مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 13

استؤنف يوم الأربعاء 16 جمادى الأولى 1440هـ، الموافق لـ 23 يناير 2019 م، المجلس الثالث عشر من مجالس الألفية، التي يشرف عليها فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية لفائدة باحثي المركز.وكان الحديث في هذا المجلس متصلا بالمجلس السابق الذي تناول فيه «باب الحال»،واقتصر في هذا المجلس على شرح الأبيات المتبقية، أولها البيت التالي:

وَمَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حَالًا يَقَعْ*** بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ

وفي تعليقه على هذا البيت ذكر أن الحالَ يكون وصفا؛ وهو ما دل على معنى وصاحبه: كقائم وحسن، ومضروب – فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل، إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى، وقد كثر مجيء الحال نكرة، ولكنه ليس بمقيس؛ لمجيئه على خلاف الأصل، ومنه: «زيدٌ طلعَ بَغْتةً» فـ «بغتةً» مصدر نكرة وهو منصوب على الحال، والتقدير: زيد طلع باغتًا وهو مذهب سيبويه والجمهور، وفي ذلك ذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية والعامل فيه محذوف، والتقدير: طلع زيدٌ يبغتُ بغتةً، فـ «يبغت» عندهما هو الحال، وقد سار الكوفيون على نفس منحى الأخفش والمبرد، لكن الناصب عندهم- أي الكوفييين- هو الفعل المذكور وهو «طلع» لتأويله بفعل من لفظ المصدر، والتقدير في قولنا «زيدٌ طلعَ بَغْتةً»؛ فيؤولون طلع ببغت، وينصبون به «بغتة».

ثم انتقل المحاضر إلى أبيات أخرى في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِبًا ذُو الحَالِ، إِنْ*** لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ، أَوْ يَبِنْ

مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ، كَ «لَا *** يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِئٍ مُسْتَسْهِلَا»

وفي تعليقه على هذا البيت  ذكر الدكتور أن صاحب الحال يكون معرفة، ولا ينكر في الغالب إلا عند وجود مسوغ، وهو كالتالي:

– أن يتقدم الحال على النكرة، نحو: «فيها قائمًا رجلٌ» وكقول الشاعر:

وَبِالجِسْمِ مِنِّي بَيِّنًا لَوْ عَلِمْتِهِ *** شُحُوبٌ، وَإِنْ تَسْتَشْهِدِي العَيْنَ تَشْهَدِ

وأوضح أن الشاهدَ في هذا البيت قولُه: «بينا» حيث وقعت الحال من النكرة، التي هي قوله: «شحوب»، والمُسَوِّغُ لذلك تَقدُّمُ الحال على صاحبها.  

وكقول الشاعر:

وَمَا لَامَ نَفْسِي مِثْلَهَا لِي لَائِمٌ *** وَلَا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي

فالشاهد في هذا البيت قوله: «مثلها لي لائم» حيث جاءت الحال وهي قوله «مثلها» و«لي» من النكرة، وهي قوله «لائم»، والذي سوغ ذلك تأخر النكرة عن الحال.

– ومنها أن تخصص النكرة بوصف، أو بإضافة، فمثال ما تخصص بوصف، قوله تعالى: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ  أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا»، وكقول الشاعر:

نَجَّيْتَ يَا رَبِّ نُوحًا، وَاسْتَجَبْتَ لَهُ *** فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ فِي اليَمِّ مَشْحُونَا

وَعَاشَ يَدْعُو بِآيَاتٍ مُبَيِّنَةٍ *** فِي قَوْمِهِ أَلْفَ عَامٍ غَيْرَ خَمْسِينَا

وبين أن الشاهد هنا قوله «مشحونا» حيث وقع حالا من النكرة، وهي قوله: «فلك» والذي سوغ مجيء الحال من النكرة أنها وصفت بقوله «ماخر» فقربت من المعرفة. 

ومثال ما تخصص بالإضافة قوله تعالى: «فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ».

– ومنها أن تقع النكرة بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام والنهي، وهو المراد بقوله: «أو يبن من بعد نفي أو مضاهيه»، فمثال ما وقع بعد النفي قوله:

مَا حُمَّ مِنْ مَوْتٍ حِمًى وَاقِيَا*** وَلَا تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيَا

ووضح المحاضرُ أن الشاهد في هذا البيت  قوله: «باقيا»، حيث وقع حالا من النكرة.

ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله:

يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِيًا فَتَرَى *** لِنَفْسِكَ العُذْرَ فِي إِبْعَادِهَا الأَمَلَا؟

والشاهد فيه قوله:«عيش» والذي سَوَّغَ مجيءَ الحال منها وقوعُها بعد الاستفهام الإنكاري الذي يؤدي معنى النفي.

ومثالُ ما وقع بعد النهي قولُ المصنف:« لا يَبغِ امرؤٌ على امرئ مستسهلا»، وقول قَطَري بنِ الفُجاءَةِ:

لَا يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلَى الإِحْجَامِ *** يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ

والشاهد فيه قوله: «متخوفا» حيث وقع حالا من النكرة التي هي قوله أحد، والذي سوغ مجيء الحال من النكرة هو وقوعها في حيز النهي بلا.

ثم انتقل المحاضر إلى بيت آخر في هذا الباب، وهو قول الناظم:

وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ*** أَبَوْا، وَلَا أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ

وفي تعليقه على هذا البيت ذكر أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف وهو مذهب جمهور النحويين، فلا نقول في «مررتُ بهندٍ جَالسَةً» : مررت جالسةً بهندٍ، في حين ذهب الفارسي وابن كيسان وابن برهان و الناظم إلى جواز ذلك لورود السماع بذلك، ومنه قوله:

لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِيًا *** إِلَيَّ حَبِيبًا، إِنَّهَا لَحَبِيبُ

والشاهدُ فيه – كما ذكر المُحاضرُ – قولُه: «هَيْمَانَ صاديَا» حيث وقعا حالين من الياء المجرورة محلا بإلى وتقدما عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق