مجالس الألفية 9
انعقد يوم الأربعاء 20 ربيع الأول 1440هـ الموافق لـ 28 نونبر 2018م، بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية المجلس التاسع من «مجالس الألفية»، التي يؤطرها الدكتور عبدالرحمن بودرع.
وقد شملت المجالس السابقة تطبيقاتٍ نحويةً على نصوص قرآنية تهمّ درس الاستثناء، واستؤنف في هذا المجلس عرضُ أهم أدوات الاستثناء التي جاءَت في أبيات الناظم، وقد استهل المُحاضرُ حديثَه بالقولِ إن الاستثناءَ باب طويل ومعقد وتُبنى عليه فوائد كثيرة، ومعرفة أبوابه ووجوهه باب من أبواب العلم. واقتصر في هذا المجلس على شرح الأبيات المتبقية من باب الاستثناء من «الألفية» أولها البيت التالي:
وَاسْتَثْنِ نَاصِبًا بِلَيْسَ وَخَلَا *** وَبِعَدَا، وَبِيَكُونُ بَعْدَ «لَا»
وفي تعليقه على هذا البيت بيَّن الاستثناءَ بـ «ليس» ولا وعَدا ولا يَكونُ؛ فتقول: «قَامَ القَوْمُ لَيْسَ زَيْدًا، وَخَلَا زَيْدًا، وَعَدَا زَيْدًا، ولَا يَكُون زيدًا»، فـ «زيدا» في قول: «ليس زيدا، ولا يكون زيدا» منصوب على أنه خبر «ليس، ولا يكون»، واسمهما ضمير مستتر والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم، وأضاف المُحاضرُ أن المصنف نبه بقوله: «وبيكون بعد لا» إلى أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير «يكون»، ويُشترطُ في الاستثناءِ به أن تَسبقَه «لا» النافية؛ لا غيرها من أدوات النفي، نحو: لم ، وإنْ ولَنْ، ولَمَّا، ومَا.
ثم انتقل المُحاضرُ إلى بيت آخر في هذا الباب وهو قول الناظم:
وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ *** وَبَعْدَ «مَا» انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ
وفي شرحه لهذا البيت ذكر أنه إذا لم تتقدم «ما» على «خلا، وعدا» فيتم الجر بهما إن شئت؛ نحو: «قَامَ القَوْمُ خَلَا زَيْدٍ، وَعَدَا زَيْدٍ»، فخلا وعدا حرفا جر، وأضاف المُحاضرُ أن سيبويه لم يُحفظ عنه الجرُّ بهما وإنما حكاه الأخفش، مستشهداً على الجر بـ «خلا» بقول الشاعر:
خَلَا اللهِ لَا أَرْجُو سِوَاكَ، وَإِنَّمَا *** أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا
وأوضح أن في هذا البيت - أي قوله: «خلا الله» - شاهدين:
الأول أن الشاعر استعمل «خلا» حرف جر فجر به لفظ الجلالة،
والثاني: أنه قدّم المُستثنى على المستثنى منه وقبل العامل وذلك لغرض العناية والاهتمام، وأشار إلى اختلاف النحاة في المسألة وتشعب الأقوال فيها.
أما عن الجر بـ «عدا» فذكر المُحاضرُ قولَ الشاعر:
تَرَكْنَا فِي الحَضِيضِ بَنَاتِ عُوجٍ *** عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ
أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا *** عَدَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ
وفي هذا السياق أشار إلى أنه إذا تقدمت على خَلا وعَدا «ما»؛ وجب النصب بهما، نحو: «قام القوم ما خلا زيدا، وما عدا زيدا» فـ «ما»: مصدرية، و«خلا، وعدا»: صلتها، وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض مما سبق، و«زيدا» مفعول به، وهذا معنى قوله: «وبعد«ما» انصب». وبين أن الشاهد في هذه الأبيات قول الشاعر: «عدا الشمطاء»؛ إذ استعمل «عدا» حرف جر فجر الشمطاء به، وأضاف المُحاضرُ أن الكسائي أجاز الجر بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة، وجعل «خلا، وعدا» حرفي جر؛ نحو: «قَامَ القَومُ مَا خَلَا زَيْدٍ، ومَا عَدَا زَيْدٍ»، وهذا معنى قوله: «وانجرار قد يرد».
وذكر أنه إن جررت بـ «خلا، وعدا» فهما حرف جر، وإن نصبت بهما فهما فعلان وهذا مما لا خلاف فيه، وفي هذا السياق استعرض قول الناظم:
وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ *** كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلَانِ
وختم المُحاضرُ هذا المجلسَ بالبيت التالي:
وَكَخَلَا حَاشَا، وَلَا تَصْحَبُ «مَا» *** وَقِيلَ «حَاشَ، وَحَشَا» فَاحْفَظْهُمَا
وفي شرحه لهذا البيت ذكر أن المشهور في «حاشا» أنها لا تكون إلا حرف جر، نحو: «قَامَ القَوْمُ حَاشَا زَيْدٍ» بجر «زيد»، وذهب الأخفش والجرمي والمازني والمبرد وابن مالك إلى أنها مثل «خلا» تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها، وحرفا فتجر ما بعدها، نحو: «قَامَ القَوْمُ حَاشَا زَيْدًا، وَحَاشَا زَيْدٍ». وفي هذا الصدد وقف على بيت استشهد به الناظم وهو قول الشاعر:
حَاشَا قُرَيْشًا؛ فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ*** عَلَى البَرِيَّةِ بِالإِسْلَامِ وَالدِّينِ
وبين المُحاضرُ أن الشاهد في هذا البيت قوله: «حاشا قريشا» فإنه استعمل «حاشا» فعلا، ونصب به ما بعده.