مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية -5-

انعقد صبيحة يوم الخميس 10 محرم 1440هـ، الموافق لــ 20 شتنبر 2018م، المجلس الخامس من «مجالس الألفية» التي تعقد بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية، ويشرف عليها الدكتور عبد الرحمن بودرع.

وكان موضوعُ هذا المجلس باباً يُعدُّ من أهم أبواب النحو وهو «الاستثناء»، وقد استهل الأستاذُ حديثَه بتنبيهه على أن هذا الباب تندرج تحته مسائلُ كثيرةٌ جدا يجمعها الاستثناء.واقتصر في هذا المجلس على شرح الأبيات الثلاثة الأولى في باب الاستثناء من «الألفية» أولها البيت التالي:

مَا اسْتَثْنَتِ «الَّا» مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ *** وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ

إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ، *** وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ

وفي تعليقه على البيت الأول أشار إلى أن «إلا» هي أم الباب في الاستثناء، وأن حكم المستثنى بـ«إلا» النصب إن وقع بعد تمام الكلام الموجب، سواء كان متصلا أو منقطعا. فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجب وهو المشتمل على النفي أو شبهه، فإما أن يكونَ الاستثناءُ متصلا أو منقطعا. وبَيَّنَ أنّ المرادَ بالمتصل أن يكونَ المستثنى بعضا مما قبله، وبالمنقطعِ ألّا يكونَ بعضا مما قبله؛ فإن كان متصلا جاز نصبه على الاستثناء وجاز إتْباعُه لِما قبله في الإعراب وهو المختار، وذلك نحو: «مَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وإِلَّا زَيْدًا، ولَا يَقُمْ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدٌ، وإِلَّا زَيْدًا، وهَلْ قَامَ أَحَدٌ إِلَّا زَيْدً، وإِلَّا زَيْدًا؟» فيجوز في «زَيْدًا» أن يكون منصوبا على الاستثناء، وأن يكون منصوبا على البدلية من أحد وهذا هو المختار. 

وذكر أن الاستثناءَ إن كان منقطعا تَعيَّن النّصبُ عند جمهور العَرب، نحو: «مَا قَامَ القَوْمُ إِلَّا حِمَارًا»، ولا يجوز الإتباعُ، وأجازَه بنو تميم نحو: «مَا قَامَ القَوْمُ إِلَّا حِمَارٌ»، و«مَا ضَرَبْتُ القَوْمَ إِلَّا حِمَارًا»، و«مَا مَرَرْتُ بِالقَوْمِ إِلَّا حِمَارٍ». وأشار الأستاذُ إلى أن المراد بقول الناظم «انصب ما انقطع»؛ أي انصب الاستثناءَ المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعَه. 

وخلص إلى أن معنى البيتين أن الذي استثنى بـ «إلا» ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه، ونبه على هذا التقييد بذِكْرِه حُكمَ النفي بعد ذلك، وإطلاقُ كلامِه يدلُّ على أنه ينتصبُ سواء كان متصلا أو منقطعا. أمّا إن كان غيرَ موجب -وهو الذي فيه نفي أو شبه نفيٍ- انتخب -أي اختير-  إتباع ما اتصل، ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعَ المنقطع.

ثم انتقل الأستاذُ إلى البيت الثالث من أبياتِ بابِ الاسثناءِ وهو قول الناظم:     

وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ قَدْ *** يَأتِي، وَلَكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ

وفي شرحه لهذا البيت ذكر أنه إذا تقدمَ المستثنى على المستثنى منه فإمّا أن يكونَ الكلام موجبا أو غير موجب، فإذا كان موجبا وجب نصبُ المستثنى نحو: «قَامَ إِلَّا زَيْدًا القَوْمُ»، وإن كان غير موجب فالمختار نصبه نحو: «مَا قَامَ إِلَّازَيْدًا القَوْمُ»، مستشهدا في ذلك بقول الشاعر:

فَمَا لِيَ إِلَّا آلَ أَحْمَدَ شِيعَةٌ *** وَمَا لِيَ إِلَّا مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ

وأوْضَحَ أن الشاهدَ في هذا البيت قوله: « إِلَّا آلَ أَحْمَدَ» وقوله: « إِلَّا مَذْهَبَ الحَقِّ» حيث نصب المستثنى بإلا في الموضعين، لأنه متقدم على المستثنى منه والكلامُ منفيٌّ وهذا هو المختار.

ووقف أيضا عند البيت الثاني الذي استشهد به الناظم وهو قول الشاعر:

فَإِنَّهُمْ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً*** إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا النَّبِيُّونَ شَافِعُ

وذكر أن معنى البيت أنه قد ورد المستثنى السابق غير النصب – وهو الرفع- وذلك إذا كان الكلامُ غيرَ موجب، نحو: «مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ القَوْمُ» ولكنّ المختارَ نصبُه، والشاهدُ فيه قوله: « إِلَّا النَّبِيُّونَ» حيث رفع المستثنى مع تقدمه على المستثنى منه والكلام منفيّ، والرفع في مثل ذلك غير المختار، وإنما المختار نصبه. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق