مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 12

انعقد يوم الأربعاء 9 جمادى الأولى 1440 هـ الموافق لــ 16 يناير 2019 م, بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية المجلسُ الثاني عشر من مجالس الألفية التي يشرف عليها الدكتور عبد الرحمن بودرع.

وكان المحاضرُ قد فرغ في المجلس الأخير من الحديث عن «باب التمييز»، وأمّا في هذا المجلس فقَد استهل حديثَه عن باب كبير يعد من أبواب الفضلات وهو «باب الحال».واقتصر على شرح الأبيات الخمسة الأولى في «باب الحال» من «الألفية» أولها البيت التالي:

الحَالُ وَصْفٌ، فَضْلَةٌ، مُنْتَصِبُ، *** مُفْهِمٌ فِي حَالٍ كَفَرْدًا أَذْهَبُ

وقف عند الحال في بيت الناظم وهو الوصف، الفضلة، المنتصب، للدلالة على هيئة، نحو: «فردا أذهب»، ففردا حال؛ وقد توفرت في الحال  الشروط المذكورة فيه فهو وصف وفضلة ومنتصب الدلالة.

وأشار إلى قول الناظم:«فضلة» تمييزا له عن «العمدة» نحو: «زَيْدٌ قَائِمٌ»، وبقوله «للدلالة على الهيئة» احترازاً من دلالة التمييز المشتق نحو: «لله دَرُّهُ فَارِسًا»، فإنه تمييز لا حال؛ إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة بل التعجب من فروسيته؛ فهو لبيان المتعجب منه، لا لبيان هيئته. و«رَأَيْتُ رَجُلًا رَاكِبًا» فراكبا صفة تدل على الوصف ولكنها منصوبة ونصبها ليس على الحالية.

ثم انتقلَ المحاضرُ إلى البيت الثاني في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلًا مُشْتَقَّا *** يَغْلِبُ، لَكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا

وفي شرحه لهذا البيت ذكر أن الأصل في الحال أن يكون مشتقا من المصدر وليس مستحقا، ومعنى الانتقال ألا تكون ملازمة للمتصف بها، نحو: «جاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا»، فـ«راكبا» وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد بأن يجيء ماشيا.

كما بين المحاضرُ أن الحال تأتي غير منتقلة، أي وصفا لازما، نحو: «دَعَوْتُ اللهَ سَمِيعًا» و«خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ يَدَيْهَا أَطْوَلَ مِنْ رِجْلَيْهَا»، وهنا وقف على بيت استشهد به الناظم، وهو قول الشاعر: 

فَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ العِظَامِ، كَأَنَّمَا *** عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجَالِ لِوَاءُ

فقوله: «سميعا، وأطول، وسبط» أحوال، وهي أوصاف لازمة، وأوضح أن الشاهد في هذا البيت قوله:«سبط العظام»حيث ورد الحال وصفا ملازما.

وأشار إلى أن الحال غير المنتقلة تجيء في ثلاث مواضعَ أجْمَلَها فيما يلي:

أولاها: أن يكون العامل فيها مشعرا بتجدد صاحبها، نحو قوله تعالى: «وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا». وثانيها: أن تكون الحال مؤكدة إما لعاملها، نحو قوله تعالى: «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا»، وإما مؤكدة لصاحبها، نحو قوله عز وجل: «لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا»، وإما مؤكدة لمضمون جملة قبلها، نحو: «زيد أبوك عطوفًا». وثالثها: في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، نحو قوله تعالى: «أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا».

ثم انتقل المحاضر إلى البيتين الثالث والرابع في هذا الباب وهو قول الناظم:

وَيَكْثُرُ الجُمُودُ: فِي سِعْرٍ، وَفِي*** مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّفِ

كَبِعْهُ مُدًّا بِكَذَا، يَدًا بِيَدْ، *** وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا، أَيْ كَأَسَدْ

وفي تعليقه على هذين البيتين بيَّنَ الحالاتِ التي تجيء فيها الحال جامدة، وذلك إن دلت على سعر نحو: «بِعْهُ مُدًّا بِدِرْهَمٍ»، فـ «مدا» حال جامدة وهي في معنى المشتق؛ إذ المعنى «بِعْهُ مُسَعَّرًا كل مد بدرهم»، ويكثر جمودها إن دل على تفاعل، نحو: «بِعْتُهُ يَدًا بِيَدٍ»، أي مُناجَزَةً، أو على تشبيه، نحو: «كَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا» أي مُشْبِها الأسد، فـ «يد، وأسد» جامدان وصح وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: «وفي مبدي تأول». 

وختم المُحاضرُ المجلسَ بشرح البيت التالي:

وَالحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظًا فَاعْتَقِدْ *** تَنْكِيرَهُ مَعْنًى، كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ

فذكر أن الحال لا تكون إلا نكرة وهو مذهب جمهور النحويين، وأن ما ورد منها مُعَرَّفا لفظا فهو مُنَكَّرٌ معنى، نحو: «جاؤوا الجمَّاءَ الغفيرَ»، وفي هذا السياق وقف على بيت استشهد به الناظم وهو قول الشاعر:

فَأَرْسَلَهَا العِرَاكَ، وَلَمْ يَذُدْهَا*** وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى نَغَصِ الدِّخَالِ

فبيَّنَ أن الشاهدَ في هذا البيت قوله:« العراكَ» حيث وقع حالا مع كونه معرفة – والحال لا يكون إلا نكرة- وإنما ساغ ذلك لأنه مؤول بالنكرة، أي أرسلها معتركة، يعني مزدحمة.

وفي هذا المقام أضاف المُحاضرُ أن البغداديين أجازوا تعريفَ الحال مطلقا بلا تأويل، وفي ذلك أجازوا «جَاءَ زَيْدٌ الرَّاكِبَ»، وقد فَصَّلَ الكوفيون القولَ في هذا السياق، فقالوا: إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها، نحو: «زيد الراكبَ أحسنُ منه الماشي»، فــ «الراكب والماشي» حالان وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط، فيكون التقدير: «زيد إذا ركب أحسنُ منه إذا مشى»، فإن لم تتقدر بالشرط لم يصح تعريفها، فلا نقول: «جاء زيد الراكبَ» إذ لا يصح «جاء زيد إن ركب». 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق