مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 17

استؤنف يوم الأربعاء 13 جمادى الآخرة 1440هـ، الموافق لـ 20 فبراير 2019 م، المجلس السابع عشر من مجالس الألفية، التي يعقدها فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية لفائدة باحثي المركز.

وقد تطرق الأستاذ في هذا المجلس إلى باب جديد هو باب «تعدي الفعل ولزومه»، واستهل حديثه بأنه باب من الأبواب التي تستغرق أجزاء كثيرة من النحو العربي، وذكر أن فائدة هذا الباب هو معرفة خصائص الأفعال في العمل؛ وأن ذلك يمكننا من التمييز بين الأفعال التي تتعدى والأفعال التي لا تتعدى، ويمكننا من تصحيح استعمالنا للأفعال. ثم انتقل إلى شرح ما ورد في الباب من أقوال الناظم:

عَلَامَةُ الفِعْلِ المُعَدَّى أَنْ تَصِلْ *** «هَا» غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ، نَحْوُ عَمِلْ

وفي شرحه لهذا البيت بيَّنَ أن الفعل ينقسم إلى متعد ولازم؛ فالمتعدي هو الذي يصل إلى مفعوله بغيرحرف جر، نحو: «ضَرَبْتُ زَيْدًا»، واللازم ما ليس كذلك وهو ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر نحو: «مَرَرْتُ بِزَيْدٍ»، أو لا مفعول له، نحو: «قَامَ زَيْدٌ»، ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه فعلا متعديا وواقعا ومجاوزا، وما ليس كذلك يسمى لازما وقاصرا، وغير متعد ويسمى متعديا بحرف جر.

وفي هذا السياق أوضح المحاضرُ أن من العلماء من ذهب إلى أن الفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول المتعدي، والثاني اللازم، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم، وجعلوا من القسم الثالث «كان» وأخواتها؛ لأنها لا تنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر، كما مثلوا له ببعض الأفعال التي وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها، وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر، نحو: «شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له».

وذكر  المحاضر أن علامة الفعل المتعدي هي أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر وهي هاء المفعول به نحو: «البَابُ أَغْلَقْتُهُ».

 وانتقل المحاضرُ إلى شرح بيت آخر في هذا الباب، وهو قول الناظم:

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ *** عَنْ فَاعِلٍ، نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الكُتُبْ 

وقد ذكر في تعليقه على هذا البيت أن شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله، نحو: «تَدَبَّرْتُ الكُتبَ»، فإن ناب عنه وجب رفعه، نحو: «تُدُ بِّرَتِ الكُتُبُ»، وأضاف المحاضر أنه قد يُرْفع المفعول ويُنْصَب الفاعل عند أمن اللّبس، نحو: «خَرَقَ الثَّوْبُ المِسْمَارَ»، وفي  هذا المنحى وقف على قول السيوطي في ذلك: وَسمع رفع الْمَفْعُول بِهِ وَنصب الْفَاعِل، حكوا: خرق الثَّوْبُ المسمارَ، وَكسرَ الزُّجَاجُ الْحَجَرَ، وَقَالَ الشَّاعِر: [همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي ج 2، ص:6]

مِثْلُ القَنَافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ *** نَجْرَانَ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ

ثم أوضح المحاضر أقسام الأفعال المتعدية فذكر أنها على ثلاثة أقسام: أحدها ما يتعدى إلى مفعولين، وهو على قسمان: ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر كـ«ظنَّ وأخواتها»، وما ليس أصلهما ذلك كـ«أَعْطَى وكَسَا»، وثانيها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كـ«أَعْلَمَ وأَرَى»، وثالثها ما يتعدى إلى مفعول واحد كـ «ضَرَبَ».

ثم انتقل المحاضر إلى أبيات أخرى في هذا الباب، وهو قول الناظم:

وَلَازِمٌ غَيْرُ المُعَدَّى، وَحُتِمْ*** لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا، كَنَهِمْ

كَذَا افْعَلَلَّ، وَالمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا*** وَمَا اقْتَضَى: نَظَافَةً، أَوْ دَنَسَا

أَوْ عَرَضًا، أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى*** لِوَاحِدٍ، كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا

وفي شرحه لهذه الأبيات ذكر أن الفعل اللازم هو ما ليس بمتعد، وهو ما لا يتصل به هاء الضمير غير المصدر، وفي هذا الصدد بين المحاضر أنه يتعي اللزوم لكل فعل دال على سجية، نحو: «شَرُفَ، وَكَرُمَ»، وكذا كل فعل على وزن افْعَلَلَّ نحو: «اقْشَعَرَّ، واطْمَأَنَّ»، أو على وزن افْعَنْلَلَ، نحو: «اقْعَنْسَسَ»، أو ما دل على نظافة كـ «طَهُرَ الثَّوْبُ»، أو على دنس كـ «دَنِسَ الثَّوْبُ»، أو دل على عَرَض نحو: «مَرِضَ زَيْدٌ»، أو كان مطاوعا لما تعدى إلى مفعول واحد، نحو: «مَدَدْتُ الحَدِيدَ فَامْتَدَّ».

وفي مجلس آخر استأنف المحاضر ما تبقى من أبيات الناظم في هذ الباب وهو -تعدي الفعل ولزومه-، حيث يقول الناظم:

وَعَدِّ لَا زِمًا بِحَرْفِ جَرِّ *** وَإِنْ حُذِفَ فَالنَّصْبُ لِلْمُنْجَرِّ

نَقْلًا، وَفِي «أَنَّ» وَ «أَنْ» يَطَّرِدُ *** مَعَ أَمْنِ لَبْسٍ: كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا

وفي ذلك أشار المحاضر إلى أن الناظم يتحدث في هذه الأبيات عن الفعل اللازم الذي لا يصل إلى مفعوله إلا بوساطة حرف جر، نحو: «مررت بزيدٍ»، وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه، نحو: «مررت زيدًا»، وهنا وقف على بيت استشهد به الناظم، وهو قول الشاعر:

تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا *** كَلَامُكُمُ عَلَيَّ إِذًا حَرَامُ

فبيَّن أن الشاهد في هذا البيت قوله: «تمرون الديار» حيث حذف الجار، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا فنصبه وأصل الكلام «تمرون بالديار». وأضاف المحاضر أنه في مذهب الجمهور لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير «أَنَّ» و«أَنْ» بل يقتصر فيه على السماع، وذهب الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا بشرط تعين الحرف ومكان الحذف، نحو: «بَرَيْتُ القَلَمَ بِالسكِّين»، فيجوز عنده حذف الباء، نحو: «بَرَيْتُ القَلَمَ السكينَ»، فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، نحو: «رَغِبْتُ فِي زَيْدٍ»؛ فلا يجوز حذف «في» لأنه لا يدرى هل التقدير «رغبت عن زيد» أو «في زيد»، وإن لم يتعين مكان الحذف لم يجُز الحذف، نحو: «اخْتَرْتُ القَوْمَ مِنْ بَنِي تَمِيم» فلا يجوز الحذف، فلا نقول: «اخْتَرْتُ القَومَ بَنِي تميم» إذ لا يدرى هل الأصل «اخترت القوم من بني تميم» أو «اخترت من القوم بني تميم». وفيما يخص «أنَّ، وأنْ» فقد ذكر المحاضر أنه يجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا شريطة أمن اللّبس، نحو: «عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا» والأصل «عجبت من أن يدوا»، ومثال ذلك مع أَنَّ بالتشديد «عجبت من أنَّكَ قَائِمٌ» فيجوز حذف «من» فنقول: «عجبت أنَّكَ قَائِمٌ»، فإن حصل لبس لم يجز الحذف، نحو: «رَغِبْتُ فِي أَنْ تَقُومَ» فلا يجوز حذف «في» لاحتمال أن يكون المحذوف «عن» فيحصل اللَّبْس.

ثم انتقل المحاضر إلى بيت آخر في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ *** مِنْ «أَلْبِسَنْ مَنْ زَارَكُمْ نَسْجَ اليَمَنْ»

وفي تعليقه على هذا البيت ذكر المحاضر أن الناظم يشير إلى الفعل المتعدي إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل، إذ الأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، نحو: «أَعْطَيْتُ زَيْدًا دِرْهَمًا»، فالأصل تقديم «زيد» على درهم لأنه فاعل في المعنى و الآخذ للدرهم.

 ثم انتقل المحاضر إلى بيت آخر في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَى*** وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ حَتْمًا قَدْ يُرَى

فقول الناظم ويلزم الأصل هو تقديم الفاعل في المعنى نحو: «أَعْطَيْتُ زَيْدًا عَمْرًا»، فيجب تقديم الآخذ منهما ولا يجوز تقديم غيره لأجل اللبس إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل، و أضاف المحاضر أنه يجب  تقديم ما ليس فاعلا في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى، نحو: «أَعْطَيْتُ الدِّرْهَمَ صَاحِبَهُ» فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا في المعنى. 

ثم استعرض قول الناظم في البيت ما قبل الأخير حيث يقول:

وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ، إِنْ لَمْ يَضُـِرْ، *** كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرْ

وقف المحاضر عند فضلة  في بيت الناظم وهو خلاف العمدة؛ إذ لا يستغنى عنه كالفاعل، والفضلة هو ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به، وذكر أنه يجوز حذف الفضلة إن لم يضر، نحو: «ضَرَبْتُ زَيْدًا»: «ضربت» بحذف المفعول به، وإذا ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها، وذلك إذا وقع المفعول به في جواب سؤال نحو أن يقال: «مَنْ ضَرَبْتَ؟» فتقول: «ضَرَبْتُ زَيْدًا»، أو وقع محصورا نحو: «ما ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا» فلا يجوز حذف «زيدا» في الموضعين إذ لا يحصل الجواب في الأول، ويبقى الكلام في الثاني منفيا دالا على نفي الضرب مطلقا.

وختم المحاضر المجلس بشرح البيت الأخير في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَيُحْذَفُ النَّاصِبُـ هَا إِنْ عُلِمَا، *** وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا

وفي شرحه لهذا البيت أوضح الدكتور عبد الرحمن بودرع أنه يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل، نحو: «مَنْ ضَرَبْتَ» فنقول: «زيدًا»، والتقدير «ضربت زيدا»، فحذف «ضربت» لدلالة ما قبله عليه، وقد يكون واجبا نحو: «زَيْدًا ضَرَبْتُهُ»، والتقدير «ضربت زيدًا ضربته» فحذف «ضربت» وجوبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق