مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 4


استؤنف المجلس الرابع من لمجالس الألفية التي تعقد في مركز ابن أبي الربيع السبتي بتأطير الدكتور عبد الرحمن بودرع، وذلك يوم الخميس 6ذو القعدة 1439هـ الموافق لـ 19 يوليوز 2018م. 

وكان الحديث في هذا المجلس تابعا لما سَبقَ ذِكْرُه في المجلس السابق في باب «التنازع في العمل». ويتعلقُ الأمرُ بشروط التنازع في العمل:

1- وأول هذه الشروط: إن كان العاملان المتنازعان فعلين يشترط فيهما أن يكونا متصرفين، وقد يكونان اسمين ويشترط فيهما حينئذ أن يكونا مشبهين للفعل في العمل، وذلك بأن يكونا اسمي فاعلين أو اسمي مفعول، أو مصدرين، أو صفتين مشبهتين، أو أن يكونا مختلفين، وبَيَّنَ المحاضر أنه لا تنازعَ بين حرفين، ولا بين فعلين جامدين، ولا بين اسمين غير عاملين، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد، أو فعل متصرف واسم غير عامل. 

وثاني هذه الشروط: أن يكون بين العاملين ارتباط، وأضاف المحاضرُ أن هذا الارتباط يحصل بأَحَدِ ثلاثة أمور، أولها: أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، وثانيهما: أن يكون أولهما عاملا في ثانيهما، وثالثهما: أن يكون جوابا للأول. وثالث الشروط التي أشار إليها المحاضر أن يكونَ كلُّ واحد من المعمولين موجها إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى. وختم حديثَه  عن شروط العاملين بالشرط الرابع وهو أن يكون العاملان متقدمين عن المعمول، فإن تقدم المعمول فإما أن يكون مرفوعا وإما أن يكون منصوبا، فإن تقدم وكان مرفوعا فلا عمل لأحد العاملين فيه، بل كل واحد منهما عاملاً في ضميره، وإن كان منصوبا فالعامل فيه هو أول العاملين، وللثاني منهما معمول محذوف يدل عليه المذكور، أَوْ لَا معمولَ لَهُ أَصلا، وإن توسط المعْمُولُ بين العاملين فهو معمُولٌ لِلسَّابِقِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، وللمتأخر عنه معمولٌ محذوفٌ يدل عليه المذكور.    

ثم انتقل المُحاضرُ  إلى شرح ما تبقى من أبيات الألفية في «باب التنازع» وهي قول الناظم:

وَأَظْهِرِ انْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرَا *** لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ المُفَسِّرَا

نَحْوُ أَظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا *** زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ فِي الرَّخَا

وفي تعليقه على هذين البيتين ذكر أنه يجب أن يُؤْتَى بمفعول الفعل المهمَل ظاهرًا إذا لَزِم من إضْمَاره عدم مطابقته لما يفسِّره؛ لكونه خبرا في الأصل عمّا لا يطابق المُفَسِّرَ، كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفردٍ ومُفَسِّرُهُ مُثَنًّى، نحو: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ» فــ «زيدًا»: مفعولٌ أول لأظن و«عَمْرًا»: معطوفٌ عليه، و«أَخَوَيْنِ»: مفعول ثانٍ لأظن، والياء مفعول أول ليظنان، فيَحْتَاج إلى مفعولٍ ثان، فلو أَتَيْتَ به ضميرًا فقلت: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ إِيَّاهُ زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ»، لكان «إيَّاه» مُطابِقا للياء، في أنَّهما مفردان، ولكن لا يُطَابِقُ ما يعُودُ عليه وهو «أَخَوَيْنِ»، لأنه مفرد، و«أخوين» مثنّى؛ فَتَفُوتُ مطابقة المُفَسِّرِ لِلْمُفَسَّر، وذلك لا يجوز. وإن قلت: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ إِيَّاهُمَا زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ» حصَلَتْ مطابقة المُفَسِّرِ لِلْمُفَسَّر في التثنية، وذلك لكون «إياهما» مثنى، و«أخوين» كذلك، ولكن تَفُوتُ مُطابقَةُ المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل؛ لكون المفعولِ الأولِ مفردًا، وهو الياء، والمفعول الثاني غيرَ مفرد، وهو «إِيَّاهُمَا»، ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ، فلما تعذَّرَت المطابقةُ مع الإضمار وجب الإظهار؛  فتقول: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ أَخًا زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ»؛ فـ« زيدا وعمرا أخوين»: مفعولَا أظن، والياء مفعول يظنان الأول، و«أخا» مفعوله الثاني، ولا تكون المسألة حينئذ من باب التنازع، لأن كُلًّا من العاملين عَمِلَ في ظاهر، وهذا مذهب البصريين. وأشار المحاضر إلى أن الكوفيين أجازوا الإضمارَ مراعًى به جانب المُخْبَرِ عنه؛ فتقول: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ إِيَّاهُ زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ» وأجازوا أيضا الحذف، فتقول: «أَظُنُّ وَيَظُنَّانِ زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ». ووضح أن الوقوف على مثل هذه الوجوه الإعرابية هام جدا؛ لأنه مبحث تستوعبه العربية ويجوز العثور على شواهد شعرية تدخل في هذا الباب، وأنه لولا أهمية هذا الجانب لَمَا خَصَّصَ ابن مالك رحمه الله بيتين لبيان فَوائده.

وختم المُحاضرُ المجلسَ بوقوفه على نماذج إعرابية من الشعر العربي تدخل في باب التنازع، منبها في هذا السياق على أن الإعراب مدخل لفهم المعنى المراد، وأنه يتعين على الطالب أن يكون على دراية بهذه الجوانب النحوية لفك مغاليق النصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق