مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 15

استؤنف يوم الأربعاء 30 جمادى الأولى 1440هـ، الموافق لـ 06 فبراير 2019 م، المجلس الخامس عشر من مجالس الألفية، التي يشرف عليها فضيلة الدكتور عبدالرحمن بودرع بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية لفائدة باحثي المركز.

وكان الحديث في هذا المجلس متصلا بالمجلس السابق الذي تناول فيه «باب الحال»، وقد أكمَلَ في هذا المجلس شرحَ ما بقي من البابِ من أبيات، وأولها قولُ الناظم رحمه الله:

وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الفِعْلِ لا *** حُرُوفَهُ مُؤَخَّرًا لَنْ يَعْمَلَا

كَـ « تِلْكَ، لَيْتَ، وَكَأَنَّ» وَنَدَرْ *** نَحْوُ «سَعِيدٌ مُسْتَقِرًّا فِي هَجَرْ»

وقد ذكَرَ في تعليقه على هذا البيت أنه لا يتقدم الحال على عامله المعنوي؛ وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه، كأسماء الإشارة، وحروف التمني، والتشبيه، والظرف والجار والمجرور، نحو: «تِلْكَ هندٌ مجردةً، وليت زيدًا أميرًا أخوك، وكأنَّ زَيْدًا راكبًا أسدٌ»؛ فلا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي في هذه الأمثلة، فلا نقول: «مجردةً تلك هند»، ولا «أميرًا ليت زيدًا أخوك»، ولا «راكبًا كأنَّ زيدًا أسدٌ».

وأضاف المُحاضرُ أن هناك أدوات أخرى أشار إليها الشارح أولها حرف الترجي مثل «لعل»، نحو: لعل زيدًا أميرًا قادم، وثانيها حروف التنبيه، نحو: ها أنت زيد راكبًا، وثالثها أدوات الاستفهام الذي يقصد به التعجب، كقول الأعشى:

يا جَارتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ

ورابعها أدوات النداء، «يا» نحو: «يا أيها الرجل قائمًا»، وخامسها «أما»، نحو : أمّا علمًا فعالم، وفي هذا المنحى ذكر بعضَ وجوه تقديم الحال على عاملها الظرف نحو: زيدٌ قائمًا عندك، والجار والمجرور نحو قوله تعالى: «وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمينِهِ».

ثم انتقل المحاضر إلى البيت الثالث في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَنَحْوُ: « زَيْدٌ مُفْرَدًا أَنْفَعُ مِنْ ***  عَمْرٍو مُعَانًا» مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ

وفي تعليقه على هذا البيت  ذكر أن أَفْعَلَ التفضيل لا يعمل في الحال متقدمةً، واستُثنيَ من ذلكَ ما إذا فُضِّلَ شيء في حال على نفسه أو غيره في حال أخرى، فإنه يعمل في حالين إحداهما متقدمةٌ عليه، والأخرى متأخرة عنه، نحو: «زَيْدٌ قَائِمًا أَحْسَنُ مِنْهُ قاعدًا» و« زيد مفردًا أَنْفَعُ من عمرو مُعَانًا»، فـ «قائمًا، ومفردًا» منصوبان بأحسن وأنفع، وهما حالان وكذا «قاعدًا، ومعانًا» وهو مذهب الجمهور، وأشار المحاضرُ إلى مذهبِ السِّيرافي في هذه المسألة وهو أنّ ما عُدَّ ههنا حالاً هو خبر منصوبٌ بكان المحذوفة، والتقدير في ذلك «زيد إذا كان قائمًا أحْسَنُ منه إذا كان قاعدا، وزيد إذا كان مفردًا أنفع من عمرو إذا كان مُعَانًا». وأضاف المُحاضرُ أنه لا يجوز تقديمُ هذين الحالين على أفعل التفضيل، ولا تأخيرُهما عنه؛ فلا نقول: «زيد قائمًا قاعدًا أحسن منه»، ولا نقول: «زيد أحسن منه قائمًا قاعدًا».

ثم انتقل المحاضر إلى البيت الرابع في هذا الباب، وهو قول الناظم:

وَالحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ *** لِمُفْرَدٍ -فَاعْلَمْ- وَغَيْرِ مُفْرَدِ

وفي شرحه لهذا البيت أوضح المحاضر أنه يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد أو متعدد؛ فمثال الأول: «جاء زيد راكبًا ضاحكًا»، فـ «راكبا وضاحكا» حالان من «زيد» والعامل فيهما «جاء»، ومثال الثاني: «لقيتُ هندًا مُصْعِدًا مُنْحَدِرَةً»، فـ «مصعدا» حال من التاء و«منحدرة» حال من «هند» والعامل فيهما «لَقِيتُ»، وهنا وقف على بيت استشهد به الناظم، وهو قول الشاعر:

لَقِيَ ابْنِي أَخَوَيْهِ خَائِفًا *** مُنْجِدَيْهِ؛ فَأَصَابُوا مَغْنَمَا

فقوله: «خائفا» حال من «ابني»، و«منجديه» حال من «أخويه»، والعامل فيهما «لقي»، والشاهد في هذا البيت قوله: «خائفا منجديه» فإن الحال متعددة لمتعدد.

ثم انتقل المحاضر إلى البيت الخامس وهو قول الناظم:

وَعَامِلُ الحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا *** فِي نَحْوِ: «لَا تَعْثَ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا»

وفي تعليقه على هذا البيت ذكر المحاضر أن الحال تنقسم إلى مؤكِّدة وغير مؤكِّدة، فالمؤكِّدة على قسمين وغير المؤكدة ما سوى القسمين، فالقسم الأول من المؤكدة ما أكدت عاملَها، وهي كل وصف دل على معنى عامله، وخالفه لفظا وهو الأكثر، أو وافقه لفظا وهو دون الأول في الكثرة، فمثال الأول قوله تعالى: «وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ»، ومن الثاني قوله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ».

وختم المُحاضرُ المجلسَ بشرح البيت التالي: 

وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ *** عَامِلُهَا، وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ

وفيه أشار إلى القسم الثاني من الحال المؤكدة وهي ما أكدت مضمون الجملة، وشرط الجملة أن تكون اسمية، وجزآها معرفتان جامدان، نحو: «زَيْدٌ أَخُوكَ عَطُوفًا، وَأَنَا زَيْدٌ مَعْرُوفًا»، فـ «عطوفا، ومعروفا» حالان وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا، والتقدير في الأول «أَحُقُّهُ عَطُوفًا» وفي الثاني «أُحَقُّ مَعْرُوفًا»، موضحا في هذا المقام أنه لا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة، فلا نقول «عطوفًا زيدٌ أخُوكَ» ولا «معروفا أنا زيد»، ولا توسطها بين المبتدأ والخبر، فلا نقول «زيدٌ عطوفًا أخُوكَ»، وهنا وقف على بيت استشهد به الناظم، وهو قول الشاعر:

أَنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي*** وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ؟

وبينَ أن الشاهدَ في هذا البيت قوله «معروفا» فإنه حالٌ أكَّدَت مضمونَ الجملة التي قبلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق