحه كما يقبح بعض الأمزجة من الألوان، وبعض النغم من الأصوات.

وثاني هذه الشروط التي وقف عندها هو أن يوجد لتأليف اللفظة في السمع حسنا ومزية على غيرها، وإن تساويا في التأليف من الحروف المتباعدة، كما يوجد لبعض النغم والألوان حسنا يتصور في النفس، ويدرك بالبصر والسمع دون غيره مما هو من جنسه؛ كل ذلك لوجه يقع التأليف عليه. ومثاله في الحروف (ع ذ ب)، فإن السامع يجد لقولهم: «العُذَيْب» اسم موضع، و«عُذَيْبَة» اسم امرأة، وعَذْبٌ، وعَذَبَ، وعَذَابَاتٌ؛ ما لايجده فيما يقارب هذه الألفاظ في التأليف، وليس سبب ذلك بُعْد الحروف في المخارج فقط، ولكنه تأليف مخصوص مع البُعْد، ولو قدمت الذال أو الباء لم تجد الحسن على الصفة الأولى في تقديم العين على الذال لضرب من التأليف في النغم يفسده التقديم والتأخير. وأضاف الدكتور محمد الحافظ الروسي أنه ليس يخفى على أحد من السامعين أن تسمية الغصن غصنا أو فَنَنًا أحسن من تسميته عُسْلُوجًا، وأن أغصان البان أحسن من عَسَاليج الشَّوْحَط في السمع. 

وفي هذا الصدد أشار إلى أن التمكن هو تمكن الكلمة من موضعها حتى لا تستطيع أن تأتي بكلمة أخرى بدلها، ويكون بجرسها كذلك، وقد يكون بسبب آخر كالاشتقاق.

أما ثالث هذه الشروط التي ذكرها فهو أن تكون الكلمة غير متوعرة وحشية، ممثلا لذلك بقول أبي تمام:

لَقَدْ طَلَعَتْ فِي وَجْهِ مِصْرَ بِوَجْهِهِ *** بِلَا طَائِرٍ سَعْدٍ وَلَا طَائِرٍ كَهْلِ

فإن «كهلا» ها هنا من غريب اللغة، وقد روي أن الأصمعي لم يعرف هذه الكلمة، وليست موجودة إلا في شعر بعض الهذليين، وهو قول أبي خراش الهذلي:

فَلَوْ كَانَ سَلْمَى جَارَهُ أَوْ أَجَارَهُ *** رباحُ بْنُ سَعْدٍ رَدَّهُ طَائِرٌ كَهْلُ

ومن ذلك أيضا ما يروى عن أبي علقمة النحوي من قوله: «مَا لَمْ تَتَكَأْكَؤُونَ عَلَيَّ تَكَأْكُأَكُمْ عَلَى ذِي جِنَّة افْرَنْقِعُوا عَنِّي» فإن « تَتَكَأْكَؤُونَ وافْرَنْقِعُوا » وحشي، وقد جمع العلتين مع قبح التأليف الذي يمجه السمع والتوعر.

وقد وقف الدكتور عند بيت السَّيِّد الحِمْيَري: 

وَلَقَدْ تَكُونُ بِهَا أَوَانِسُ كَالدُّمَى *** هِنْد وَعَبْدَة وَالرَّبَابُ وَبَوْزَعُ

أورده ابن رشيق في عمدته معلقا عليه بقوله: «فإنه ثقيل من أجل بوزع، وأنكر هذه اللفظة عبد الملك بن مروان على جرير، فما ظنك بالسيد الحميري؟ وكلما كانت اللفظة أحلى كان ذكرها في الشعر أشهى، اللهم إلا أن يكون الشاعر لم يزور الاسم، وإنما قصد الحقيقة لا إقامة الوزن؛ فحينئذ لا ملامة عليه، ما لم يجد في الكنية مندوحة..» [العمدة: 2/122].

ورابع هذه الشروط: أن تكون الكلمة غير ساقطة عامية، ومثال الكلمة العامية قول أبي تمام:

جليت والمَوْتُ مُبْدٍ حُرَّ صَفْحَتِهِ *** وَقَدْ تَفَرْعَنَ فِي أَفْعَالِهِ الْأَجَلُ

فإن «تفرعن» مشتق من اسم فرعون، وهو من ألفاظ العامة، وعادتهم أن يقولوا: تفرعن عن فلان؛ إذا وصفوه بالجبرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق