مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

لقاء علمي بالرابطة المحمدية للعلماء في موضوع: الكتاب العربي المخطوط في المكتبة الوطنية التونسية

احتضنت قاعة إدريس بن زكري بمقر الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط، يوم الثلاثاء 07 مارس 2023م، لقاء علميا في موضوع: الكتاب العربي المخطوط في المكتبة الوطنية التونسية، نظمه مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بتنسيق مع الخزانة الحسنية ومركز الدراسات القرآنية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، وحضر هذا اللقاء العلمي الحافل نخبة من الأساتذة والباحثين المهتمين بمجال التراث المخطوط، وتولى إدارته فضيلة الدكتور عبد القادر سعود نيابة عن رئيس المركز المنظم لهذا اللقاء العلمي الأستاذ الدكتور عبد اللطيف الجيلاني، وكان الافتتاح بكلمة ترحيبية، تلاها مداخلة لفضيلة الدكتور أحمد شوقي بنبين ـ مدير الخزانة الحسنية ـ الذي نوّه بضيفة اللقاء سعادة الدكتورة رشيدة السمين، واستعرض جوانب من مسيرتها العلمية والعملية، مشيرا إلى تنوع اهتماماتها العلمية؛ بدءا بالفلسفة التي هي مجال تخصصها، فهي تحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة من خلال اشتغالها على فلسفة ابن رشد، وذكر الدكتور بنبين أن للمحاضرة عناية بتحقيق النصوص المتصلة بفن المنطق، وأنها قامت بإخراج بعض شروح إيساغوجي، إلى جانب اهتمامها بالجانب الكوديكولوجي في المخطوطات العربية، وفي السياق نفسه أشاد بأخلاقها العالية، وتفانيها في خدمة الباحثين.

بعد هذا التقديم شرعت المحاضرة في إلقاء كلمتها واستهلتها بالحديث عن اهتمام التونسيين بجمع الكتب النادرة، عن طريق تأليفها، أو استنساخها أو شرائها، وغير ذلك، فظهرت الإرهاصات الأولى لبعض الخزائن، مثل «بيت الحكمة» برَقَّادَة، و«جامع عقبة» بالقيروان، و«جامع الزيتونة» بتونس إلى جانب مكتبات القصور والعلماء.

واستعرضت تطور المكتبة التونسية العمومية بصورة إجمالية، وأرجعت البداية الأولى لذلك إلى عهد إبراهيم الأصغر أحد ملوك بني الأغلب في القرن الثالث الهجري الذي قام بإرسال البعثات العلمية إلى دمشق وبغداد، لاستقدام نخبة من العلماء إلى عاصمة ملكه رَقَّادة، وعمل على اقتناء الكتب النادرة، وأسس بيت الحكمة، وضم إليه عددا من الكتب المنسوخة على الرَّق أو الكاغد.

كما زخرت مكتبة القيروان بمجلدات العلوم الدينية وغيرها، منها أمهات كتب المذهب المالكي، مثل «المدونة» برواية سحنون، و«الواضحة» لابن حبيب، وقطع من «جامع عبد الله بن وهب»، و«تفسير ابن سلام»، وغيرها.

liqae1

أما الموضوعات العلمية التي استحدثت آنذاك بتونس مثل التنجيم والفلسفة، فكان لا يُنظَر إليها بعين الرضا من قبل الفقهاء، إلا ما له علاقة بالعلوم الشرعية كالحساب والهندسة مثلا، ولذلك لم تكن تدرس بالقيروان، وإنَّما استأثر «بيت الحكمة» برقَّادة بالعناية بها ودراستها ونشرها، وانتقلت بعض كتب الطب منها إلى جنوب إيطاليا، مثل كتاب «الماليخوليا»، لإسحاق بن عمران، وكتاب «الاعتماد في الأدوية المفردة»، لابن الجزار، وغيرها.

وأشارت الباحثة إلى أنه ليس لدينا إحصاء عن الكتب التي اشتمل  عليها «بيت الحكمة»، ولكن يمكن القول أنَّ هذه المكتبة كانت بالأهمية بمكان، وهي التي ورثها الفاطميون عند استيلائهم على تونس، وأضافوا إليها الشيء الكثير ممَّا استنسخوه أو أوتي به إليهم، ثم  نقلوها إلى القاهرة حين استيلائهم عليها.

وبعد انقراض حكم الفاطميين، جاء بعدهم بنو زيري الصَّنهاجيون الذين اشتهر منهم المعزُّ بن باديس الذي عَرف عهده نهضة عملية وأدبية كبيرة بلغت فيه المكتبة التونسية شأنا كبيرا، فقد بذل جهدا عظيما في نسخ المصاحف والكتب، وأوقفها على مكتبة الجامع الكبير عقبة بن نافع بالقيروان، ووصلنا من مصاحف هذه الخزانة «مصحف فاطمة الحاضنة».

وكانت مدينة تونس أيضا محط أنظار علماء المسلمين الذين توافدوا عليها لينالوا من علومها، ويمتحوا من معارفها، وكان بها عدد من المكتبات الكبيرة المهمة لاسيما تلك الموجود بجامع الزيتونة، وأهمها:

المكتبة العبدلية: وتعود نواتها الأولى إلى الدولة الحفصية، خصوصا في عهد الأمير عبد العزيز الحفصي، الذي أنشأ أول مكتبة بجامع الزيتونة سنة (1395م) وجمع فيها أمهات الكتب لينتفع بها الطلبة، وحذا حذوه أحد أحفاده، وهو عبد الله بن محمد بن الحسن الذي قصر عنايته على جمع الكتب، وأسس مكتبة عظيمة اشتهرت بالمكتبة العبدلية على اسمه،  ولكنها تضررت كثيرا أثناء الاحتلال الإسباني سنة(1572م).

وفي عهد الباي حسين بن علي التركي أعيد الاعتبار إلى المكتبات العمومية، ونسخ الكتب لاسيما كتب الفقه، فنتج عن ذلك احتواؤها على كثير من الكتب النادرة، وأعاد عبد الصادق باي إحياء وتجديد المكتبة العبدلية، وأصدر أمرا بتنظيمها، وضم إليها كتبا كثيرة، وأُطلق عليها اسم المكتبة الصادقية، ومن نفائسها كتاب «المجسطي» لبطليموس، ويعد أقدم كتاب معروف في الفلك والرياضيات.

المكتبة الأحمدية: تُنسب هذه المكتبة لمنشئها المشير أحمد باشا باي الأول، فقد قام بتجهيز جامع الزيتونة بخزائن على يمين وشمائل المحراب، وبلغت محتوياتها أكثر من ستة آلاف وأربعمائة مجلد، وخصَّ الباشا أحمد باي هذه المكتبة بقانون ينظمها، واختار أن تكون المخطوطات محبَّسة على الجامع، وكتب نص التحبيس على كل مجلد.

وأضاف إليها كذلك كتب الوزير حسين خوجة عن طريق الشراء، ومن نفائسها: «الحجة الباهرة في الرد على من أنكر أوجه الوقف المتواترة»، لأحمد الشقانصي.

ومن روافد هذه المكتبة كذلك عدد كبير من مخطوطات العلماء والوزراء مثل خزانة كتب الشيخ إبراهيم الرياحي، فقد قام الباشا أحمد باي بشرائها بعد وفاته، وضمها إلى هذه المكتبة، ومن نفائسها كتاب «الأمالي»، لأبي علي القالي، ثم جاء عدد من الوزراء فأضافوا إليها خزائن ومكتبات أخرى.

وبعد استقلال تونس صدر مرسوم بتجميع المخطوطات الموجودة في الزوايا والمساجد وغيرها، وضمها إلى دار الكتب الوطنية التي تتولى فهرستها والحفاظ عليها، وأصبحت هذه المكتبات ضمن رصيد دار الكتب الوطنية، ويبلغ عدد المخطوطات بها نحو خمسة وعشرين ألف مجلد، ونحو خمس وأربعين ألف عنوان، تشمل جميع فروع المعرفة الإنسانية.

وسعيا إلى إغناء هذا اللقاء العلمي فُتِحَ المجال في ختامه أمام الحضور للتعقيب وطرح الأسئلة؛ فتخلل ذلك إفادات علمية قيمة من الأستاذة الدكتورة رشيدة السمين وكذلك من فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين، ثم اختتم اللقاء بتجديد الشكر والعرفان للأستاذة رشيدة السمين التي تبذل مجهودات طيبة لصون شطر مهم من تراثنا العربي المخطوط بالمكتبة الوطنية التونسية، وإتاحته أمام الباحثين والمهتمين.

liqae2

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق